16-أبريل-2018

كاريكاتور بريشة الشهيد والفنان الفلسطيني ناجي العلي

انتهت القمة العربية التي استمرت لعدة ساعات كما بدأت، جملة اعتراضية، اعتاد الشارع العربي عليها، حيث يجتمع القادة، في قاعة كبيرة دون قرارات جوهرية مؤثرة، مع أن هذه المرة كانت لتكون أكثر القمم ضرورة وأهمية، فالعالم العربي ساخن الأحداث، ممتلئ بالكوارث والحروب، حرب في الجنوب حيث اليمن وآلاف المشردين في اليمن وإلى الشمال حيث سوريا يلقي الأسد بالكيماوي علي شعبه والوطن العربي صامت، ولكنه منقسم هل يقبل بالضربات الصاروخية الأمريكية الفرنسية والبريطانية على النظام السوري، كل ذلك وسوريا، كما فلسطين، خارج جدول المناقشات للقادة العرب.

تذهب السعودية بالخطاب الرسمي العربي نحو المعاداة المفتوحة لإيران، وكأن إسرائيل تشكل صمام أمان عربي لا يجب التفكير به من باب الخطر

أما في فلسطين مسيرات وتوقعات بنقل السفارة الأمريكية للقدس، والقمة تصدر بيانًا ختاميًا ووعودًا من الملك السعودي بالدعم المالي، لكن لا مقاطعة لإسرائيل، على العكس تطالب القمة بضغوط دولية من المجتمع الدولي لفرض عقوبات على إيران. وإلى ظهران ذهب الزعماء العرب في قمة أجلت من منتصف أذار/مارس الماضي وكان من المقرر أن تكون في العاصمة السعودية، ولكنها انتقلت إلى المنطقة الشرقية واستضافها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي في مدينة الظهران، خوفًا من صواريخ الحوثي الذي تضرب المملكة مواقعه منذ ثلاثة سنوات وما زال لديه القدرة على الرد. وكان من أبرز الغائبين عن القمة، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، في ظل  تصاعد الحصار التلفيقي المفروض من دول الحصار الأربعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد قطر، فيما يستمر تعليق عضوية سوريا التي بدأت منذ 2011، وكان الحضور المصري متمثلًا في الرئيس عبد الفتاح السيسي وقد أضفى حالة من التهريج على القمة، إذ رفض فيها السيسي ضرب السعودية بصواريخ "بلاستيكية".

قمة الهجوم على طهران

خلال كلمته في القمة العربية أعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز، تسمية القمة العربية الـ 29 بـ"قمة القدس"، ولكن الأمر كان إعلاميًا، وبالرغم من تصدر القضية الفلسطينية البيان الختامي بالطبع كانت عبارات الرفض والانتقاد والشجب فيما يخص القدس وفلسطين في البند الأول. إلا أن البيان ركز بشكل كبير على إيران وتحولت قمة "الظهران" في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي لقمة "رفض طهران" وخصص لإيران بندًا كاملًا من نحو 19 بندًا، يتضمن سبع نقاط،  ثم عاد وأشار البيان مرة أخرى لإيران في ثلاثة بنود مختلفة بينها اثنان بكل تصريح عندما تحدث عن الإرهاب والتطرف والجزر الإماراتية وتلميح خلال بند آخر تحدث عن حسن الجوار والصراعات المذهبية.

اقرأ/ي أيضًا: منجل إسرائيل في حصاد الثورات المضادة

وصعد قادة الدول العربية في بيانهم الموقف ضد إيران وطالبوا المجتمع الدولي بتشديد العقوبات على إيران ولم تنس السعودية الحديث خلال البيان الختامي عن التهديدات التي تستهدفها بسبب 106 صاروخ باليستي أطلقتها عليها من اليمن "ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران"، وفقًا للبيان، ولم يتعرض البيان الختامي للقمة للأوضاع الكارثية في اليمن ولكنه أكد دعم ومساندة المملكة، في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها ومقدراتها، مما يعطي السعودية والإمارات دفعة لمزيد من التدمير.

ومن جانبها أعربت طهران عن أسفها على لسان بهرام قاسمي المتحدث باسم الخارجية وقال تعليقًا على ما جاء في البيان الختامي للقمة العربية الـ29 "نعرب عن أسفنا لبعض البنود الواردة في البيان الختامي لقمة الظهران"، وتابع" البيان مليء بالأكاذيب الواهية والمكررة، ويتغاضى عن أسباب الأزمات التي تعيشها المنطقة"، وأشار إلى أن السياسيات السعودية، التي وصفها بـ"المدمرة"، ألقت بظلالها بشكل واضح على البيان الختامي للقمة.

الحوثيون وتغير مكان القمة

كان من المقرر أن تكون القمة العربية الـ 29 ، في منتصف أذار/مارس الماضي في مدينة الرياض ولكن تم تأجيلها موعدًا ومكانًا وقال الوزير السعودي أحمد القطان، أن التأجيل جاء بسبب الانتخابات المصرية، على أن تجري في 15 نيسان/إبريل في مدينة الرياض،  ولكنه لم يصدر بيان حول تغيير المكان من الرياض العاصمة إلى الظهران في المنطقة الشرقية السعودية، بعض التقارير الصحفية أشارت إلى تخوفات لدى المملكة من صواريخ ميلشيات الحوثي التي تطلق من اليمن.

