18-أبريل-2017

تضخّمَ الصراع في الآونة الأخيرة بين نظام السيسي والأزهر حتى وصل إلى التراشق الإعلامي (كينزو تريبويلارد/ أ.ف.ب)

"البقاء لله في الأزهر"، لم تكن جملة عابرة أطلقها لسان الإعلامي أحمد موسى، المقرب من النظام المصري، عقب تفجيرات أحد الشعانين، بل ربما هي قمة جبل الجليد الناهض بين مؤسسة الرئاسة المصرية والأزهر. فعقب التفجيرين الأخيرين، انهالت انتقادات الإعلاميين المحسوبين على نظام السيسي على الأزهر ورجاله، متهمين إياه بإعاقة محاولات الرئيس لتجديد الخطاب الديني.

لم يشفع وقوف شيخ الأزهر مع السيسي في انقلاب 3 يوليو له لدى إعلام النظام

كعادته، كان أحمد موسى في صدارة كتائب الهجوم الإعلامي لكل من لا يتفق مع النظام، فاعتبر أن تشكيل مجلس أعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف يعني وفاة الأزهر عمليًا، وتبعه على النهج نفسه عدد من الإعلاميين، وبات علماء الأزهر أمام واجب دفاعي عن مؤسستهم المتهمة على ألسنة كثير من الإعلاميين والكتّاب بأنها رعاية الإرهاب، وتصاعد مطالبهم إزاءه بضرورة "تعديل مناهج الأزهر المنتجة للإرهابيين"، حسب تعبيرهم.

 ويرى محللون أن الحملة الإعلامية الدائرة الآن على مؤسسة الأزهر، هي تواصل لسلسلة متتالية من الهجمات الإعلامية التي تظهر مع كل حادث إرهابي، تتهم الأزهر ببث التطرف والإخفاق في تجديد الخطاب الديني، مع وضعه في موقع المسؤولية عن حدوث مثل هذه التفجيرات كنتيجة لعدم استجابة شيخ الأزهر لدعوة السيسي بتجديد الخطاب الديني. 

وقد يُفسر ذلك قرار مؤسسة الرئاسة بالتحرك وحدها، وإنشاء المجلس الأعلى لتجديد الخطاب الديني دون انتظار الأوقاف أو الأزهر ردًا على ذلك. وفي المقابل، يدافع آخرون عن الأزهر، مذكرين بأنه غير مسؤول عن تواجد تيارات مناهضة للثقافة الإسلامية الوسطية، والإشارة إلى أن هذه مسؤولية الجهات السيادية والرقابية بالدولة.

الحملة الإعلامية ضد الأزهر، هي تواصل لسلسلة متتالية من الهجمات الإعلامية التي تتهم الأزهر بالإخفاق في تجديد الخطاب الديني

ماذا يريد السيسي من شيخ الأزهر؟

ما الذي يقصده الرئيس عبدالفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني؟ وما الذي يريده بالضبط منه؟ سؤالان تكشف إجابتهما عن الكثير من الجدل الدائر مؤخرًا حول الأزهر، والهجوم الشديد الذي يقوده إعلاميو النظام ضده. فالرئيس وعلى مدار عامين متصلين، يكرر في مناسبات دينية عديدة، مطالباته بتنفيذ الفكرة، ولكن نداءاته تلقى "معوقات"، تحول دون القضاء على ظاهرة الإرهاب، وعلى رأسها شيخ الأزهر أحمد الطيب، أو هكذا يُروّج. 

غياب التنسيق والتكامل في الأدوار بين المؤسسات الدينية، إضافة إلى اختلاف الرؤى والتصورات حول مفهوم المواجهة وأدواتها وآلياتها هي من الأسباب الرئيسية التي يوردها معسكر النظام في ترحيبه وتهليله بمجلس مكافحة التطرف الجديد، وذلك لأنها "ستسهم في جمع وتكوين وحشد المؤسسات ذات العلاقة بهذا الأمر، الدينية والسياسية والاجتماعية والقانونية، لتعمل في منظومة واحدة وفق استراتيجية محددة".

