14-أغسطس-2018

أفضى تردد العبادي بين واشنطن وطهران إلى خسارته الطرفين (Getty)

لم تكن كلمات التعاطف مع إيران في مواجهتها المرحلة الأولى من العقوبات الأمريكية، كافية لتجنِّب رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، الطامح إلى ولاية ثانية، سخط طهران، إذ وجد نفسه مضطرًا بعد أقل من أسبوع من إعلانه الالتزام بتلك العقوبات على التراجع، ما قد يعني خسارة دعم واشنطن.

وجد العبادي نفسه في موقف لا يحسد عليه، في ظل توقيت حاسم من عمر الحراك السياسي لتشكيل الحكومة المقبلة

وجد العبادي نفسه في موقف لا يحسد عليه، في ظل توقيت حاسم من عمر الحراك السياسي لتشكيل الحكومة المقبلة، حيث يتفق محللون وصحافيون على أن ذلك قلل من حظوظه لنيل ولاية ثانية، أو قضى عليها تمامًا.

خسارة إيران

لقي موقف العبادي الأول إشادة من بعض الأطراف السياسية والأوساط الشعبية باعتباره يهدف للحفاظ على مصالح العراقيين، وتجنيب الدينار مصير "التومان"، لكنه واجه أيضًا هجومًا حادًا من جهات سياسية في العراق تتفوق على العبادي وائتلافه السياسي، بعدد مقاعدها في البرلمان الجديد، وتقود فصائل مسلحة توصف بكونها مقربة من طهران، والتي عدت موقف العبادي الأول "جبنًا وخيانة".

أما إيران فعبرت عن سخطها على رئيس الوزراء العراقي، عبر سيل من الهجمات الكلامية التي صدرت عن مسؤولين في طهران، قبل أن ترفض زيارة كان يفترض أن يقوم العبادي بها، وأُعلن عنها بشكل غير رسمي، وهو ما قد يعني رفع اليد تمامًا عنه كمرشح يحظى بقبول المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، لرئاسة الحكومة الجديدة.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد فرض العقوبات.. احتمالات التصعيد

عقدت خسارة الدعم الإيراني، ومن قبلها خسارة دعم المرجعية الشيعية العليا في النجف، طريق العبادي نحو القصر الحكومي، كما يرى الصحافي والباحث رافد جبوري، حيث إن "عملية التوافق على رئيس وزراء سواء كان العبادي أو غيره ستطول".

ويقول جبوري لـ "ألترا صوت"، إن "الولايات المتحدة باتت الآن تتمسك بدعم العبادي بشكل أكبر، بعد إعلانه الالتزام بالعقوبات على إيران، لكن في المقابل ربما أصبح الموقف الإيراني ضده تمامًا"، لكن ذلك قد يتغير مع تراجع رئيس الحكومة العراقية عن موقفه.

خسارة واشنطن!

"لم نقل (إننا) نلتزم بالعقوبات الاقتصادية على إيران، وهناك من نقلها بشكل غير صحيح، فنحن قلنا نعم نلتزم بمسألة التعامل بالدولار وإيران هي نفسها ملتزمة بهذا الأمر، ومن يتقوّل علينا فهو متضرر من هذا الأمر"، بهذه الكلمات تراجع العبادي بعد أقل من أسبوع عن موقفه الأول، وهو ما قد يعني خسارة تأييد واشنطن.

قد يسهل رفض الالتزام بقرار إدارة الرئيس ترامب تجاه إيران، على مبعوثه الخاص إلى العراق بريت ماكغورك، مهمة الوصول إلى مرشح آخر يحظى برضى طهران، حيث إن مزاج واشنطن "ينسجم" مع مزاج النظام الإيراني فيما يتعلق بالعراق، كما يؤكد المحلل السياسي واثق الهاشمي.

ويضيف الهاشمي لـ "ألترا صوت"، إن "إيران لن تدفع بمرشح متطرف لا يحظى بقبول أمريكي، كما هو الحال بالمقابل، حيث لن تدفع الولايات المتحدة بمرشح لا يحظى بدعم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي"، مبينًا أن "إيران تريد من ذلك إبقاء الطريق مفتوحًا لمفاوضات مستقبلية مع واشنطن".من جانبها، فإن "واشنطن تدرك أن الأرض في العراق ليست لصالحها، ودفع مرشح لا يحظى بدعم إيران يعني الإضرار بمصالحها"، مرجحًا وصول مرشح "يتوافق عليه الطرفان لرئاسة الحكومة، كما يحدث منذ عام 2003".

"تسقيط سياسي"

ربما ساهمت أطراف سياسية داخلية برفع حدة الأزمة التي يواجهها العبادي، بجره إلى وجه المدفع الإيراني المشحون بالانهيار الاقتصادي والتوترات الداخلية، ثم في مواجهة إرادة ترامب الذي يبدو عازمًا على معاقبة كل من يحول دون تحقيق الضغط الذي يمارسه على إيران.

