06-نوفمبر-2015

سيارات إسعاف تنقل جثث ضحايا حادث سقوط الطائرة الروسية (Getty)

صباح يوم السبت الحادي والثلاثين من أكتوبر، سقطت طائرة روسية في صحراء وسط سيناء، بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ متجهة إلى مدينة سان بطرسبيرج الروسية، ما أسفر عن مقتل كامل المسافرين على متنها، وعددهم مائتان وأربعة وعشرون مسافرًا، معظمهم روس.

عقب توارد الأنباء عن سقوط الطائرة، اتخذت الإجراءات الرسمية مسارها بشكل مشترك بين أصحاب الشأن، الحكومتين المصرية والروسية، حيث بدأت السلطات المصرية التحقيقات متمثلة في النيابة العامة المصرية وأرسلت روسيا لجنة تحقيقات لمتابعة الشأن في مصر، وأثيرت على التوازي ردود أفعال عالمية وتكهنات حول طبيعة الحادث، فقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء (المعروف باسم "ولاية سيناء") مسؤوليته عن إسقاط الطائرة في غضون ساعات قليلة، وعلقت العديد من الدول رحلاتها من وإلى مطار شرم الشيخ، ما يشكك ضمنيًا في إجراءات تأمين المطار، بينما لجأت دول أخرى، مثل بريطانيا إلى إجلاء رعاياها في شرم الشيخ ضمن إطار "إجراءات طارئة"، والتحذير من السفر إلى شرم الشيخ.

أكد داعش عبر بياناته المتتالية على مسؤوليته عن إسقاط الطائرة، وتمادى إلى تحدي المحققين لإثبات أن طرفًا آخر هو المسؤول

أصحاب الشأن

وصفت وكالة سبوتنيك الروسية الحادث بأنه "الأسوء في تاريخ الطيران الروسي"، حيث فاق عدد الضحايا كارثة عام 1985 في أوزباكستان، التي خلفت مائتي قتيل. وبينما تتابعت التصريحات والخطوات البريطانية الأمريكية بصدد الحادث، تجاوزت تحليلات الوكالة الروسية بقلم الصحفي، فينيان كانينجهام، الحادث نفسه لتتناول ردود الأفعال على الحادث.

قوبل الحادث بمزاعم قوية، رغم عدم تقديم دليل، حول أن عملًا إرهابيًا قد تسبب في الحادث، حيث صدرت تلك المزاعم أوليًا من قبل كبار شخصيات الحكومة البريطانية، كرئيس الوزراء ووزير الخارجية، ثم سارت الولايات المتحدة على خطاها مع تبني الرئيس الأمريكي وكبار الشخصيات الاستخباراتية، ناهيك عن المصادر المجهولة، لذات المزاعم البريطانية، والتي قوبلت بغضب روسي للتسرع في وضع الافتراضات رغم أن التحقيقات لا تزال في بدايتها.

يُرجع كانينجهام تلك المزاعم إلى تحذير مسؤولي الاستخبارات البريطانية للسلطات المصرية، الذي ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) منذ عشرة أشهر، بشأن ضعف إجراءات تأمين مطار شرم الشيخ، ودعى المسؤولون السلطات المصرية إلى تشديد الإجراءات الأمنية في مطار شرم الشيخ، ووجد تفتيش لاحق أن مصر قد التزمت بتلك الدعوة بالفعل ولكن يرجح أنها قد أرخت قبضتها مجددًا. جدير بالذكر أن شرم الشيخ تمثل مركزًا للاستخبارات البريطانية في الشرق الأوسط.

يستنكر الكاتب، في حال وجود معلومات مؤكدة إلى ذلك الحد لدى الاستخبارات البريطانية، عدم مشاركتها مع الحكومة الروسية. كما يأتي إلغاء الرحلات البريطانية من وإلى المطار مؤكدًا على "نظرية العمل الإرهابي" البريطانية.

