22-نوفمبر-2018

شارع المتنبي في بغداد

كانت القراءة في العراق خاضعة دومًا للأحداث السياسية في البلاد، إذ تتراجع مع انتشار الفوضى والأزمات السياسية، لكنها تتعافى مع الاستقرار، ولم تكن الجملة المشهورة عربيًا بأن "بغداد تقرأ"، إلا تعبيرًا عن الرغبة الكبيرة لدى العراقيين في القراءة، والتردد على سوقها ومكتاباتها المنتشرة في بغداد والمحافظات.

تراجع دور الكتاب في العراق، بعدما شهد مساحات كبرى للتفاعل في حقبة السبعينيات وما قبلها

لكن الضربة القاصمة على القراءة في العراق، كانت في أيام الاستبداد، أي ما بعد عام 1979، إذ لم تكن الكتب خارجة في السوق إلا وفق ما يتلاءم وعقلية الرقيب، وفوقه السلطة التي لا يخرج شيء في المكتبات إلا وكان له صلة بـ"مدح النظام ومنهجه وسياسته"، فضلًا عن ذم خصومه، في الخارج وفي الداخل.

اقرأ/ي أيضًا: "معرض بغداد الدولي للكتاب": فاتحة لحياة عراقية جديدة

تراجع دور الكتاب في العراق، بعدما شهد مساحات كبرى للتفاعل في حقبة السبعينات وما قبلها تزامنت مع وجود الحركات القومية واليسارية معًا، التي دعمتها التعددية السياسية والثقافية النسبية التي شهدها العراق في سنوات يتيمة، وبالرغم من كل هذا، بقيت نخبة من العراقيين تتردد على المكتبات وتقرأ الموجود منها والذي لم تشأ السلطة منعه أو لم تراه مهددًا لها.

بعد الغزو الأمريكي عام 2003، فتحت المكتبات وشهدت تطورًا غير مسبوق، حيث دخلت الكتب الممنوعة، مع انتعاش التأليف في العراق، إضافة إلى أنه لم يكن هناك كتاب ممنوع، فضلًا عن إعادة بناء شارع المتنبي، الذي يحتضن المؤسسات الثقافية ويزدهر بمكتبات كثيرة، وهو يعج بالناس كل يوم، لكن يومه المفضل والمزدحم هو يوم الجمعة، حيث يدخله القراء من كل المحافظات العراقية وتعرض على بسطاته آلاف الكتب المتنوعة.

طوال السنوات التي مضت، كان شارع المتنبي هو المتنفس الوحيد للقراء، في ظل الفوضى السياسية المهيمنة والانهيار الأمني الذي شهدته البلاد في سنوات ما بعد الاحتلال أو ما بعد داعش، وبالرغم من تعرض الشارع في آذار/مارس 2007 إلى انفجار هز أروقته وراح ضحيته الكثير من رواده، إلا أنه بقي يقاوم الفوضى والهشاشة الأمنية، وقد عاد ازدهاره مع رجوع مكتباته ودور النشر فيه مستمرة حتى الآن، لكن بقيت مشكلة طباعة الكتاب في العراق لم تحل، حيث تطبع الكتب في الخارج، مصر ولبنان وسوريا في سنوات ما قبل الثورة، وهي مشكلة غير منفصلة عن واقع البلاد الذي شهدت صناعته وإنتاجه تراجعًا مريعًا بعد الاحتلال، حيث يستورد كل شيء، ويجلب كل حاجاته من خارج الحدود. 

وفي السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي، كانت الكتب تدخل بفرض رسوم ضريبية، لا تتعدى الـ1%، وهي شكلية وغير مؤثرة على سوق الكتب الذي يدخله المئات من القراء بشكل أسبوعي، لكن دور النشر وأصحاب المكتبات تفاجأوا برفع هذه الرسوم الضريبية إلى 15% في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث تم احتجاز 13 حاوية في ميناء أم قصر، جنوب العراق، وكانت الحاويات حاملة للكتب من دور نشر عربية وأجنبية، وهي بداية لتنفيذ قانون الضرائب الذي أقره مجلس الوزراء على الكتب.

أثار احتجاز الحاويات التي تحمل الكتب، انتقادات واسعة من قبل النشطاء والمثقفين وأصحاب دور النشر والمكتبات في العراق، حيث اعتبروه بداية لتجهيل متعمد وحرب غير مسبوقة على الثقافة العراقية، فضلًا عن التأثير على القارئ الذي سيمتنع عن شراء الكتب بسبب الأعباء الضريبة التي فرضت من الحكومة. 

وعلى إثر هذا، أعلن أصحاب دور النشر والمكتبات العراقية، احتجاجهم ضد القرار، مشيرين إلى أنه سيقوض من انتشار القراءة في العراق والتي تعتبر الأهم في هذه المرحلة التي خرجنا منها من الحرب على داعش، والاستبداد الذي كان يعمل على عسكرة المجتمع ويبعده عن وسائل الوعي.

وبهذا الصدد، يقول أحمد الظفيري لـ"ألترا صوت"، وهو أكاديمي وصاحب مكتبة، إننا "بدأنا مع عدد من أصحاب دور النشر في العراق وجمع من المثقفين والأكاديميين في إطلاق حملة لجمع تواقيع عبر موقع افاز لغرض رفع التعرفة الجمركية التي فرضت على الكتب في العراق، والتي تبلغ 15% أو أكثر من إجمالي سعر الكتاب، مشيرًا إلى أن هذا "يعد رقمًا مجحفًا ويدل على عدم اهتمام الحكومة بالثقافة وحركة القراءة في العراق".

طوال السنوات التي مضت، كان شارع المتنبي هو المتنفس الوحيد للقراء، في ظل الفوضى السياسية المهيمنة والانهيار الأمني الذي شهدته البلاد

وكشف الظفيري عن تقديم "اتحاد الناشرين العراقيين طلبًا للحكومة العراقية وقد وعدت برفع التعرفة الجمركية"، مستدركًا "لكننا لم نحصل على أي قرار موثق بذلك، وهناك مجموعة من حاويات الكتب التي تقبع في موانئ البصرة بانتظار الإفراج عنها".

اقرأ/ي أيضًا: بغداد.. وصلُ الضفتين بكتاب

وأشار الظفيري إلى أن "الهيئة العامة للجمارك تفرض الرسوم على مواد لا تحقق أرباحًا تذكر، بينما تعفي مواد تربح كثيرًا"، لافتًا إلى أننا "نعمل على تحشيد الرأي العام العراقي والعربي على وضع الثقافة العراقية التي تعاني الأهمال على الرغم من وصولها إلى العالمية".

فيما يرى ناشطون أن هذه الحرب ضد الكتب غير بريئة، خاصة في ظل الوعي الذي خلقته بعد احتجاجات 2015، والذي كان عابرًا للمحاصصة والتقسيم المكوناتي والطائفي الذي تعمل السلطات على ترسيخه، مطالبين بإطلاق سراح الكتب من المنافذ الحدودية، فيما يرى آخرون أنه إذا تضافرت الجهود وتوسعت الحملات في وسائل التواصل الاجتماعي سترفع الرسوم الجمركية، وتكف السلطات عن ملاحقة "الكتاب" الذي بقي هو الوحيد خارج عن أطر الفساد والخصومة السياسية والتراشق الطائفي في عراق ما بعد 2003.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة فارس كامل

سعد محمد رحيم.. جنة ماركس قبل أدلجتها