15-أغسطس-2016

تزيين يد العروس بالحناء في الجزائر(فايز نور الدين/أ.ف.ب)

يدخل الزواج في الجزائر ضمن قائمة الأحلام السعيدة التي تسكن رؤوس الآباء والأمهات والأطفال منذ الصغر، ويُحاط بهالة من التقديس والاهتمام، لم يفقدها رغم التحولات المختلفة التي عرفها الفضاء الجزائري. يقول مثل شعبي: "زواج ليلة تدبيرو عام"، أي أن ليلة الزواج هي ثمرة لعام كامل من التدبير والتفكير والتحضير، لا يتعلّق الأمر باختيار الفتاة المناسبة فقط، بل بالتكاليف المادية الخاصة بمراحل الزواج الكثيرة أيضًا.

تشكل الأعراس والحمامات فضاء لأن "تضع" الأم عينها على إحداهن، وإخبار ابنها عنها، ليبدأ تحقيقان متوازيان عن نسبها وسيرتها ووضعها الاجتماعي

قليلًا ما تنتهي العلاقات العاطفية بين الفتيات والفتيان بالزواج بينهم، فالشاب الجزائري لا يميل كثيرًا إلى الزواج بالفتاة التي يرتبط بها عاطفيًا في مرحلة مراهقته وما بعدها، والظاهرة جديرة بالدراسة، وتشكّل الأعراس والحمّامات فضاء لأن "تضع" الأم عينها على إحداهن، وإخبار ابنها عنها، ليبدأ تحقيقان متوازيان عن نسبها وسيرتها ووضعها الاجتماعي يتوليانه معًا.

اقرأ/ي أيضًا: زواج الواحات.. طقوس مصر الشعبية

قبل أن يتولى الرجال أمر الخطبة رسميًا، لابد أن تصل الرغبة في ذلك إلى الفتاة وأمها أو جدتها، فقد تكون مخطوبة ضمنيًا أو لا ترغب في الزواج، وحين تصل إشارة الرضا من النساء، يُطلق والد الشاب أو جدّه أو عمّه أو خاله إشارة لوالد الفتاة أو جدّها أو عمّها أو خالها أو أخيها الأكبر، وهي مرحلة تتميز بدلال كبير، إذ السائد اجتماعيًا أنه من المخلّ بحياء العائلة المخطوبة أن تعطي موافقتها بسرعة، ويُستحسن أن تتمّ تدخلات ووساطات كثيرة، عادة ما يتولاها أئمة المساجد والأعيان والأصدقاء المشتركون بين العائلتين.

تأتي إشارة القبول الأوّلي، فيقوم العريس باصطحاب أمه وأبيه أو أحد من كبار عائلته إلى بيت العروس، إذ من النادر أن يتمّ قبول شاب لا يُحضر من يضمن فيه، حاملين هدايا تسمّى "القفة"، وهي الزيارة التي تعلن فيها العائلة الخاطبة رسميًا عن رغبتها في تزويج ابنها بالفتاة، لتواجه بالمرحلة ما قبل الأخيرة من "الدلال"، والتي تلخصها عبارة: "نستشير ونخبركم قريبًا"، ويعدّ الاحتفاظ بالقفة والموافقة على تلقي العروس مبلغًا من المال من طرف العريس أو أبيه إشارة مبطنة على القبول. وتفضل بعض المناطق أن تصل الموافقة الرسمية عبر الهاتف أو وسيط، وهي آخر مرحلة من الدلال.

تتوسع دائرة القريبات والأقرباء الذين يرافقون العائلة إلى بيت العروس "يوم الخاتم"، ويسمّى أيضًا "يوم الشوفة"، وفيه يُحدّد المهر عادة، وتقرأ الفاتحة من طرف الإمام، إما في البيت وإما في المسجد، ويتبادل العروسان خاتمين، يشترط أن يكون الخاص بالعروس ذهبًا، يصبحان دليلًا على ارتباطهما المقدس.

ومن غرائب المهر في الجزائر، أن الفارق بين منطقة وأخرى فيه، قد يصل إلى الملايين، فهو رمزي في المناطق الأمازيغية والمناطق العربية المتأثرة بها، إذ يتراوح ما بين عشرة دولارات وعُشر الدولار، حتى أنه بات من الصعب إيجاد مقابله بالعملة المحلية، و7000 دولار في مناطق أخرى، وتأتي تلمسان وقسنطينة والجزائر العاصمة في مقدمة المدن غالية المهور.
 

