27-أكتوبر-2022
عراقي يخيط العباءات

عراقي يخيط العباءات

خيوط اجتمعت لتحوك رداء ارتبط اسمه بالوقار والحشمة والجمال، وهو يشكّل هوية ثقافية للرجال والنساء العرب على السواء.. إنه العباءة.

تتحدث الأسطورة أن أول ظهور للعباءة كان في بلاد الرافدين قبل أربعة آلاف عام. بينما يعتقد آخرون أن نشأتها ترجع إلى وقت قريب من ظهور الإسلام. وكان ارتداؤها ينحصر آنذاك بالطبقة الغنية ذات الوجاهة الكبيرة عند العرب. إلا أن بعض الجواري لبسن الرديء منها والممزق.

العباءة في أصلها للرجال رغم أن النساء اليوم تتباهى بها أكثر. لكن يبقى جذرها أنها زي للرجال، خصوصًا رجال الدين

 

وبعد انتشار الاسلام ارتبطت بالمرأة المسلمة. ثم بدأت تأخذ أشكالًا وتصاميم مختلفة. حتى صار لكل مدينة طراز مميز. وبينما طغى عليها اللون الأسود بداية إلا أنها اتخذت ألوانًا أخرى بعد ذلك.

العباءة في أصلها للرجال رغم أن النساء اليوم تتباهى بها أكثر. لكن يبقى جذرها أنها زي للرجال، خصوصًا رجال الدين. إذ يتفاخرون بها وتتميز بها مناسباتهم الاجتماعية، ويتبادلونها كهدايا تعبيرًا عن الترف والوقار.

عباءة الرجال فخر في سوريا والعراق. يرتبط العربي في المخيلة العامة بصورة رجل يرتدي العباءة. ومن أشهر الدول التي تصنع فيها العباءات الرجالية سوريا والعراق. وما الدول العربية الأخرى سوى مستوردة لها كالأردن ومصر ولبنان ودول الخليج وغيرها.

والعباءات منها الشتوي من الجوخ أو الصوف، أو تركيبة خيوط اكريليك. ومعظمها يصنع في سوريا. إذ تشتهر دمشق بصناعة أجود أنواع العباءات العربية. كذلك تستغرق صناعة العباءة حوالي الأسبوع بين نسجها وحياكتها وتطريزها حتى تصبح جاهزة للبيع. وفي العراق تنتشر صناعة العباءات الرجالية في منطقة الكاظمية والنجف والحلة، وفي مناطق أخرى أيضًا. وحرفيو هذه المهنة يتناقلونها بالوراثة عن آبائهم وأجدادهم.

عباءة

تختلف العباءة العربية في تسميتها من بلد لآخر. ففي مصر مثلًا ما تزال تسمى بالبردة. أما في العراق ودول الخليج فتسمى بالعباءة، أو البشت، كذلك تختلف العباءة من واحدة لأخرى من حيث طريقة النسج أو الحياكة، ومن حيث مواسم ارتدائها ونوعية المواد الداخلة في صناعتها. فمنها ما يصنع من صوف الأغنام أو من وبر الإبل. إذ توزن المواد باليد مائة بالمائة. لان الغزولة تنقطع أثناء عملية حياكة الآلية. إلا إذا دخلت إليها نسبة من النايلون. وفي هذه الحالة تكون أرخص سعرًا من المنسوجة يدويًا، حيث يتراوح سعر العباءة المصنوعة بالآلات بين 100 – 150 $، بينما قد تتجاوز أسعار العباءة المصنوعة يدويًا الألف دولار أمريكي.

العباءات النسائية سحر المرأة العربية. شهدت العباءة تغيرات كثيرة عبر التاريخ في الشكل واللون، ومثل العباءة الرجالية فإن للعباء النسائية مكانة خاصة في العراق. ويقال إنها كانت ملونة في السابق. إلا أنها اتخذت اللون الأسود بعد اقتحام هولاكو لبغداد، لتلتزم العراقيات العباءات السوداء حزنًا على العراق وأبنائه الذين قضوا في مجازر المغول آنذاك.

وتختلف العباءة العراقية عن باقي العباءات العربية، إذ تسمى الجزية، وأحيانًا المبرد. ويصاحبها غطاء الرأس. البوشية أو الشيلة. أما العباءات المصرية التي تعرف باسم الملاية فهي في العموم قصيرة وتختلف في طريقة ارتدائها عن طريقة ارتداء العباءة العراقية، اذ تلبس على الكتفين ولا تغطي الرأس. اما الخليجية فقد تلبس كما يلبس الثوب الاعتيادي وتسمى العباءة الإسلامية. وهناك أيضًا الشادور الإيراني الذي يكون خاليًا من الأكمام الطويلة وعريضًا. يلبس كقطعة واحدة أيضًا. هناك العباءة السورية المسماة بالمبرد.

روب التخرج يعود تاريخيًا إلى الأندلس قبل نحو اثني عشر قرنًا، حين أسس المسلمون أعرق جامعة في أوروبا

 

لا تقتصر رمزية العباءة على الدين فقط، فهي ترمز أيضًا للقضاء، إذ بدأ تقليد لبس العباءة السوداء من قبل القضاة منذ أكثر من سبعمائة سنة في إنجلترا. وباتت الزي الموحدة للقضاة في عهد إدوارد الثاني.

ومن أشكال العباءات أيضًا روب التخرج. الذي يعود تاريخه إلى الأندلس قبل نحو اثني عشر قرنًا. حين أسس المسلمون في الأندلس أعرق جامعة في أوروبا. للجامعات الإسلامية في المشرق الإسلامي. وكان الطلاب الأوروبيون من خريجي جامعة الأندلس يلبسون الروب، وهو العباءة العربية السوداء حين يعودون إلى بلدانهم، الذي يشير إلى أنهم يحملون شهادات علمية عربية. ومنذ ذلك الحين بقي تقليد لبس العباءة في التخرج حتى يومنا هذا. هكذا سافرت العباءة عبر التاريخ وتنقلت بين الشعوب. وتعددت رمزيتها بين الدين والعلم والقضاء.