27-أكتوبر-2017

لوحة بعنوان ماكوندو لـ إرنستو هرنانديز/ كوبا

مرّت في هذا الشهر الذكرى الـ35 لحصول صاحب "مئة عام من العزلة" على جائزة نوبل للأدب، فهل ظهر الصوت العربي في أعمال غابرييل غارثيا ماركيز؟ وكيف كانت النظرة التي حظي بها العربي في أعماله؟ وعلى أي هيئة بدا العربي المهاجر إلى العالم الجديد؟

وصل العرب إلى العالم الجديد مع القوارب التي وصل بها كريستوفر كولومبوس، وكان من بينهم الموريسكي رودريجودي تيرانيا

العرب في العالم الجديد

كانت دول أمريكا اللاتينية مستقرًا لعديد من الثقافات، من بينها الثقافات العربية المهاجرة من دول مثل فلسطين ولبنان والمغرب ومصر. ساهم كثيرون منهم في تشكيل العمق الثقافي الأمريكي اللاتيني، وأصبحوا واجهات ثقافية مثل الكاتب الكولومبي لويس فياض (من أصول لبنانية) المولود في العاصمة الكولومبية بوغوتا عام 1945 .

وصل العرب إلى العالم الجديد مع القوارب التي وصل بها كريستوفر كولومبوس، وكان من بينهم الموريسكي رودريجودي تيرانيا، واليهودي المستعرب لويس دي توريس الذي حاول التواصل مع الهنود بلغته العربية دون جدوى. الحضور الأندلسي في العالم الجديد رصدته دراسات عدة من خلال البيوت ذات البوابات المغلقة والممرات الطويلة في المنتصف، وحتى في بعض العادات التي تزاوجت مع الحياة الجديدة في العالم الجديد وأضافت إليه، مثل "الحمام العربي" الذي كتب عنه ماركيز في بعض أعماله.

اقرأ/ي أيضًا: غابرييل غارسيا ماركيز.. يوم كان جزائريًا

ماركيز يحكي عن الشخصية العربية

تحكي مجلة المعجمية المغربية في عددها الخامس والعشرين لعام 2015 على لسان الباحثة الإسبانية كونسويلودي سيسنيروس أن الاستقرار العربي وبزوغ العرب كقوة اقتصادية في الثلث الأول من القرن العشرين في أمريكا اللاتينية في روايته "قصة موت معلن"، حيث كان سانتياغو نصار ضحية لجريمة قتل قاسية. شاب لأب من أصل عربي، وأم من أهل البلاد، وقد ورد ذكره في النص بقوله "كان قد أتم لتوه الواحد وعشرين عامًا في الإسبوع الأخير من يناير، كان نحيلًا وشاحبًا، كانت رموشه عربية ثقيلة وطويلة وشعره مجعد كأبيه، تعلم من أبيه منذ نعومة أظافره كيف يستخدم السلاح الناري، كما تعلم التعامل مع الطيور الجارحة ذات المخالب الطويلة، ولكنه أيضًا تعلم من والده الفنون الجميلة، والحكمة، كان يتحدث العربية مع والده، ولكن ليس في حضور أمه حتى لا تشعر أنها منبوذة".

تذكر الباحثة أيضًا ورود الشخصيات العربية في روايات أخرى لماركيز مثل رواية "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه"، حيث تظهر شخصية السوري موسى، التاجر العربي الذي كان يتحدث لغة بين العربية والإسبانية . تجدر الإشارة أيضًا إلى أن الظهور العربي كان أحيانا في بعض العناصر المعبرة، مثلما حدث في رواية "عن الحب وشياطين أخرى"، إذ ظهر الجلباب الأنثوي العربي، والطاقية الرجالية (التي كان يلبسها عرب طليطلة).

الجماعة العربية في "مئة عام من العزلة"

كانت الجماعة العربية في ماكوندو المتخيلة جماعة تجارية منخرطة، لطيفة ذات سلوك طيب وقدرات هائلة على التأقلم والبقاء والاندماج رغم كل الظروف الصعبة، وبدت في بادية ماكوندو مثيرة للاهتمام بعاداتها ومبادلاتها التي بدأ الأهالي يعتنقونها، خاصة في البيع والشراء وأشكال البيوت. وكان العربي التاجر الجالس أمام محله أيضًا شاهدًا على انهيار ماكوندو تحت وطأة الكثير من العبث.

