30-أكتوبر-2022
معبر إسحاق رابين على بعد 3 كيلوميترات عن إيلات (تويتر)

معبر إسحاق رابين على بعد 3 كيلوميترات عن إيلات (تويتر)

يعتبر الاحتلال الإسرائيلي مشروع العمال الأردنيين في أم الرشراش المحتلة، "إيلات"، من المشاريع الرائدة بينها وبين الأردن، إذ يعمل ما يقارب 2000 أردني في تلك المنطقة في قطاعات المطاعم والصناعات والإنشاءات والبناء، وبشكل يومي يعبرون الحدود الفاصلة بين الجانبين مجتازين نقاط التفتيش ذهابًا وإيابًا.

يعمل ما يقارب 2000 أردني في "إيلات" في قطاعات المطاعم والصناعات والإنشاءات والبناء، فيما تتصاعد مخاوف من التطبيع والاستغلال الاقتصادي

يأتي ذلك وسط رفض مجتمعي واتهامات بالتطبيع وتعتيم حكومي على انتهاكات عمالية يتعرضون لها بواسطة شركات توظيف برعاية إسرائيلية.

انتهاكات عمالية 

" كل يوم بسرحوا عمال لأسباب كثيرة، اليوم أنا اشتغلت بكرا ما بضمن شغلي بأي لحظة ممكن يسرحونا ". بهذه العبارة بدأ زياد القاسم حديثة لـ "الترا صوت" عن عمله في منطقة أم الرشراش المحتلة (إيلات)التي تقع على بعد خمسة عشر كيلومترات شرقي مدينة العقبة الأردنية.  يعمل زياد منذ آذار/مارس الماضي في أحد فنادق إيلات بعقد مدته سنة لم يحصل على نسخة منه، عن طريق إحدى شركات التوظيف الأردنية التي يبلغ عدها ثلاث شركات، حاله كحال بقية العاملين الذين يعملون وفق بروتوكول موقع بين الأردن وإسرائيل منذ عام 2000 كخطوة ضمنية لاتفاقية التطبيع المبرمة.

يرى فراس أن العمل متعب وشاق وخاصة أنه لا يسمح لهم بالمبيت في فنادق إيلات، إذ يضطرون للعودة إلى العقبة مساءً وفي الصباح يعودون للعمل. حال زياد لا يختلف كثيرًا عن حال أحمد (اسم مستعار)، إذ يعمل بساعات عمل غير ثابتة، وفي حال تركه للعمل قبل المدة المتفق عليها يترتب عليه شرط جزائي بقيمة 1000 دينار أردني بموجب العقد الذي وقعه مع إحدى شركات التوظيف، إلى جانب اقتطاع 7% من الراتب الشهري و85 دينار أردني بدل مواصلات و75 دينار أردني بدل سكن.

المحلل الاقتصادي حسام عايش في حديثه لـ " ألترا صوت " يقول إن اتفاقية السلام المبرمة بين إسرائيل والأردن تسمح بهذا الشكل من العلاقات، إذ إن عمالة الأردنيين واحدة من المفاعيل غير المباشرة والضمنية للاتفاقية.

ويرى عايش أن موقف الأردن واضح في هذه المسألة، فالعمال لا يذهبون خلسة أو بالتسلل إلى الجانب المحتل وإنما تحت أعين وبصر الجهات المعنية، وهي بالتالي تسمح بذلك، كما أن الجانب الأمني في انتقال هؤلاء العاملين محكم وطبيعي.

استغلال لظروف العمل ومخاوف أمنية 

يؤكد عايش أن الاحتلال يستغل ظروف العامل الأردني، إذ إن كلفة العمالة الأردنية أقل بكثير من كلفة العمالة الإسرائيلية، بالنظر إلى أن الحد الأدنى للأجور في جانب الاحتلال مرتفع مقارنة مع الأردن، كما أن "إسرائيل" لا تتحمل أي كلف إضافية فيما يتعلق بالتأمين والضمان الاجتماعي ولا تكاليف أمنية، فلا يسمح للأردني بالبقاء في تلك المناطق.

ويخشى عايش أن تحاول إسرائيل استغلال نقطة ضعف حاجة العاملين، بالسعي للحصول على عائد من العاملين عدا عن عائد العمل نفسه، فالمخاوف من الاحتلال مشروعة ولها ما يثبتها تاريخيًا على حد قوله.  وهذا يتفق مع ما تحدث به منسق تجمع "اتحرّك لدعم المقاومة ومجابهة التطبيع" محمد العبسي لـ"ألترا صوت|، والذي أكد أن الاحتلال يستغل العاملين الأردنيين وحاجتهم وتعطلهم عن العمل والأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشونها في الأردن، كما أن الاحتلال مهتم بتشغيل المتقاعدين الأردنيين بسبب خبرتهم الأمنية وأعمارهم الكبيرة. 

ويرى عبسي أن العقد يحمي فقط شركات التوظيف، وأن الأصل في تلك الشركات أن تكون وسيطة لا تنحاز لصالح أي طرف ولا تفرض عقوبات أو شروط جزائية، ولكن ما يحدث هو عكس ذلك، فيتم الاقتطاع من رواتبهم بشكل مستمر، ومن خلال رصد التجمع فإن تلك الشركات تلعب دور التضليل وتنشر إعلانات مبهمة.