عقدت خسارة الدعم الإيراني، ومن قبلها خسارة دعم المرجعية الشيعية العليا في النجف، طريق العبادي نحو القصر الحكومي

وقد تحدث العبادي عن ذلك صراحة، متهمًا خصومه الذين يصفهم بـ"البعض" بمحاولة تخريب العلاقة بين العراق وإيران للاستئثار بشيء"، وهو ما يتفق معه المحلل واثق الهاشمي، الذي يرى أن الهجوم على العبادي لموقفه من إيران جاء "لأغراض تشكيل الحكومة، كما حدث مع ملف التظاهرات".

فيما يؤكد المحلل السياسي نجم القصاب لـ "الترا صوت"، أن "الاستئثار" برئاسة الحكومة وانتزاعها من حزب الدعوة بشكل عام هو ما تسعى إليه بقية الأطراف الشيعية، باعتباره قد نال حظًا وافرًا منها.

من سيحقق مصالح إيران؟

ستركز إيران الدولة الجارة التي يسعى العراق إلى العيش بسلام معها، كما يصفها رئيس الحكومة حيدر العبادي، جهودها مع احتدام الحراك السياسي في العراق، لإيصال شخصية "مضمونة الولاء" الى رأس الحكومة الجديدة، لتأمين الدعم الاقتصادي والوصول من خلاله إلى صيغة حوار مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما حدث مع حكومة نوري المالكي خلال ولايته الثانية.

قد تكون تلك الرغبة ممكنة جدًا مع الأخذ بعين الاعتبار ما تمتلكه إيران من "أذرع وأدوات" في العراق، على حد تعبير القصاب، الذي يؤكد أن "إيران ستحاول أن تتفاوض مع الأمريكيين عبر ورقة العراق من خلال الأحزاب والفصائل الموالية لها".

من جانبه يرى رافد جبوري، أن "أسماء كثيرة من الممكن أن تحقق ذلك لإيران، وليس فقط هادي العامري رئيس منظمة بدر"، معتبرًا أن إزاحة العبادي ستكون في صالح أي مرشح آخر.

اقرأ/ي أيضًا: بعد تطابق نتائج الانتخابات وشروط الصدر.. ما فرص تشكل الحكومة العراقية؟

وقد باتت تنحية العبادي مجرد مسألة وقت كما ترى أطراف سياسية ومراقبون، فبالإضافة الى خسارة الدعم الإيراني وربما الأمريكي، فقد العبادي جزءًا كبيرًا من شعبيته بفعل الاحتجاجات الشعبية التي لا تزال مستمرة منذ مطلع تموز/يوليو الماضي، والتي دفعت المرجع الديني الأعلى علي السيستاني إلى الحديث مجددًا عن ضرورة اختيار شخصية جديدة لرئاسة الحكومة تتمتع بـ "الحزم والقوة".

وأبدى العبادي من جانبه استعداده لـ"التضحية" بأي منصب، بل ذهب أبعد من ذلك بإعلان استعداده لـ"التضحية" بحياته حتى، قائلًا: "أنا مستعد لأن أدفع حياتي وأضحي بأي منصب لأجل خدمة الشعب العراقي، وليفعل الآخرون ما يفعلونه"، وهو الذي فسره متابعون، بشعور العبادي بالتهديد الجدي في حال فشلت الجهود الدبلوماسية لتنحيته. 

لكن المحلل السياسي واثق الهاشمي يستبعد ذلك، سيما بعد تراجع العبادي عن قرار الالتزام بالعقوبات الأمريكية، حيث يرى أن الأزمة ستخف تدريجيًا وتختفي مع ظهور أي أزمة جديدة، كما حدث مع أزمة التظاهرات ومن قبلها أزمتا نتائج الانتخابات وسد اليسو.

ومع كل التعقيدات التي تخيم على المشهد السياسي في العراق، فإن المراقبين للشأن العراقي وعلى رأسهم المرجع السيستاني يرون ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة، على أمل أن تتولى حل الأزمات الخطيرة التي تواجهها البلاد، ابتداء من ملف الخدمات المعدومة وليس انتهاء بمخاطر عودة تنظيم داعش، ناهيك عن عجز المؤسسة الرسمية في العراق وموقفها الحرج أمام تظاهرات العراقيين في مناطق متعددة، خاصة الأكثر تهميشًا، كالبصرة والديوانية مؤخرًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الديوانية تخرج عن صمتها.. فقراء العراق في قلب الحركة الاحتجاجية

حلف المليشيات وسلطة المحاصصة.. جدار الحرس القديم ضد الشارع العراقي