يبدو، يضيف الكاتب، أن هناك اتجاهًا متسرعًا وشائنًا لتحويل المأساة إلى "كرة قدم سياسية"، حيث يرى كانينجهام أن نجاح جهود بوتين ومقابلتها بالإشادة الدولية بصدد سورية وتحقيق الوفاق بين حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، والمعارضة، والقضاء على الإرهاب، قد أدت إلى تراجع الجهود الأمريكية والبريطانية الهادفة إلى الإطاحة بالنظام السوري، ما عزز رغبة غربية لإعاقة الرئيس الروسي، وإن كان ذلك خارج سورية.

اختتم الصحفي مقاله بتلميح خطير حول أن المزاعم البريطانية المتكررة قد تثير شكوكًا حول تورط عملاء لوكالة الاستخبارات البريطانية "MI6" في الحادث، والذين تشير إليهم الحكومة البريطانية بـ"الإرهابيين" بشكل استباقي لدفع الشكوك عنها.

كذلك أشارت الوكالة إلى تراجع كاميرون عند سؤاله، في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس المصري، عن سبب تأكد الاستخبارات البريطانية أن الحادث قد نجم عن جهاز تفجير، وعن إن كانت بريطانيا تحجب معلومات عن الحكومة الروسية، فجاءت إجابة كاميرون غير مباشرة حيث قال إن "دوره هو التصرف بشكل ملائم لضمان أمن المواطنين البريطانيين"، وأضاف أن قراره يستند على تقارير الاستخبارات والاستشارات المقدمة له.

بينما التزمت وكالة "تاس" الروسية الرسمية، بالأنباء عن التحقيقات الرسمية فقط، دون أي تناول لردود الأفعال الغربية. إلا أنها ركزت على نقل الانتقادات الحكومية الروسية اللاذعة للمجلة الفرنسية الساخرة، تشارلي إيبدو، وكذلك للحكومة الفرنسية، حيث نشرت المجلة رسومًا تسخر من الحادث، ما اعتبره الكرملين على لسان متحدثه الرسمي، ديمتري بيسكوف، "تجديفًا تامًا".

أوردت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن مصدر في القاهرة لم تذكر اسمه أن تسجيلات الصندوق الأسود أظهرت أن المحادثات بين الطيارين والمراقبين الجويين كانت روتينية تمامًا حتى آخر أربع دقائق قبل انقطاع الاتصال بالطائرة، كما تشير التسجيلات إلى أن الوضع على متن الطائرة قد تفاقم "فجأة وعلى نحو غير متوقع".

صرح ألكسندر سمرنوف، المتحدث باسم شركة "متروجت" مالكة الطائرة: "نستبعد العطل الفني أو حدوث خطأ من جانب الطيار"، وأضاف أن الحادث قد نتج عن "مؤثر خارجي". ما يطرح علامات استفهام حول طبيعة ذلك المؤثر الخارجي الذي تقصده الشركة.

اقرأ/ي أيضًا: بوتين يسرق الضوء من سُليماني

مزاعم بريطانية

على خلفية القرار البريطاني بتعليق الرحلات الجوية إلى مطار شرم الشيخ، قال رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون: "من المرجح بشكل أكبر أن سقوط الطائرة كان نتيجة انفجار قنبلة"، أثناء دفاعه عن قراره. كما أشارت صحيفة الجارديان البريطانية إلى أنه من بين دوافع القرار البريطاني، المخاوف التي ساورت بريطانيا قبل عشرة أشهر من الانفجار، بشأن مستوى تأمين ذلك المطار تحديدًا، ما دفعها إلى إرسال فرق لتعزيز إجراءات الأمان، وقوبل ذلك بتعاون السلطات المصرية.

اتخذت التحليلات الصحفية البريطانية عدة مسارات، أولها أن الحادث قد نتج عن عطل فني، ما دفعها لتتبع السجل الفني للطائرة، والذي يورد أنها قد تضررت عام 2001 نتيجة حادث أصاب ذيلها على مدرج إقلاع بمطار القاهرة، وفق شبكة أمن الطيران.