وبحسب رئيس مركز بيت العمال للدراسات المحامي حمادة أبو نجمة، فإن قانون العمل الأردني يسمح لشركة التوظيف الحصول على مبلغ مالي مقابل خدمة التشغيل، أما الاستمرار في اقتطاع 7% يشكل مخالفة صريحة للقانون. ويضيف أبو نجمة أن الأصل أن يكون للعامل عقد مع شركة التوظيف ويسمى عقد خدمة، أما عقد العمل فيكون مع صاحب العمل ويلزم القانون الأردني والاتفاقيات الدولية المشغل بمنح نسخة من العقد للعامل.

 ويرى أبو نجمة أن هناك مسؤولية تقع على عاتق الحكومة الأردنية متمثلة في وزارة العمل وسلطة إقليم العقبة في مراقبة تلك الشركات ومتابعة وضع العاملين في إيلات. 

مخاطر التطبيع 

يجمع العاملون في إيلات ممن تحدث معهم "التراصوت"، أن العمل مع الاحتلال يشكل "وصمة عار" في نظرهم، وهو السبب الذي يجعلهم لا يخبرون أقاربهم بطبيعة العمل ومكانه. فلم يخبر زياد عائلته بشأن عمله، إذ يقول لأقاربه إنه يعمل في أحد فنادق العقبة، بينما يقول أحمد " أنا وكل حدا بشتغل في إيلات مش راضيين بشغلنا، بس قلة الشغل أجبرتنا على هذا العمل، نعلم وندرك نظرة المجتمع ونحن نملك النظرة ذاتها ". أما عبدالله الذي قدم إلى العمل في إيلات وينتظر قبوله بعد محاولات عديدة في البحث عن عمل في الأردن، فرغم تأكديه بأن العمل مع الاحتلال شكل من أشكال التطبيع، إلا أنه يرى أن الضغط المادي الذي يعيشه كان سبب اتخاذه لهذا القرار. 

وكان حساب إسرائيل بالعربية التابع لدولة الاحتلال على موقع تويتر، قد أعلن في مطلع تموز/ يوليو هذا العام عن عودة 2000 عامل أردني للعمل في فنادق مدينة إيلات الساحلية، فضلًا عن عودة 300 عامل أردني من عدة تخصصات تشمل البناء والصناعة وتقديم الخدمات المتنوعة إلى العمل أيضًا.

 وقد تفاعلت أحزاب سياسية وجهات مناهضة للتطبيع مع الخبر، فقد أصدر حزب جبهة العمل الإسلامي بيانًا حذر من المخاطر الأمنية لعمل الشباب الأردني لدى الكيان الصهيوني ومحاولة التأثير عليهم لخدمة ‏أهداف الاحتلال واستغلال حاجة الشباب للعمل.

كما عبر عن رفضه لمحاولات الكيان الصهيوني اختراق المجتمع الأردني وتمرير نهج التطبيع عبر ‏استغلال حاجة الشباب للعمل والمال نتيجة عجز المؤسسات الرسمية عن القيام بواجبها في توفير فرص العمل للشباب الأردني ‏ومعالجة أزمة البطالة التي تفاقمت معدلاتها نتيجة فشل النهج الاقتصادي للحكومات المتعاقبة.‏

وقال أمين سر الحزب ثابت العساف لـ"الترا صوت"، إن العمل لدى الاحتلال هو جزء من التطبيع والاعتراف بوجوده، وله تأثير كبير على أمن واستقرار الأردن. ويرى العساف أن الجهات الرسمية تساعد وتسهل عبور ودخول الأردنيين لجانب الاحتلال وتمارس التطبيع بصورة علنية، وهو ما يشكل تناقضًا مع الرواية والادعاءات الرسمية التي تعبر عن رفضها للنهج الصهيوني. 

كما عبر تجمع "اتحرّك لمناهضة التطبيع" عبر بيان عن ضرورة مقاطعة شركات التوظيف، موضحًا أن ما تقوم به تلك الشركات عدا عن كونه تطبيعًا، والهدف منه خدمة العدو الصهيوني، فإنه في ذات الوقت يشكل استغلالًا لظروفهم وحاجتهم للعمل وفيه من الانتهاكات العمالية ما يصل إلى حد الاتجار بالبشر.

رد حكومي 

وجاء رد وزارة العمل لسؤال من "الترا صوت" على لسان الناطق الإعلامي باسمها جميل القاضي، والذي أفاد بأن شركات التوظيف الخاصة والمرخصة يوجد لها أسماء على موقع وزارة العمل. وأضاف أن الوزارة تعتمد على وعي المواطن في تحديد ما إذا كانت مرخصة.

قال أمين سر الحزب ثابت العساف لـ"الترا صوت"، إن العمل لدى الاحتلال هو جزء من التطبيع والاعتراف بوجوده، وله تأثير كبير على أمن واستقرار الأردن

وفيما يتعلق بالانتهاكات يقول القاضي إن أي مواطن يستطيع التقدم بشكوى للوزارة عبر موقعها وبناء عليه تتأكد من خلال فرق التفتيش، وفي حال ثبوتها تتخذ الوزارة الإجراءات المناسبة.