26-يونيو-2018

تجلت الأزمات السياسية العربية في كأس العالم (Getty)

في الوقت الذي شاركت فيه الفرق الغربية أمريكيةً وأوروبيةً في مونديال روسيا بصفتها تمثّل دولها وقارّاتها، انتشر مصطلح "المشاركة العربية" في الأدبيات الإعلامية العربية، بما فيها مواقع التّواصل الاجتماعي، بما يوحي أنّ حلم الوحدة العربية لا يزال قائمًا في الوجدان العربي، رغم أن الواقع يقول بصراحة ألا رابط بقي يجمع الدول المشكّلة للأمّة العربية، إلى درجة أنّ بعضها صوّتت ضدّ المغرب في مسعاه لتنظيم دورة عام 2026.

تجلّت ملامح الخارطة السّياسية العربية في مونديال روسيا. وكانت تفاعلات الشّارع العربي مضبوطة وفقها

وإذا أضفنا إلى هذه المفارقة التي جرحت عميقًا الوجدان العربيّ العام جملة التمزّقات السّياسية والاقتصادية، التي باتت تطبع الجسد العربيّ، فإنّه يجوز لنا أن نسمّي هذا الحلم وهمًا بكلّ ما للوهم من مواصفات، حتى أنه صار مستبعدًا أن تجتمع المنظمات العربية التّقليدية مثل "جامعة الدّول العربية" و"مجلس التّعاون الخليجي" بكل أعضائها التقليديين، في الوقت الذي اجتمعت فيه الولايات المتّحدة الأمريكية مع كوريا الشّمالية.

لقد تجلّت ملامح الخارطة السّياسية العربية في مونديال روسيا. وكانت تفاعلات الشّارع العربي مضبوطة وفقها، ممّا جعل مصطلح "المشاركة العربية" بلا روح ولا معنى. فمنتخبا السّعودية ومصر مثّلا "فسطاطًا" بتعبير شيخ القاعدة أسامة بن لادن، فيما مثّل منتخبا تونس والمغرب "فسطاطًا" مقابلًا، بينهما "الفسطاط" الإيراني، الذي وجد له مشجّعين عربًا كأنه عربي أبًا عن جد.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا صوتت السعودية للمرة الثانية ضد استضافة المغرب لكأس العالم؟

هناك ستُّ إشارات قوّية إلى واقع العرب، طبعت "المشاركة العربية" في مونديال روسيا، ولفتت الانتباه إليهم، عوض أن تلفت الانتباه إلى قوّتهم الكروية لأنّ المحفل يقتضي ذلك. لكنهم فشلوا في ما ذهبوا من أجله، وعادوا بخفاف تدين خطواتهم.

الإشارة الأولى

كونهم يملكون قدرة تاريخية على المنافسة في باب كبر السنّ. من خلال لقب أكبر لاعب، الذي كان من نصيب المصري عصام الحضري، ببلوغه 45 عامًا وخمسة أشهر ونصف. علمًا أن كبر السّن في عالم كرة القدم إدانة توحي بغياب التّجديد وتكوين أجيال جديدة.

الإشارة الثانية

الوازع الدّيني المفرغ من محتواه الفنّي والحضاري. من خلال الضجّة التي قام بها المصريون بسبب أن الوسام الممنوح من طرف الهيئة المنظمة يتضمّن صورة لشركة الجعّة الرّاعية للأمر، "فالجعّة محرّمة على المسلمين". وكأن سوء الأداء داخل المستطيل الأخضر حلال، في منافسة عالمية قالوا إنهم يمثلون فيها أمّتهم ودينهم.

الإشارة الثّالثة

أنهم لا يحسنون إلا الانتصار على بعضهم، لكنهم منهزمون بالضرورة أمام الأجانب. من خلال انتصار المنتخب السعودي على المنتخب المصري. وهو الفوز العربي الوحيد في المونديال.

الإشارة الرّابعة

الاعتماد على المخلّص الفرد، عوض الاعتماد على الخلاص الجماعي. من خلال مراهنة المصريين، مثلًا، على محمد صلاح عوضًا عن مراهنتهم على الفريق ككل.

الإشارة الخامسة

خلط السياسة بالرياضة، مما يجعلها حركة مفصولة عن شروطها وأصولها، ويعطّل طاقات المختصين فيها والمعنيين بها، مع أنّ اللوم، في حالة الخسارة، يتوجه إليهم. عوضًا عن توجيهه إلى السّياسيين والإداريين، الذين تدخلوا، ففرضوا لاعبين غير جديرين وخطط لعب غير مناسبة.

الإشارة السّادسة

الوقوف ضد المؤهل بالفوز وإجهاض مساعيه. من خلال التّواطؤ ضدّ فرصة المغرب في احتضان فعاليات مونديال عام 2026. فقد أكّد الفريق المغربي من خلال أدائه المنسجم مع احترافية المونديال أنّ ترشّح المغرب لم يكن نزوة أو تنطّعًا أو افتعالًا، بل كان مؤسّسًا على أرضية في واقعه العام.

 خارج الشّباك في مونديال روسيا، من خلال "المشاركة العربية" فيه، يمكننا أن نستخرج عشرات الإشارات الدّالّة على طبيعة السّلوك والتّفكير العربيين. وما يطبعهما من تخبّطات وتناقضات واختلالات واهتزازات جديرة بالدّراسة والتحليل، لأنها مسؤولة مباشرة على إنتاج هذا الواقع العربي الممسوخ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يُحبون محمد صلاح؟ ولماذا أحبه أنا أيضًا؟

15 معلومة غريبة عن كأس العالم 1986