في مقابلة مع أرملة أحد الطيارين، صرحت نتاليا تروخشيفا بأن زوجها قد ذكر تعليقات مُذمّة بشأن الحالة الفنية للطائرة.

أما المسار الثاني، فهو أن تكون الطائرة قد أصيبت بصاروخ، حيث علق خبراء بأن التنظيم لديه صواريخ أرض جو، فقد أسقط في السابق مروحية عسكرية مصرية إثر تحليقها على ارتفاع منخفض، ولكن الطائرة الروسية كانت على ارتفاع أعلى كثيرًا من المروحية، 31,000 قدم. علق زاك جولد، الخبير الإقليمي المتخصص في شؤون أمن سيناء: "يعتبر تنظيم داعش مسؤولًا عن إسقاط الطائرة فقط في حال نجاحه في زرع قنبلة على متن الطائرة".

رغم توازي التوجه الأمريكي مع الشكوك البريطانية بشأن سقوط الطائرة بسبب انفجار قنبلة، إلا أن الصحافة، والمصادر، الأمريكية لم تأت بالكثير الجديد كحال البريطانية

يؤول المسار الثالث إلى سقوط الطائرة إثر انفجار قنبلة على متنها في الجو، ما يشير إلى رغبة التنظيمات الإسلامية المسلحة في الانتقام من روسيا بعد الغارات الروسية في سورية التي استهدفت بعض التنظيمات المسلحة، بما في ذلك تنظيم داعش.

يؤدي انفصال الذيل عن جسم الطائرة في الجو واحتراقه إلى التأكيد على سيناريو القنبلة.

ألمحت صحيفة الجارديان البريطانية إلى تزامن الحادث مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لإعلان تنظيم ولاية سيناء – "أنصار بيت المقدس" سابقًا – ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية. وفي ضوء نهج الفرع المصري المشتمل على إصدار مقاطع فيديو لعملياته بعد فترة من تنفيذها، يحتمل أن يصدر التنظيم المزيد من المعلومات بشأن العملية إحياءً لذكرى إعلان الولاء لداعش، في حال كان المنفذ الحقيقي.

وفي ذات السياق، وضعت الصحيفة ثلاث فرضيات، أولها، أن داعش قد استغل الدعاية المحيطة بالحادث ليعزز صيته، وثانيها، أنه المنفذ الحقيقي للهجوم، وثالثها، أن طرفًا آخر هو المسؤول.

تعني الفرضية الثانية أن داعش قد نفذ ثاني أكبر هجمة إرهابية في العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أي أنه قد فجر طائرة أثناء تحليقها، وهو أمر عجز تنظيم القاعدة لسنوات عن تنفيذه. ويشير التحليل في ذلك السيناريو إلى أن التخطيط للعملية قد تم في معقل التنظيم بسورية، وتولى الفرع المصري بناء القنبلة، ليزرع أحد المنتسبين الروس للتنظيم القنبلة على متن الطائرة. كما أشارت الصحيفة إلى أنه في حال التثبت من حقيقة هذا التصور، فإن ثمن غارات بوتين في سورية قد أصبح باهظًا للغاية.

كما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC أن محققي الاستخبارات البريطانية يشكون في أن شخصًا ما يمكنه الوصول إلى مقصورة الأمتعة بالطائرة قد تمكن من زرع جهاز التفجير.

على الجانب الآخر، أكد داعش عبر بياناته الصوتية والمكتوبة، وآخرها يوم السادس من فبراير، على مسؤوليته عن إسقاط الطائرة، وتمادى إلى تحدي المحققين لإثبات أن طرفًا آخر هو المسؤول.

في مواجهة الإنكار المصري لوقوف عمل إرهابي وراء سقوط الطائرة، صرح وزير الخارجية البريطاني: "مع الاحترام لوزير الخارجية المصري، لكنه لم يطلع بعد على كل المعلومات التي لدينا".