عروس جزائرية تراقص قريباتها(فايز نور الدين/أ.ف.ب)

هذا التفاوت في المهور، يتبعه تفاوت في طبيعة الأغراض التي تحملها العروس إلى بيت الزوجية. ففي الشرق الجزائري تقع الأغطية والأفرشة الصوفية على عاتقها، بالإضافة إلى ما تبقى من الحلي والألبسة، إذ يشترط على العريس التكفل بشطر منها قبل الدخول. أما في الغرب فيذهب معظم المهر إلى الحلي واللباس وأدوات الزينة.

اقرأ/ي أيضًا: العروس المصرية تتنازل عن "الشبكة"؟

من غرائب المهر في الجزائر، أن الفارق بين منطقة وأخرى، قد يصل إلى الملايين، فهو رمزي أحيانًا ويصل إلى 7000 دولار في مناطق أخرى

تستأثر نهايات الأسبوع من فصل الصيف بأعراس الزواج، إذ من النادر أن يتزوج الجزائريون في الفصول الأخرى، ويشكل العرس حقلًا رمزيًا يظهر فيه ثراء الجزائر طقوسًا ولباسًا وطعامًا وغناءً وعاداتٍ وتقاليدَ، إذ لا تقلّ المسافة الفاصلة بين البحر في الشمال وأقصى الجنوب عن 3000 كيلومتر، بما يجعل منها قارّة من الفنون والثقافات.

تنطلق الأفراح والليالي الملاح في بيتي العروس والعريس أسبوعًا قبل ليلة الدخلة، يلتقي فيها الأهل والأقارب في سهرات عائلية راقصة، ثم تتوسّع إلى بقية المدعوين يوم الدخول الذي يبدأ بانطلاق الموكب لإحضار العروس إلى بيت الزوجية، إما في سيارة فارهة تزيّن بالورود والبالونات وشرائط الزينة، وإما فوق فرس أو في عربة يجرّها حصان أو حصانان، بحسب المسافة الفاصلة بين البيتين، وبحسب عادات كل منطقة.

في منطقة شرشال، 100 كيلومتر غربًا، وبسكرة، 500 كيلومتر جنوبًا، لا تزال الفرس وعربة الأحصنة حاضرتين يوم الزفاف، وتتوقفان عند ضريح الولي الصالح، قبل البيت، للحصول على البركة، وتشترك مناطق كثيرة في طقوس منها أن يتولى الأكبر سنًّا في عائلة العريس إخراج العروس من بيت أبيها، وتغطيتها بجناح برنسه كناية عن الحماية وتواصل الأجيال، وتقديم التمر والحليب لها قبل أن تدخل بيتها الجديد، وهناك من ينثر الحلوى فوق رأسها، كناية عن الحياة الحلوة والأيام البيضاء التي تنتظرها، أو حفنة من القمح والشعير، كناية عمّا يُنتظر منها من الخصوبة والإنجاب.

وفي منطقة أدرار، 1700 كيلومتر جنوبًا، يُختار شخص مقرّب من العريس أيامًا قبل الزفاف، عادة ما يكون ذا خبرة في العلاقات الزوجية، ليكون مرافقه في خطواته كلها، يرفع معنوياته ويعلمه كيف يستقبل ضيوفه وعروسه، ويسمّى "الوزير".

وخلال السنوات الأخيرة، خلفت القاعات المستأجرة البيوت في احتضان الأعراس، والأشرطة والأقراص المضغوطة الحناجر الحية في الغناء، والطبّاخون المستقدمون خلفوا أيضًا طبّاخات العائلة، والسيارات الفارهة للأحصنة والعربات، وهيمن المراهقون والشباب على تفاصيل الحدث، بما دفع بـ"الجيل القديم" إلى الانسحاب نوعًا ما، بكل ما يترتب عن ذلك من سلوكات يطبعها العنف والبذاءة، وباتت بعض الأعراس تفتقر للهوية الجزائرية المميزة، وهو ما قد يُلزم تحركًا نحو إنقاذ عاداتٍ وطقوسٍ كثيرة من الاندثار.

رقص في عرس جزائري(فايز نور الدين/أ.ف.ب)

اقرأ/ي أيضًا:

طلب الزواج في الجامعة.. جرأة أم وقاحة؟

الحب قبل الزواج.. محظور لدى قبائل اليمن