ساهم العرب جنبًا إلى جنب مع الغجر وقبائل  اليانكيز في تأسيس ماكوندو

تقسم دي سيسنيروس الوجود العربي في مئة عام من العزلة إلى ثلاث نقاط، وجود الشخصية العربية متمثلة في التجار العرب مثل خوسيه سيجوندو، والنقطة الثانية في الإحالات الأدبية التي ذُكرت في العمل مثل الإشارة إلى "ألف ليلة وليلة"، وفي بعض الأشياء والتعبيرات المستخدمة في الحياة اليومية، لكننا سنركز على الجماعة العربية.

اقرأ/ي أيضًا: "حوارات لقرن جديد".. الروايات وأسرارها

في ماكوندو التي ساهم العرب في تأسيسها جنبًا إلى جنب مع الغجر وقبائل اليانكيز، يظهر الغجر واليانكيز بعيدين عن الانخراط التام في الحياة هناك يبدو العرب منخرطين تمامًا في الحياة اليومية. يقول ماركيز: "تحولت الضيعة الصغيرة، إلى قرية نشطة، تعمرها الورش ومحلات صنع الفنون اليدوية، وشارع تجاري دائم، حيث وصل العرب الأوائل، بالمراكيب، والحلقات في الأذن، يبدلون الببغاوات بالسلاسل الزجاجية".

يبدو أن الوجود العربي في ماكوندو لا يزال في بداياته، حيث شخصية العربي المنخرط تجاريًا هي ما يلفت الأنظار إلى جانب ملابسه المثيرة للاهتمام، حتى تجارته تبدو أيضًا تعتمد نظام المبادلة القديم، إذ تتم مقايضة السلاسل الزجاجية مقابل الببغاوات، وأحيانًا الببغاوات مقابل ساعات ثمينة خشبية مطرزة. ويشير جاك جوست، أحد محرري الرواية، إلى أن هذه المبادلات كانت بمثابة التغيرات الاقتصادية الأولى في ماكوندو.

ظهر العربي أيضا في رواية ماركيز الأثيرة ليس فقط تاجرًا ماهرًا، وإنما أيضًا كمالك لأول نُزل في ماكوندو، وهو"نُزل يعقوب" الذي نزل به السيد أبولينار، وهو الشخصية التي ستمثل فيما بعد "الدولة القومية التي تحاول أن تأخذ ماكوندو إلى مسار التصحيح" وتجعل منها دولة.

ظهر العربي في رواية "مئة عام من العزلة" كتاجر وكذلك كمالك لأول نُزل

في سطور أخرى يحكي كيف قاوم العرب الطوفان الذي عم المدينة بعد المذبحة التي قامت بها شركة الموز في ماكوندو، وكيف استطاعوا أن يتمكنوا من النجاة بعد الطوفان، يقول ماركيز: "سأل أورليانو سيجوندو عن الكيفية التي استطاعوا بها النجاة من الطوفان، والإعصار، فأعطوه جميعًا ذات الإجابة، من كل فم خلف كل باب بنظرة ذات مغزى وابتسامة نشوانة دون تخطيط مسبق: بالسباحة".

تذكر دي سيسنيروس أن العربي في رواية ماركيز كان شاهدًا على اضمحلال ماكوندو، حيث يقول نص ماركيز: "كان التاجر يجلس على باب محله، على الرغم من معرفته أن آخر دينار في الحي أصبح غير موجود، حتى عارضات الملابس في الفاترينات صرن عاريات تمامًا".

اقرأ/ي أيضًا: لبيدرو مايرال.. في مديح النقصان

وعلى أي حال فإن هناك الكثير ليقال عن الشخصية العربية في أعمال ماركيز، خاصة في روايته الأشهر "مئة عام من العزلة"، إلا أننا وضعنا أيدينا على الجماعة العربية في ماكدوندو المتخيلة، التي التقطتها ماركيز في رواياته ونقلنا القليل من ملامحها هنا بهذا المرور العابر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"ظل الريح".. حكاية المدينة مدفونة في مقبرة كتب

حداثة الحياة.. تقليدية الموت