18-أغسطس-2016

طفل عراقي يحمل علبة مساعدات أمريكية بعد الاحتلال (علي السعدي/أ.ف.ب)

ينشغل الرّأي العام العالمي بأخبار داعش، وسيطرتها على الموصل في العراق، كما الحرب المضادة التي يشنّها الجيش العراقي مرفقًا بميليشيا الحشد الشّعبي على التّنظيم، من تحريرٍ إلى اشتباك إلى مناوشات، تثبّت السّلطة العراقية أيديولوجيتها في الحكم، ونفوذها الثّقافي الاجتماعي، بتوجيهٍ طائفي من الأطراف الدّينية.

في بلد غارق بتبعات وويلات الاحتلال الأمريكي والإيراني بتعددها تتقافز المرجعيات الدينية لبث سموم الطائفية وإحكام النفوذ على وعي المستضعفين

بعد سقوط عراق صدّام حسين في 2003، تناوب على حكم العراق الفريق المحسوب على المرجعية الدينية في النّجف، بالتّعاون والتّكافل مع الفريق المدعوم من إيران، وكَثُر الحديث عن الفساد الذي استشرى في المؤسسات الرسمية العراقية، والمحاصصة والمحسوبيات السياسية، بالإضافة إلى المعاشات الشهرية لمنتفعين من أتباع السّياسيين اختيروا لتولي وظائف لا يؤدّونها، مما ولّد نقمةً في الشّارع العراقي، استغلها لاحقًا مقتدى الصدر، رجل الدّين المعروف والمسؤول عن ميليشيا جيش المهدي، ليركب الموجة وينصّب نفسه ناطقًا باسم مكافحي الفساد، طمعًا بتسجيل نقاطٍ على حزب الدّعوة ونوري المالكي، ومحاولةً لتحصيل مكاسب وزارية جديدة في حكومة العبادي، من تعيينات وتنفيعاتٍ وغيره.

 لكن الصدر التقى والمرجعية السيستانية في تمرير أفكارٍ تمثّلهم، يلزمون بها الشّارع العراقي، كإضافة فقرة "الرّجولة" في منهاج مادة التّربية الدينية للصف السادس ابتدائي، منهاج 2015-2016 المعتمد، والفقرة واضحة، تفصّل دور الشّاب/الرّجل في التّعامل مع محيطه الأنثوي، كـ"حامي للعرض"، وحريص على البنات في مجتمعه، فالتوجيه واضح، على الشاب أن ينتبه للباس شقيقته أو قريبته، فهو السبب خلف تعرضها للتحرش، أي أن المنهاج رفع الشبهة عن المُتحرش وألصقها بالضحية، وفي هذا توجيه لأطفال لا تتعدى أعمارهم العاشرة، ببناء مجتمعٍ ذكوري، وزرع التفرقة الجندرية بين أفراده.

اقرأ/ي أيضًا: منبج.. بداية دولة الأكراد التي ستؤرق تركيا وإيران

لم تكتف المرجعية بذلك، بل "تمنّت" على الحكومة منع محال المشروبات الروحية من البيع وإغلاقها، درءًا للمفاسد عن الشعب العراقي، بدوره مقتدى الصدر طالب الحكومة بإغلاق المقاهي المختلطة والتي تقيم الحفلات، تحت طائلة اتخاذ خطواتٍ تصعيدية، وهذا ما تمّ فعلًا، بتفجير بعض المقاهي وتهديد أصحابها. تحويل العراق لدولةٍ تتبع تدريجيًا لأوامر المرجعية يحوّلها بالتالي لدولةٍ شبيهة بالنّماذج الإيرانية السّعودية، دون إعارة أي اهتمامٍ للتنوع المجتمعي الغني في العراق، وتمرير هكذا تمنيات وتوجيهات يحصل بينما تستمر الحرب على داعش، أي استغلال الوضع الراهن لبسط السيطرة الدينية على البلد، بعد تثبيت السلطة السياسية وإقصاء المجتمع المدني وتهميشه.

ما يعايشه العراق اليوم من واقعٍ مأساوي على الصّعيد الاقتصادي والأمني، يواكبه كبتٌ وتشدّدٌ ديني، يُضاف إلى فرزٍ طائفي وفقدان الثّقة الشعبية بالحكومة والأجهزة الأمنية على حدٍّ سواء، مع دخول الحشد الشعبي على خط المعارك وتعيين قاسم سليماني، الجنرال الإيراني، مستشارًا عسكريًا للحكومة العراقية، والحديث عن تحويل الحشد لمؤسسة رسميةٍ شبيهة بالحرس الثوري الإيراني، أي وضع العراق تحت الانتداب الإيراني الفعلي العلني، علمًا أن إيران تسيطر على الشطر الجنوبي منه، ويتواجد عسكرها هناك.

إذًا، لا تقتصر التّصرفات الطائفية على القتل والقتل المضاد، بل تمتدّ للتهجير العرقي والمذهبي والإثني، الذي يهدد بشكل رئيسي الأقليات من أيزيديين وأشوريين ومسيحيين وكلدانيين وإباضية، ويفرز العراقيون على أساس مذاهبهم، فالسياسة العراقية طُوّعت بفعل السّاسة وأصبحت أداة طيّعة بيد المرجعية الحاكمة منذ سقوط نظام صدّام حسين وانسحاب الأمريكيين، تاركين خلفهم بلدًا غارقًا بالحرب الأهلية، وفريسةً سهلةً للجماعات المتطرفة الراديكالية على اختلاف مذاهبها وانتماءاتها، لتتحكم هي بمصير الشّعب، وتؤسس الأجيال على أفكارٍ هجينةٍ لم يعتدها العراقيون.

اقرأ/ي أيضًا:

من عصر الدول الاستعمارية إلى عصر الشركات المستعمرة

الحراك اللبناني بعد سنة.. أين المسيِّل للدموع؟