أمريكا على خطى بريطانيا

أكدت الولايات المتحدة على المزاعم البريطانية رفيعة المستوى، حيث أوردت صحيفة واشنطن بوست تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلة إذاعية يوم الخميس، الخامس من نوفمبر، بأن: "هناك احتمالية لزرع قنبلة على متن الطائرة الروسية". ولكنه أضاف أن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن يتوصل قطاع الاستخبارات الأمريكي إلى السبب الحقيقي لسقوط الطائرة.

كما نقلت وكالة CNN الأمريكية عن مسؤول أمريكي، رفض ذكر اسمه، أن قمرًا صناعيًا أمريكيًا قد سجل "وميضًا حراريًا" إبان تحطم الطائرة. إلا أنه رفض التعجل بالاستنتاجات، مشيرًا إلى أن ذلك قد ينتج عن قنبلة أو عن انفجار خزان الوقود، أو عن انفصال أجزاء الطائرة.

بينما أشارت صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن احتمالية تحفيز التدخل الروسي في سورية تنفيذ الاعتداء، تشير إلى الثمن الباهظ الذي تسدده روسيا نتيجة سياستها الخارجية الحازمة على نحو متزايد.

علقت الصحيفة بأن الاضطرابات قد حولت الكثير من سيناء إلى مناطق محظورة، رغم إنكارها امتلاك المسلحين في سيناء للأسلحة المتقدمة اللازمة لإسقاط الطائرة، إلا أنها أشارت إلى تعزيز المسلحين لسيطرتهم وسط تراجع للأمن في شبه الجزيرة.

بينما اقتبس موقع "نيويورك بوست" عن الطبيب المصري الذي فحص حوالي نصف عدد جثث ضحايا الطائرة أن جثة ضمن كل خمسة قد تعرضت للاحتراق بشكل مروع قبل دقائق من موتها، ما يشير إلى انفجار الطائرة قبل سقوطها، لكن يبقى أن تحدد سلطات التحقيق سبب الانفجار.

رجحت شبكة CNN الأمريكية في تقرير لها أن يكون الانفجار قد نجم عن قنبلة زرعت داخل الطائرة، إلا أنها لم تستبعد بقية الاحتمالات، رغم دعم العديد من المؤشرات لسيناريو القنبلة، حسبما أوردت الشبكة. كما أشارت إلى أن الحادث، إن ثبت تورط التنظيمات المتطرفة في تنفيذه، يمثل تصعيدًا قويًا في قدرات تلك التنظيمات، وحذرت من أن الطائرات الأمريكية قد تصبح هدفًا مستقبليًا لتلك الهجمات. كما استغلت الشبكة الحدث في توجيه الانتقادات لإدارة أوباما لعدم صد تهديد التطرف العنيف في الشرق الأوسط، واضطرارها لإعادة نشر قوات برية في العراق لمجابهة خطر داعش.

جدير بالملاحظة أنه رغم توازي التوجه الأمريكي مع الشكوك البريطانية بشأن سقوط الطائرة بسبب انفجار قنبلة، إلا أن الصحافة، والمصادر، الأمريكية لم تأت بالكثير الجديد كحال البريطانية. كذلك لم تقدم تحليلات للحادث بنفس الشمول الذي قدمه الإعلام البريطاني، بل نقلت الصحافة الأمريكية الكثير عن مصادر بريطانية، ما قد يشير إلى تبعية الموقف الأمريكي لبريطانيا بناء على الاستخبارات التي تلمح بريطانيا لامتلاكها بخصوص مطار شرم الشيخ.

وسط توازي المواقف البريطانية والأمريكية، وتضاربها مع الروسية، يبقى أن تصدر لجنة التحقيق الرسمية المصرية الروسية تقريرها الأول بشأن ملابسات الحادث، أو أن يصدر تنظيم داعش ما يثبت مزاعمه.

اقرأ/ي أيضًا: تكميم الأفواه والقمع في شوارع موسكو