اقرأ/ي أيضًا: الأزهر التاريخيّ في دورانه

وسيتمتع المجلس الجديد بكافة الصلاحيات والسلطات التي تمكّنه من القيام بدوره بشكل إجرائي وتنفيذي، بعيدًا عن انتظار مباركة الأزهر وشيخه أحمد الطيب، فالسيسي يريد تجديد الخطاب الديني، ولديه فكرة محددة عن معنى ذلك "التجديد"، والكيفية التي يفترض أن يكون عليها الأمر، وعلى ما يبدو ليس ثمّة أية نوايا تقدمية أو تنويرية، بل تحتل الحسابات السياسية الجزء الأكبر من دعواته المتكررة والدورية بتجديد الخطاب الديني. 

وتكمن الإشكالية في أن الجنرال السابق يريد من أكبر مؤسسة إسلامية سنيّة تبني فكرته ورغبته، والعمل وفقًا لها دون إبطاء أو تعديل. فالرئيس يريد من شيخ الأزهر أحمد الطيب أن يكون مثل وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، الذي أثبت أكثر من مرة أنه ملكي أكثر من الملك نفسه؛ فلم يكد تمر أيام على دعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني، حتى خرج بفكرة توحيد خطبة الجمعة في المساجد، ورغم فشل الفكرة والاعتراضات الكثيرة التي لاقتها، فقد خرج محمد مختار جمعة مجددًا بفكرة ثانية، حين أعلن عن إعداد وزارته خطب الجمعة في مصر مقدمًا لمدة 5 سنوات، وهو ما أثار موجة سخرية واسعة.

يبدو إذن أنّ السيسي يريد نموذجًا لشيخ الأزهر، مشابهًا لنموذج وزير الأوقاف، ولكن بطريقة أكثر ملاءمة وابتكارًا، بعيدًا عن الحلول الساذجة. في نفس الوقت، لا يجد شيخ الأزهر نفسه مضطرًا لمجاراة رغبة الرئيس، ربما لعلمه بحقيقة نواياه بخصوص "التجديد"، وهو الذي ابتعد تمامًا عن القاهرة واختلى في موطنه الأقصري بعد فضّ رابعة، وأذاع له التلفزيون المصري بيانًا عاطفيًا جاء فيه: "إن الأزهر يؤكد دائمًا على حرمة الدماء وعظم مسؤوليتها أمام الله والوطن والتاريخ".

أحمد الطيب والجنرال

قبل ذلك وقف أحمد الطيب إلى جوار السيسي في مشهد 3 تموز/يوليو 2013، حين أعلن الجنرال عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، لكن ذلك لم يكن كافيًا لحمايته من الهجوم الذي طاله مؤخرًا من أذرع النظام الإعلامية، ووصلت حدة بعض المهاجمين لشيخ الأزهر أحمد الطيب إلى المطالبة باستقالته من منصبه.

الندّية تصلح توصيفًا مناسبًا للعلاقة بين شيخ الأزهر والرئيس المصري، ولا سيّما أن الرئاسة نفسها على امتداد تاريخها منذ عصر أنور السادات، جعلت من منصب شيخ الأزهر منصبًا يماثل ويكافئ بروتوكوليًا وسياسيًا وماديًا وأدبيًا منصب رئيس وزراء مصر، كما أن الدستور الحالي منح الأزهر استقلالية كاملة، أكثر من ذلك أن الدولة المصرية في عهد السيسي أعلنت نيتها الالتزام بتنفيذ قرار كان من المفترض أن يصدره الأزهر، يحظر نشر أي أخبار أو مقالات تتعلّق بالأزهر وشيوخه، مثلما قرر مجلس القضاء الأعلى حظر نشر أي أخبار تتعلق بشؤون القضاة والقضاء على كل المواقع الإلكترونية، وجاء ذلك في أعقاب نشر صحيفة الوطن سلسلة من المقالات تحت عنوان "فساد الأزهر" خلال الفترة من نيسان/أبريل حتى آب/أغسطس من العام الماضي.

