06-يناير-2018

كثرة الأنشطة الثقافية في العالم العربي لم تثمر إنسانًا عربيًا يحترم العمل والوقت (The National)

بات من السّائد لدى الزّملاء الإعلاميين العرب، عند نهاية كلّ سنة ميلادية، أن يطلبوا من الكتّاب والمثقفين تقييم السّنة المنتهية ثقافيًا. فيوغل قطاع واسع من هؤلاء في ذلك تفاؤلًا وتشاؤمًا واستحسانًا واستهجانًا، وكأنّهم بصدد تقييم تجارة من التجارات يمكنهم أن يعرفوا ما بيع من سلعتها وما لم يُبَعْ.

من القفز على الحقائق تقييمُ الأداء الثقافي العربي لسنة من السّنوات، قبل تقييم فلسفة العمل الثقافي وآلياته

أرى أنه من القفز على الحقائق تقييم الأداء الثقافي العربي لسنة من السّنوات، قبل تقييم فلسفة العمل الثقافي وآلياته. ذلك أنها ما يحدّد الإطار الذي يجعل أيّ حدث ثقافي ذا جدوى. هل رأيتم من يحلب خارج الإناء؟ هل يجني من حلبه شيئًا ما عدا إهدار الوقت والجهد والمال؟

اقرأ/ي أيضًا: الثقافة العربية.. طيران فوق الواقع

إن العرب لم يفصلوا في مفهوم معيّن للثقافة على أسس حضارية وإنسانية، ولم يحدّدوا الأهداف من نشاطاتهم الثقافية، ومنه لن ينفعهم أن ينظّموا حدثًا ثقافيًا في كلّ دقيقة. بل إن تلك النشاطات لا تزيد على أن تستهلك أموالًا عامّة من غير أن تترك وعيًا عامًّا.

ما جدوى أن نتفاخر بعدد معيّن من الكتب والأفلام والمسرحيات مثلًا، وعدد من وصلت إليهم لا يتجاوز سكّان قرية واحدة من بين ملايين السكّان؟ فنحن لا نملك شبكة محترفة لتوزيع الكتاب والمسرح والسّينما في القطر العربي الواحد وفي الوطن العربي كلّه، ولا نجد حرجًا من ذلك!

كما أننا لا نملك منظومة نقدية محترفة ونزيهة ومواكبة تقول للمحسن أحسنت وترفده بالتّشجيع والتّثمين والتّزكية، فيصبح علامة من علامات المشهد، وتقول للرديء أسأت فتقوّمه إن كان قابلًا للتّقويم، أو تضعه عند حدّه إن كان ميئوسًا منه. فلعلّنا من الأمم القليلة التي بات فيها الفنّان الرّديء والمحدود والمغشوش لا يجد صعوبة في الوصول إلى المنصّات والمنابر والواجهات الوازنة، خاصّة إذا كان ذا جاه أو مال أو نسب قبلي أو حزبي.

ترسانة الأنشطة الثقافية من المحيط إلى الخليج لم تثمر إنسانًا عربيًا يحترم العمل والوقت ويقدر الكفاءة

إنّ هذه الترسانة من النشاطات الثقافية، على مدار العام، من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، لم تثمر لنا إنسانًا عربيًا يحترم العمل والوقت ويُقدّر الكفاءة ويُثمّن جمال المحيط ويتقبّل الآخر، مثلًا، بصفتها قيمًا ثقافية وحضارية في حدّ ذاتها.

اقرأ/ي أيضًا: نكره العمل.. يا رفيق لينين ما العمل؟

ضع ما شئت من أرقام لعدد نشاطاتك الثقافية ما دام مواطنُك يرمي نفاياته كيما اتفق، ولا يحسن استعمال وسيلة النقل، ولا يتعامل مع الفضاء العام باعتباره ملكًا مستباحًا، ويفرح بساعة الخروج من الدّوام أكثر من فرحه بساعة الالتحاق به، ويستعمل قاموسًا مفخخًا بالبذاءات والرّداءات والعنف والتفسّخ الأخلاقي والميوعة الإنسانية.

ذلك أنّ هناك فرقًا بين نشاط ثقافي يثمر وعيًا حضاريًا مثل التّرجمة، ونشاط يثمر فرجة ومتعة. فما ترجمه العرب منذ عهد المأمون، يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة. مع ذلك لا زال العربي يتحسّر على الأندلس ويسمّيها الفردوس المفقود. غير منتبه إلى أنه سيخسر ما بقي يتوفّر عليه من مدن حديثة، إن هو بقي خاضعًا لواقعه الثقافي البائس، إمّا بسقوطها في الحروب أو سقوطها في الخواء.

علميًا، كم عدد جامعاتنا المصنّفة ضمن القوائم العالمية الوازنة بالمقارنة مع جامعات إسرائيل نفسها؟ لماذا نتوغّل في سبّها واعتبارها كيانًا مغشوشًا، وهي كذلك فعلًا، ولا ننتبه إلى أن هذا الكيان المغشوش وظّف العلوم والمعارف نفسها في سرقة ملامحنا الحضارية والثقافية والفنية والمعمارية، ولولا جهود بعض المناضلين النزهاء منا، وإنصاف بعض المنصفين في العالم لاستطاع قبل سنوات أن يُقنع العالم بأنّها ملكه؟

بحسب الباحث سعيد بوطاجين، فإن نسبة المقروئية بالجامعة في الجزائر لا تتجاوز 0.87%!

كم كتابًا يقرأ الجامعي العربي في العام؟ ففي الجزائر مثلًا، بحسب الباحث سعيد بوطاجين، لا تتجاوز نسبة المقروئية في الجامعة 0.87%! ثمّ ما هي نسبة مساهمتنا السّنوية في إثراء مواقع البحث؟

من هنا، لا فرق عندي بين عام مضى وعام يأتي. حتى وإن كان عدد الأحداث الثقافية بعدد الثّواني. فالعبرة بقدرة هذه الأحداث على صناعة وعي جديد لا باستهلاك أموال جديدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل خلاص الثقافة العربية في انتعاش الهوامش؟

مثقفو السماء السابعة