12-يونيو-2020

سيرة العتيبة لا تجعل تبجحه بالعلاقة مع إسرائيل مفاجئًا (Getty)

لم يكن مفاجئًا أن يخرج السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، عبر صحيفة يدعوت أحرنوت اليوم الجمعة، مخاطبًا الجمهور الإسرائيلي، بالنظر إلى سيرة الرجل المثيرة للجدل، والتي يجتمع فيها الفساد بالتطبيع والفضائح. كما أن تاريخ المسؤول المقرب من ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، لا يجعل تبجحه العلني بالعلاقات مع تل أبيب غريبًا، ولا دعم  بلاده لصفقة القرن، أو شروعها المتواصل في دعم "مشاريع التبادل الثقافي" وإنجاز "فهم أوسع لإسرائيل" في العالم العربي، على حد وصفه الصحيفة عينها.

ما كان مفاجئًا أن العتيبة بدا متفاجئًا من المشروع الإسرائيلي لضم أجزاء من الضفة الغربية، وكأن الضم خطوة لم يكن مهيئًا لها في المسار الذي بدأ منذ سنوات، وكُلل بتشكيل تحالف متين مع اليمين الإسرائيلي

لم يحمل اعتداد السفير الإماراتي المثير للجدل بالعلاقة المشتركة مع إسرائيل جديدًا يستحق الملاحظة أيضًا، ولم يكن تأكيده على " المخاوف المشتركة في مجال الإرهاب والعدوان" صادمًا، فهي سردية صارت رائجة في الخطاب الرسمي لأبوظبي، تعلنها بلا قلق، وتجيش وراءها جيشًا إلكترونيًا صارت حساباته معروفة.

اقرأ/ي أيضًا: سفير إماراتي يكتب للإسرائيليين: الضم يعرقل محاولاتنا لتعاون أعمق معكم

ما كان مفاجئًا أن العتيبة بدا متفاجئًا من المشروع الإسرائيلي لضم أجزاء من الضفة الغربية، وكأن مشروع الضم منفصل عن كل ما سبق، أو خطوة لم يكن مهيئًا لها في المسار الذي بدأ منذ سنوات، وكُلل بتشكيل تحالف متين مع اليمين الإسرائيلي، وانتهى إلى مشروع تصفية علنية للقضية الفلسطينية تحت عنوان صفقة القرن. الصفقة نفسها التي بدأت بمؤتمر اقتصادي من المنامة، الحديقة الخلفية للسياسات الإماراتية والسعودية.

لا يطول "اللغز"، وسرعان ما ستبدو الحيلة مكشوفة، عندما يصل مقال العتيبة إلى إشارة، من ضمن إشارات قليلة إلى الفلسطينيين، مؤكدًا دعم بلاده للمبادرة العربية. ولا يحتاج الدبلوماسي الإماراتي، لمن يخبره بأن دعم بلاده لخطة ترامب - نتنياهو، كان انقلابًا فجًا على أبسط مبادئ المبادرة عينها. أما السخرية السوداء في منتهاها، فأن الخطة التي دعمتها الإمارات، وتبجح السفير الإماراتي بالمشاركة في مؤتمر إعلانها، تضمنت بوضوح مشروعًا لضم مناطق من الضفة الغربية.

أما الأهم، فأنه لا يمكن فهم التحالف الإماراتي الإسرائيلي بمعزل عن الرغبة المتواصلة لدى اليمين الإسرائيلي للسيطرة على مزيد من الأرض الفلسطينية، وتقليص حتى الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية في إدارة أجزاء محدودة وفاقدة السيادة من الأراضي الفلسطينية. وهو ما تم التعبير عنه بوضوح، بتقديم أبوظبي والرياض، نفسيهما، كبديل عن الفلسطينيين في الخطة المطروحة.

من مفارقات المقالة العجيبة، أنها تقر حتى في رفضها المُدعى للضم، بسردية اليمين الإسرائيلي، بل وتخاطبه بلغته. فإسرائيل والإمارات، بلغة العتيبي، "تملكان جيشين من أفضل الجيوش المدربة في المنطقة، مع مخاوف مشتركة في مجال الإرهاب والعدوان، وتربطهما علاقات طويلة ووثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية"، وهي الأطروحة التي لا ينفك رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو يكررها.

كما أن الرفض المزعوم لضم أراض فلسطينية جديدة، لا يبدو متعلقًا بالفلسطينيين أصلًا، وإنما يعزز من مشروع تغييبهم. فالقضية بالنسبة للعتيبة، مرتبطة بالحسابات الاستراتيجية لإسرائيل ودول الجوار، وباستقرار الأردن، المفيد لإسرائيل حسب ما يقول، وأيضًا بالمشروع الإماراتي كما يقر، لإنجاز انفتاح عربي على تل أبيب، أو ربما يفضل القدس، التي كان إعلانها عاصمة لإسرائيل، مقدمة لخطة التسوية التي يتبجح وجه الإمارات في واشنطن بدعمها.

اقرأ/ي أيضًا: العتيبة "الراشي الأكبر".. حفلة فضائح أبوظبي في واشنطن مستمرة

يعزز مقال العتيبة من الأطروحة القائلة بأن ما يحدث تجاوز مفهوم التطبيع، ووصل إلى نوع من التحالف الوثيق مع إسرائيل. بحيث أن أقصى ما يمكن أن يصله "الرفض" الإماراتي لضم أجزاء من الضفة الغربية، من تعارض مع إدارة نتنياهو، لا يصل إلى خطاب بعض أوساط المعارضة الإسرائيلية نفسها، التي تخشى من الضم لأسباب متشابهة.

الرفض المزعوم لضم أراض فلسطينية جديدة، لا يبدو متعلقًا بالفلسطينيين أصلًا، وإنما يعزز من مشروع تغييبهم، فالقضية بالنسبة للعتيبة، مرتبطة بالحسابات الاستراتيجية لإسرائيل ودول الجوار

حتى لو صدق القارئ جدلًا رفض الإمارات لضم أجزاء من الضفة الغربية، فإنه سيطل على صورة واضحة، تبدأ من كتابة المقالة في صحيفة إسرائيلية،مخاطبة الجمهور الإسرائيلي، وصولًا إلى نقاش إن كان الضم يحقق المصالح الإسرائيلية في المنطقة أم لا. إنه موقف، في أقصى درجات حسن النية، لا يناقش التحالف مع إسرائيل، ولا حتى طبيعته أو شروطه، وإنما يناقش علاقته بالمصالح الإسرائيلية الإماراتية المشتركة. وربما يبدو أكثر من ذلك، في نوع من المفارقة الساخرة، جزءًا من النقاش الإسرائيلي الداخلي عن الخطوة القادمة.