وشملت مقالات صحيفة الوطن اتهامات بالفساد طالت المستشار القانوني لشيخ الأزهر، وألقت باللوم على أوجه الفساد والضعف في مشيخة الأزهر في عهد أحمد الطيب، وحينها أصدرت المشيخة بيانًا أكدت فيه أن ما نشرته الوطن هو "محض افتراء واختلاق لادعاءات تعلم أنها كاذبة ومضللة تستهدف الإساءة للأزهر الشريف ورمزه الأكبر ومعاونيه المخلصين وجامعته العريقة وهيئة علمائه الكبرى"، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل امتد لرفع خمس دعاوى قضائية ضد الصحافي كاتب المقالات، وهو نائب تحرير الوطن.

يريد السيسي شيخ أزهر شبيهًا بنموذج وزير الأوقاف لكن بطريقة أكثر ابتكارًا وملاءمة

الأزهر فوق النقد؟ 

بعض المتابعين أرجعوا تصعيد الموضوع في حينه إلى أن الأزهر أراد أن يعطي درسًا لمن يتطرق بالنقد إلى رجاله، وأن عقابه المنتظر سيكون "الجرجرة" في المحاكم، تمامًا كما حدث مع الباحث إسلام بحيري، الذي عوقب وحُبس، وذلك ليس لانتقاده بعض الأحاديث التي وردت في كتب البخاري وغيرها، ولكن لتجرؤه والتحدث بشكل "غير لائق" عن بعض شيوخ الأزهر.

ولكن يبدو أن تبدّل الأيام يغيّر خرائط انحيازات السلطة، ففي الفترة الأخيرة وضحت رغبة السلطة في تسريع عملية تحويل الأزهر لمؤسسة خاضعة، تنفّذ ما يُملى عليها، دون تدخل منها حتى في شؤونها الداخلية. وخلال الشهور القلية الماضية، شهدت الساحة المصرية تبادل الانتقادات العلنية بين الرئيس السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب بخصوص عدة قضايا مختلفة؛ مثل الطلاق الشفهي والتكفير، فرفض شيخ الأزهر تكفير داعش، وقال شيخ الأزهر في إحدى لقاءاته: "داعش لا أستطيع أن أكفرها، ولكن أحكم عليهم أنهم من المفسدين في الأرض"، وبعدها أعلن أحمد الطيب في إحدى حفلات تكريم طلبة الأزهر ما اعتبره كثيرون رسالة واضحة وصريحة تحمل هجومًا على الرئيس السيسي، حيث قال: "للأسف نجد من المسلمين والقيادة المسلمة تتهم الإسلام وتتهم دينها بأنه إرهاب، وتقول ذلك في العلن؛ فلماذا لا تحملون قصوركم الأمني على دينكم وعلى الإسلام؟".

وبحسب محللين، فإن السيسي يريد من الأزهر خضوعًا كاملًا وصكوكًا مجانية بتكفير كل من يعادي نظامه، رغم أن واحدًا من أقرب الرموز الدينية للنظام المصري نفسه، أي علي جمعة المفتي السابق لمصر، أوضح مرارًا وتكرارًا عدم جواز تكفير أي مسلم، حتى ولو كان داعشيًا. لذا كانت الخطوة التالية المنطقية والمتوقعة، هي تنحية الأزهر بصورة كبيرة عن مشهد "تجديد الخطاب الديني"، وجاءت التفجيرات الأخيرة في مصلحة النظام المصري لفعل ذلك بأكبر قدر ممكن من السلاسة، فكان إنشاء "المجلس الأعلى لمكافحة التطرف والإرهاب".

البرلمان سلاح النظام في مواجهة الأزهر

أعلن رئيس البرلمان المصري علي عبد العال إنشاء المجلس الأعلى لمواجهة التطرف، موضحًا أن مهمته ستكون "وضع استراتيجية لمكافحة التطرف، وتنقية المناهج التعليمية وتجديد الخطاب الديني"، مُؤكدًا على أنّ "البرلمان سيضع ضوابط مناهج التعليم والخطاب الديني، ولن ننتظر وزارة من الوزارات أو جهة من الجهات"، في إشارة ضمنية لمؤسسة الأزهر.

