13-يناير-2016

كريم سهبي/أ.ف.ب/Getty

جرت العادة لدى الكتاب ودور النشر وشتى المؤسسات التي تعتمد على إنتاج المحتوى المقروء على الشكوى الدائمة من انخفاض مبيعات الكتب، وإلقاء اللوم في ذلك على عدم تأصل عادة القراءة لدى الشعوب العربية، وعدم كون الكتاب أولوية بالنسبة لغير المثقفين أو المهتمين بالشأن الثقافي. وإن كان التشخيص صعب الإنكار، ولكنه بالتأكيد قابل للتحليل بوصفه نتيجة لعدة ظروف ومتغيرات أخرى، بعضها قد يكون المذنب فيه الجهات المتشكية من شح القراء في المنطقة العربية، نجملها في النقاط الآتية: 

 

يتراوح سعر معظم الكتب لبنانية المنشأ بين 7 و12 دولار أمريكي وهي أسعار مقبولة إذا ما قيست إلى متوسط الدخل في لبنان

انعدام القراءة المجانية

بالكاد يتذكر أي منا وجود مكتبة في مدرسته، وإن كان يتذكر وجودها، فقلة هم من يتذكرون قدرتهم استعارة كتب منها أو التعامل معها كمصدرٍ شبه مجاني للكتب المستعارة. الأمر نفسه ينسحب على الجامعات الحكومية والخاصة التي بالكاد توفر لطلابها إمكانية استعارة ما يتجاوز بعض المصادر الضرورية لإكمال أبحاثهم. إضافة إلى ذلك فإن الشح في المكتبات العامة لا يمكن تجاهله في الدول العربية، في الجزائر كلها توجد فقط 83 مكتبة عامة في عام 2009 وفقًا لأرقام منظمة OCLC، وإذ يرتفع الرقم إلى 135 مكتبة في الأردن، فإنه ينخفض في لبنان -التي تطبع حصة واسعة من الكتب العربية- إلى 70 مكتبة وفي مصر إلى 50! أرقام مثيرة للسخرية إذا ما قورنت بوجود 3,123 مكتبة في اليابان (سنة 2008) و5,407 مكتبات في تشيك و8,195 مكتبة في ألمانيا.

هذا الشح في المصادر المجانية للكتب، أو التي لا تتطلب شراء الكتاب على الأقل، قد لا تؤثر كثيرًا بالنسبة لمن يملكون عادة القراءة من بين العرب، بسبب وجود منافذ أخرى على رأسها الكتاب الإلكتروني المجاني. ولكن الأثر يمتد بشكل خاص تجاه من لا يملكون عادة القراءة بعد، والذين قد يحول هذا الشح في الكتب الورقية ممكنة القراءة دون تجربة هذه العادة أو امتلاك الفضول بخصوصها.

تكاليف القراءة

من ناحية أخرى، فإن شراء الكتب لا يبدو خيارًا اقتصاديًا ممكنًا للجميع. معظم الكتب اللبنانية المنشأ، يتراوح سعرها بين 7 و12 دولار أمريكي، وهي أسعار مقبولة إذا ما قيست إلى متوسط الدخل في لبنان (حوالي 10,030 دولار سنة 2014)، ولكن بالنسبة للمصري الذي يبلغ متوسط دخله السنوي 7100 جنيه سنويًا (حوالي 900 دولار)، فإن شراء كتاب بهذا السعر يعني التخلي تقريبًا عن 10% من دخله السنوي، يمكن تلمس هذه الأزمة عند مراقبة المبيعات المرتفعة في دول الخليج للكتب، خصوصًا في السعودية، حيث يزيد متوسط دخل الفرد السنوي عن 25,000 دولار.

في الجزائر توجد 83 مكتبة عامة مقابل 135 مكتبة في الأردن وفي لبنان 70 مكتبة وفي مصر ينخفض الرقم إلى 50

الأمر ينسحب كذلك على سكان الدول التي شهدت عملاتها المحلية انخفاضًا شديدًا في قيمتها، كسوريا والعراق، وفي المقابل فإن دور النشر العربية لم تقدم حتى الآن بدائل اقتصادية، كنسخ إلكترونية من الكتب أو نسخ "ورق الجرائد" منخفضة السعر. ما دفع -مثلًا- الكاتب السوري خالد خليفة إلى إصدار نسختين من روايتيه (لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة) و(الموت عمل شاق)، واحدة من دار نشر لبنانية (الآداب للأولى ونوفل للثانية)، وأخرى من دار نشر مصرية (دار العين) لتفادي مشكلة التسعير المرتفع للكتاب اللبناني في مصر.

افتقاد المساحة

إضافة إلى الأسباب الاقتصادية التي قد تؤدي للحد من انتشار عادة القراءة، فالأمر يتعلق أيضًا بالمناخ المتحرر نسبيًا الذي تطلبه عادة مماثلة. من ناحية فإن جميع الدول العربية تقريبًا، تملك قائمة بالكتب الممنوعة، على اختلاف أنواعها، وبالنسبة للعاجزين عن قراءة الكتاب الإلكتروني، فإن الوصول إلى هذه العناوين يعد مستحيلًا. الاندفاع لقراءة الكتب، وخصوصًا الأدبية منها، ينبع عادة من الرغبة باكتشاف أفكار أو خيارات تفكير أخرى. المنع المستمر للكتب في الدول العربي، والذي زاد اتساعًا بانطلاق الربيع العربي والتهديد الذي شعرت به الأنظمة من الكلمة، يجعل السياق الذي تمنحه الكتب متسقًا مع السياق الاجتماعي والسياسي المحيط بالفرد، والذي تسعى هذه الأنظمة للترويج لكونه الأفضل، لتتحول الكتب المتوفرة -وإن كانت قيمة- مجرد قطعة أخرى من فسيفساء ملَّها الأفراد، ولا رغبة لديهم بالتمعن بالمزيد من تفاصيلها.

والأمر نفسه ينسحب على منتجي هذه الكتب، ففي حين يشاهد المواطن العربي تمجيدًا شبه يومي للمغنيين والممثلين والمشاهير الذين كثيرًا ما يخرقون أعمق المنظومات الأخلاقية في مجتمعاتهم المحلية، فإن عدد الكتاب الذين اشتهروا خارج أوساط القراء بسبب كتاباتهم بالكاد تذكر، خصوصًا إذا ما قورنوا بالذين اشتهروا بسبب اعتقالهم أو مقتلهم أو تخوينهم علنًا على الشاشات، الأمر الذي سيؤدي بشكل أو بآخر لنفور من سوق النشر، أو بدقة أكثر من عواقب الاندماج في هذا العالم.

ربما يناقش البعض أن الوصول إلى المرحلة التي تسمح بتحسن وضع القراءة تتطلب تغييرات جذرية في المجتمعات وأشكال الدول، ولكن يمكن اختصار هذا النقاش بإيراد أنه وفقًا لاستبيان واسع أجرته NOP World Culture Score لرصد العادات الإعلامية، فإن سكان تايلاند والفلبين هم أصحاب ساعات القراءة الأكثر أسبوعيًا بمعدل 22.4 للأولى و21 ساعة للثانية، وتقع مصر وفقًا لذات الاستبيان في المرتبة الخامسة بمعدل 7.5 ساعات أسبوعيًا، والسعودية في المرتبة الحادية عشرة بمعدل 6.8 ساعات أسبوعيًا، متفوقتين على المعدل العالمي (6.5 ساعات)، وعلى كل من أستراليا، ألمانيا، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة واليابان.

اقرأ/ي أيضًا:
أكذوبة إحصائيات القراءة
القارئ في اللانهاية