وبالرغم من مرور نحو 3 سنوات على بداية الحرب على ميلشيات الحوثي في اليمن إلا أن الصواريخ اليمنية تمطر الرياض العاصمة السعودية وكذلك مدينتي جازان ونجران وتزايدت خلال الأسابيع الماضية بشكل مستمر وأصبح من المعتاد رؤيتها في سماء الرياض، ليست الصواريخ فقط ولكن السماء السعودية أصبحت مستباحة بالطيران المسير من اليمن، وأعلن الجانب السعودي في 10 نيسان/إبريل الجاري عن إسقاط طائرة بدون طيار،  وقالت ميلشيات الحوثي أنها كانت تستهدف مطار أبها ومنشأة تتبع شركة أرامكو العملاقة للنفط، وهو ما يؤكد ضعف القدرة العسكرية لدى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ووزير الدفاع، الذي فشل في التخلص من المجموعات المسلحة المعارضة في اليمن بالرغم من المجازر التي ارتكبتها القوات السعودية على مدار السنوات الثلاثة.

لا يبدو أن الحد الأدنى من الاهتمام الجدي سواء بسوريا أو فلسطين قد توفر في أعمال القمة العربية الحالية 

كل ذلك دفع النظام السعودي إلى الهرب بالقادة العرب إلي مكان بعيد عن صواريخ الحوثي التي قد لا تدمر أو تقتل ولكن النظام سيكون في موقف محرج لو حدث وانفجر أي صاروخ بالقرب من قاعة الاجتماعات في الرياض لو أقيمت القمة هناك.

قضايا هامشية!

بالرغم من تصاعد عدد من القضايا المحورية إلا أن محور الاجتماعات والبيان الختامي لم يلتفت لها بما يوازي حجمها وأهميتها على رأس تلك القضايا أزمة فلسطين ونقل السفارة الأمريكية للقدس ومسيرات العودة الكبرى وكذلك الهجوم الكيمياوي الذي قام به النظام السوري والرد بالهجوم الصاروخي من أمريكا وفرنسا وبريطانيا.

اقرأ/ي أيضًا: 3 كتب تشرح لماذا تفشل الدول

فلسطين التي كانت حاضرة علي استحياء أكد القادة العرب على مركزية قضيتها وبطلان وعدم شرعية القرار الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ولكن في نفس الوقت أكد القادة العرب على الدفع بإعادة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ورفض الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب وضرورة تنفيذ قرار المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو بشأن القدس، وكما أعلن  ملك السعودية عن تبرع السعودية بمبلغ 150 مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، ومبلغ 50 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا".

وورد في البيان الختامي للقمة على استحياء حديث حول سوريا وطالبت القمة بإيجاد حل سياسي ينهي الأزمة وأدان كما هو معتاد استخدام، النظام السوري للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليًا، وقبل بدء القمة قطع حسام زكي مساعد الأمين العام للجامعة العربية المحاولات عن طرح الضربات التي حدثت في سوريا على جدول أعمال القمة، وقال أن جدول الأعمال وضع الخميس قبل تعرض سوريا للقصف، ولكن المبرر غير المنطقي كان مفهوم عقب تضارب المواقف العربية حول الضربات على سوريا ففي الوقت التي وافقت دول الخليج على الضربات كان هناك رفض من دول أخرى.

قمة الصواريخ البلاستيكة

وكعادته أضفى الرئيس المصري ذو الخلفية العسكرية بعض التهريج على مناقشات القمة التي لم يهتم بها الشارع العربي وأثار نطقه لكلمة "البالستية" لحالة من السخرية وقال السيسي "مصر لن تقبل قيام عناصر يمنية بقصف الأراضي السعودية بالصواريخ البلاستيكية"، ما أثار عاصفة من السخرية وردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن السيسي وزير دفاع سابق وعسكري منذ عقود طويلة، وما أثار الشكوك حول خطأ السيسي هو توقفه عن النظر في نص الخطاب المكتوب له والحديث من رأسه وهو أمر معتاد من الرئيس المصري الذي ينطق بشكل خاطئ ويقول جملًا غير مكتملة، ونشرت صفحة السيسي الرسمية على الفيس بوك نص كلمته بالنطق المعروف والمنتشر "البالستية".

لا يعول الشارع العربي على قمم جامعة الدول العربية فيما يخص الوصول بمصيره لشاطئ يأمن فيه المستقبل

وتصدر هاشتاغ #الصواريخ_البلاستيكية في مصر منذ خطاب السيسي حتى لحظة نشر هذه السطور، ورغم وضوح النطق الخاطئ للسيسي إلا أن هناك محاولات متكررة من أذرع السيسي الإعلامية أو ما يطلق عليهم اللجان الالكترونية للدفاع عن النظام المصري تبرير نطق الكلمة في البحث عن أصلها بالإنجليزية ووجود نطق شاذ لها فيه حرف الكاف، ووصل الأمر بأحد الإعلاميات المصريات بالدفاع عن السيسي والقول أن نطقه صحيح واستعانت بحاتم صبري عقيد سابق وخبير عسكري والذي أكد بالطبع على أن اللفظ الصحيح هو بلاستيكية!

التهاء الفضاء الافتراضي بما يمكن أن يكون مواد سخرية من القمة وواقعها، يعبر على ما يبدو عن صعوبة تقبل الشارع العربي لمثل هذه التحركات الرسمية بشيء من الجدية أو الأمل، لخبرة طويلة من القصور والانحياز وانعدام الشفافية والجدية في أعمال الجامعة العربية. بينما فلسطين وحصار قطر والحالة السورية وغيرها من عشرات القضايا المصيرية العربية لا تلقى بالًا جديًا أو عمليًا في أعمال المنظومة العربية التي أمست باب تنفيس أزمات دعائية لأطراف الهيمنة على بيانها الختامي!

 

اقرأ/ي أيضًا:

أهم 10 مؤتمرات قمة في تاريخ جامعة الدول العربية

10 خطايا سياسية لأمين جامعة الدول العربية الجديد