خطوة الدولة وذراعها البرلماني في تحجيم دور الأزهر، كانت بداية لجولة جديدة من عملية "تقويم الأزهر"، إذ أعلن النائب محمد أبو حامد، أنه سيتقدم بمشروع لتعديل قانون الأزهر إلى البرلمان، بهدف وضع مجموعة من القواعد والضوابط تحكم تشكيل هيئات الأزهر، وذلك من أجل التحكم في اختيار أعضائها وتنظيم عملها.

وقال النائب البرلماني في بيان له إن اعتراض الأزهر على مشروع التعديل يأتي من منطلق "محدش يقرب مننا.. إحنا مش زي أي حد"، لافتًا إلى أنه يستند إلى إعادة تشكيل الهيئات الثلاث ليترأس شيخ الأزهر المجلس الأعلى للأزهر، ويقود رئيس جامعة الأزهر رئاسة هيئة كبار العلماء، ولم ينس أبو حامد التأكيد على احترام البرلمان لمؤسسة الأزهر ولكنه "سيقوم بدوره التشريعي الذي أوكله له الدستور".

اقرأ/ي أيضًا: مشايخ السلطة.. الصراع على تصدر المشهد

وتأتي الخطوة في إطار الحديث المتكرر من معسكر الدولة عن أن "المؤسسات القائمة على تجديد الخطاب الديني بالأزهر لم تقم بدورها". ويشمل مشروع القانون اختيار شيخ الأزهر من خلال هيئة كبار العلماء وأعضاء مجمع البحوث العلمى، بحيث تكون مدة ولاية شيخ الأزهر 8 سنوات فقط. كما تشمل التعديلات قواعد اختيار شيخ الأزهر عند خلو منصبه، وكذلك قواعد اختيار مفتي الديار المصرية، وتنظيم العلاقة بين مشيخة الأزهر وكل من جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية.

وفي الإطار نفسه، سيجرّد قانون الأزهر المزمع طرحه على مجلس النواب، مؤسسة الأزهر من سلطاتها بنقل تبعية مجمع البحوث الإسلامية للتعليم المدني، وتجريده من سلطة التعليم من خلال نقل تبعية الكليات العلمية والمعاهد الدينية الأزهرية للرئيس بعيدًا عن الأزهر.

يريد السيسي من الأزهر صكوك تكفير بحق كل من يعارض نظامه

تصفية حسابات 

"تصفية الحسابات" هي كلمة السرّ في هبّة التعديلات والهجوم على الأزهر بحسب كثيرين؛ ففي مشروع القانون الجديد، ستعدّل كيفية اختيار أعضاء هيئة كبار العلماء، ليُحصَرَ تعيين أعضائها على رئيس الجمهورية وليس شيخ الأزهر كما هو الأمر حاليًا، ومن المنتظر أن تشهد المرحلة اللاحقة لتمرير القانون في البرلمان، حركة لتوسيع دائرة أعضاء هيئة كبار العلماء، لتشمل عددًا أكبر من الأعضاء، وتضم إليها علماء ومتخصصين في أمور أخرى وليس الشريعة فقط، وهو ما يمهّد الطريق للمستشار الديني للرئيس السيسي أسامة الأزهري، ليصبح شيخًا للأزهر، إذا ما فكر النظام في إزاحة أحمد الطيب من منصبه، سواء بتعريض سمعته للخطر أو الإطاحة به بشكل قانوني.

ويحظى أسامة الأزهري (41 عامًا) بثقة ودعم وافرين من النظام المصري، وتمثّل ذلك في اختياره عضوًا بالمجلس الأعلى لمكافحة التطرف والإرهاب، وكونه المستشار الديني لرئيس الجمهورية، وفي عدائه الأخير مع شيخ الأزهر أحمد الطيب، والذي عبّرت عنه بعض مقالاته التي كتبها فى محاولة أن يقدم نفسه بديلًا عن شيخ الأزهر الحالي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لعبة الدين في العالم العربي

عمائم ومكائد