27-مايو-2017

تتكرر قضايا العنف الأسري التي تصل إلى حد القتل في لبنان بشكل مقلق (جاك غاز/أ.ف.ب)

عند عقد النية على كتابة هذه السطور كان الدافع جريمة عنف أسري أخرى ذهبت ضحيتها اللبنانية ماجدة رضا حيدر في مدينة صور "جنوب لبنان"، بعد أن طعنها زوجها بوحشية حتى الموت في رقبتها لأسباب قيل إنها "مالية" فسقطت الضحيّة في مطبخ بيتها الزوجي مضرّجةً بدمائها مسلّمةً الروح. لكن عند الشروع في الكتابة أي بعد أقل من ثمانٍ وأربعين ساعة كانت مواطنتها سميرة شور قد انضمت وابنتها ناريمان إلى قافلة النساء اللبنانيات اللواتي يقضين بين اليوم والآخر على يد الزوج غالباً والأب أو الأخ أحياناً.

لا تعتبر الجريمة الأسرية ظاهرة حديثة في لبنان، ولا أفق يبشّر بانحسارها وهي عادة تُدرج ضمن جرائم الشرف في محاولة للتبرير

لا رقم نهائي واضح وصريح يُبيّن عدد ضحايا العنف الأسري في لبنان. ولا معيار زمني محدّد للمراكمة بين حدّيه. فلا الجريمة "الأسرية" ظاهرة حديثة على المجتمع اللبناني، ولا أفق يبشّر بتوقّف أو أقلّه بانحسار الجرائم الموصوفة والمنفّذة بعد سابق إصرار وتصميم من قبل الزوج لإنهاء حياة زوجته. وإذا كان عنوان "جريمة الشرف" في مجتمع يُقارب الانفتاح والتقوقع من زوايا ذكورية، قد شكّل طويلاً شمّاعةً يُدرج تحتها العنف الذي يصل إلى حدّ القتل للتضليل وحماية القاتل، فإن ثورة وسائل التواصل الاجتماعي قد رفدت الإعلام منذ عدة أعوام بمزيد من الضوء لتسليطه على الواقعة وتبيان دوافعها.

اقرأ/ي أيضًا: أهم أحكام قانون مناهضة العنف ضد المرأة في تونس

ربما يكون تعداد أسماء الضحايا صعباً لكثرتها، لكن المرور على قصص المعاناة يبقى دامغاً، خصوصاً أمام فظاعة الجريمة. فصحيح أن الموت واحدٌ، إلّا أن بعض أساليب القتل صادمٌ لما فيه من وحشية. فمنال عاصي قتلها زوجها بطنجرة ضغط بعد أن حطّم جمجمتها بغطاء طنجرة ضغط، وريان إيعالي وافتها المنية بعد غيبوبة استمرت لمدة شهر نتيجة إقدام زوجها على ضربها بوحشية بالقرب من إحدى المقابر، وزهراء القبوط قتلت بسلاح حربي بعد أن طاردها زوجها وأطلق عليها النار من رشاش كلاشينكوف، كريستال أبو شقرا قتلت نتيجة تسميمها بمبيد حشري بعد تعنيف طويل من قبل زوجها، فاطمة بكور الحامل بالشهر السابع ذبحها زوجها بسبب خلاف عائلي بسيط.. واللائحة تطول.

يكفي أن يتم كتابة الكلمات التالية "قتلها زوجها في لبنان" على محركات البحث الإلكترونية للوقوع على مقالات لا تُعدّ ولا تُحصى تتناول مآسي لبنانيات قُتلن ويُقتلن كل يوم حتى بات خبر مقتل هؤلاء النسوة اعتيادياً لتوالي فصوله.

اقرأ/ي أيضًا: المعنفات في مصر.. حزينات لا ينقذهن القانون

إقرار قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري تطلب نضالاً طويلاً من المجتمع المدني اللبناني لكنه لم يردع أحدًا

واقع الجريمة وتزايدها في مختلف المناطق اللبنانية، يطرح السؤال التالي: هل يكفي اللجوء إلى العائلة لحلّ مشكلات العنف الأسري، بعد فشل "الصمت والصبر" في ترميم العلاقات الزوجية المتصدّعة وسط الابتزاز العاطفي (مسألة مستقبل الأولاد) والاغتصاب الزوجي؟. معظم اللواتي قُتلن لم تحمهن بيئتهن المحيطة، فأين القانون منهن؟

في هذا الإطار حري القول إن إقرار قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري قد تطلّب نضالاً طويلاً خاضه المجتمع المدني مع الدولة اللبنانية، خصوصاً وسط تأثير سلطة رجال الدين على رجال السياسة "النواب تحديداً" في تجاهل الأمر أولاً ثم رفض الاعتراف بالعنف الأسري عند "المواجهة" لإقصائه عن ما يُسن من قوانين. لكن بعد مضي ما يقرب الثلاثة أعوام على إقرار هذا القانون لم يرتدع القتلة ولا تراجع ظاهر في نسبة الجريمة، الأمر الذي وضع علامة استفهام حول فعالية هذا القانون وسط الظروف المحيطة في الوقت نفسه، الذي تصدر فيه أحكام مخفّفة بحق بعض الجناة.

من هي الضحية التالية سؤال مخيف، إجابته مفتوحة على كل الاحتمالات.. فإلى متى؟!

  

اقرأ/ي أيضًا:

العنف الأسري في المغرب.. ضد الرجال أيضًا

العنف الزوجي وزواج القاصرات.. أرق المغربيات