29-يوليو-2021

صورة تعبيرية (Getty)

زادت أعمال الشغب والاضطرابات العامة والتظاهرات المناهضة للحكومات في جميع أنحاء العالم بنسبة 244% خلال العشر سنوات الماضية، وفقًا لمؤشر السلام العالمي لعام 2021 الذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام، وقد صنف المؤشر أكثر من 160 دولة ومنطقة وفقًا لسلامتها. لكن اللافت يكمن في أن طبيعة هذه الاضطرابات قد تغيرت، فالتوترات المستجدة وجدت جذورها الخصبة بشكل متزايد بفعل الآثار الاقتصادية لجائحة كوفيد -19.

يرى خبير اقتصادي في صندوق النقد الدولي أن تونس خير مثال على ما أحدثه الوباء وتأثيراته على الاقتصادات الضعيفة وتعرضها لمزيد من الدمار مما أدى إلى مفاقمة الأزمات السياسية والاجتماعية

بحسب المؤشر "أدى تزايد القلق من عمليات الإغلاق وتزايد عدم اليقين الاقتصادي إلى زيادة الاضطرابات المدنية في عام 2020". وأشار التقرير إيضًا إلى أن "الظروف الاقتصادية المتغيرة في العديد من الدول تزيد من احتمالية عدم الاستقرار السياسي والتظاهرات العنيفة". فمن الطاعون الذي انتشر في العصور الوسطى، إلى جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، أدى تفشي الأمراض والأوبئة إلى إعادة تشكيل السياسة وتخريب الأنظمة الاجتماعية، وغالبًا ما تسبب في إحداث الاضطرابات. فالأوبئة تكشف حجم التصدعات الموجودة مسبقًا في المجتمعات وتعمل أحيانًا على مفاقمتها. وفي هذا الصدد وجد باحثو صندوق النقد الدولي أن البلدان التي تعاني من الأوبئة الأكثر تواترًا وشدة شهدت أيضًا اضطرابات أعلى من المعدل المتوسط.

اقرأ/ي أيضًا: "عهد الذل" وحرائق القبيات.. حديث لبنان على عتبة الذكرى الأولى لانفجار المرفأ

كما يصنف مؤشر السلام العالمي البلدان من حيث 3 جوانب تتعلق بالسلامة والأمن المجتمعي، والصراع المحلي والدولي المستمر، ومستوى العسكرة. ويشير المؤشر إلى أن الوضع مقلق وبأن السلام العالمي لعام 2020 قد أصبح أكثر تدهورًا مقارنة بالسنوات الـ15 الماضية. وكان لظهور جائحة كوفيد-19 على صعيد عالمي تأثير كبير في ازدياد العنف. فقد زادت أعداد التظاهرات العنيفة بشكل كبير، ورصد أكثر من 5 آلاف حدث عنف خلال العام الماضي، ووقعت هذه الأحداث في 158 دولة حول العالم، وكانت مدفوعة بمبررات مختلفة تتعلق بقيود وإجراءات الوقاية من ومواجهة فيروس كورونا، والمشاعر المناهضة للحكومات، وعمليات الإغلاق، وزيادة معدلات البطالة ونقص الدعم الاقتصادي.

ووفقًا للخبير الاقتصادي في صندوق النقد الدولي، فيليب باريت، فإن "الوباء يمكن أن يقمع الاضطرابات الشعبية في المراحل المبكرة كما شهدنا العام الماضي، مع استثناءات ملحوظة في لبنان والولايات المتحدة"، وأضاف "بعد ذلك، تصاعدت المخاطر، بما في ذلك تزايد مخاطر حدوث أزمات سياسية كبرى تهدد بإسقاط الحكومات والتي تحدث عادة في العامين التاليين لانتشار وباء شديد". وأشار إلى كون تونس خير مثال على ما أحدثه الوباء وتأثيراته على اقتصادها الضعيف الذي تعرض بالفعل لمزيد من الدمار مما أدى إلى مفاقمة الأزمات السياسية والاجتماعية وحدوث الاضطرابات الشعبية في البلاد، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة رويترز.

تربط بعض التحليلات ارتفاع تكاليف المعيشة وإلغاء الدعم الرسمي على المواد الغذائية والوقود الناجم عن الإصلاحات المالية والاقتصادية بتفاقم الاحتجاجات

أما رئيس قسم البحوث في شركة استشارات المخاطر، ميها هريبرنيك، فقال "عادة ما تظهر تحذيرات مبكرة من أن المخاطر آخذة في الارتفاع قبل حصول الاضطرابات، وعادة ما يساهم ارتفاع تكاليف المعيشة وإلغاء الدعم على المواد الغذائية والوقود الناجم عن الإصلاحات المالية والاقتصادية إلى تفاقم الاحتجاجات"، وأضاف "هناك عامل آخر فاعل تتم ملاحظته وهو تفكيك آليات مثل القضاء المستقل أو الصحافة الحرة أو حرية التجمع، وكذلك وجود مجموعات مهمشة كبيرة، سياسية أو دينية"، وتابع هريبرنيك بالقول "إن الشرارة التي تشعل الاحتجاجات غالبًا ما تكون القشة التي تقصم ظهر البعير، ومن المستحيل التنبؤ بها"، بحسب ما نقل موقع توداي أونلاين.  وعزز هريبرنيك رأيه بأمثلة عديدة. على سبيل المثال، أثار الخلاف حول ارتفاع طفيف في أسعار تذاكر المترو احتجاجات تشيلي عام 2019، وكانت حالة من الغليان تعتمل بفعل عدم العدالة في الدخل بين شرائح وطبقات المجتمع. أما في جنوب أفريقيا، فقد اندلعت الاحتجاجات الدامية، والتي من المحتمل أن تكون تتويجًا للتوترات الناجمة عن فقدان الوظائف الناجم عن الإغلاق.

ويشار إلى أن العشرية الأخيرة مرت على دول مثل المكسيك وسط احتجاجات كبيرة، وفي تشيلي عام 2013، واحتجاجات السترات الصفراء في فرنسا عام 2018، وهونغ كونغ عام 2019، وعادة ما يكون لكل بلد دوافعه وظروفه الخاصة بنشأة هذه الاضطرابات. 

كما يلحظ ما قاله الممثل الإقليمي لصندوق النقد الدولي لأمريكا الوسطى، ميتوديج هادزي فاسكو "التظاهرات التي اندلعت بسبب مزيج من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كان لها الأثر الأكبر"، وأضاف "يحفز كل ذلك عبر وجود مؤسسات ضعيفة وغياب مساحات سياسية يمكن للشعوب التعبير من خلالها وعبرها، مما يعني أن البلدان ذات الأسس الضعيفة قبل انتشار الوباء، ستعاني أكثر من غيرها إذا تحول السخط الاجتماعي إلى اضطرابات واحتجاجات شعبية". 

هذا ولا يخفى مستوى تدهور الأوضاع الاقتصادية في العديد من البلدان التي شهدت اضطرابات، وتزامن ذلك مع انهيار العملة المحلية وتراجع أسعار الأسهم والسندات وتعطل حركة التجارة وعجز في تمويل الميزانيات العامة وارتفاع فوائد القروض على الدولة وانخفاض التصنيف الائتماني وغيرها من المظاهر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تفعيل وسم "التطبيع خيانة" ودعم لمقاطعة إسرائيل في الأولمبياد

ما هي خطة شركة فيليب موريس ضد التدخين وسجائر مارلبورو في المملكة المتحدة؟