20-فبراير-2018

يفتقد الطفل الجزائري للاهتمام المناسب (عمر دخان/ Flickr)

تناهى إلى سمعي أن البلدية التي أُقيمُ فيها، قد أنجزت حديقة، فتناهت الفرحة إلى روحي، ذلك أنني لا أستوعب كون تجمّعًا سكنيًا يتجاوز عدد ساكنته 100 ألف، لا يتوفّر على فضاء ترفيهي مفتوح للأطفال.

يتحدث الشعب والحكومة الجزائرية، عن المستقبل ومآلاته، بمعزل عن الاهتمام بنفسية وذهنية الطفل

إننا شعب وحكومة يتحدّثان عن المستقبل بمعزل عن الاهتمام بنفسية وذهنية الطفل، لا من حيث رصد تحولاتهما التي أمْلتها السياقات الجديدة، ولا من حيث إعداد البرامج والآليات التي تستوعب هذه التحولات في إطار إيجابي.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر.. 200 ألف تلميذ "ضحايا" التسرب المدرسي

كم طرفًا معنيًا في الحكومة والمجتمع المدني يملك تصورًا دقيقًا أفرزته بحوث علمية ميدانية عن المضاعفات السلبية المترتبة عن التسرّب المدرسي مثلًا؟ بالمناسبة: كم طفلًا جزائريًا يتسرّب من المدرسة سنويًا؟ ما هي أسباب ذلك؟ وما هو المصير الذي ينتظر المتسرّبين في واقع الحياة؟

ماذا يشاهد أطفالنا من قنوات فضائية؟ ما مدى انسجامها مع روح الطفولة لديهم أوّلًا؟ وما مدى انسجامها مع الخصوصية الجزائرية التي تشكلها الأبعاد الحضارية المعروفة ثانيًا؟ أيَّ كتابٍ يقرأ طفلنا؟ وهل يصله ما يجب أن يصله من كتب؟ ما حيّز الطفولة في منابرنا الإعلامية؟ ومن يدير هذه المنابر إن وجدت؟ كم مكتبة تُعنى بأدب الطفل في "القارة" الجزائرية؟ وأيّ وعي يسيرها ويؤطر سياستها؟

إن الجزائر تتوفّر على مراكز ثقافية تكاد تكون بعدد بلدياتها، فما السياسة التي تنتهجها بخصوص احتواء أشواق الطفولة الجزائرية لممارسة ذاتها وفق معايير الطفولة وروحها؟ من يشرف على هذه الفضاءات، ومن يُسطّر برامجها؟

تلقيت مكالمة من رئيس حزب سياسي، عرض عليّ فيها رغبته في أن يجعلني على رأس قائمته في الولاية التي وُلدت فيها، فسألته: ما هي سياستكم في جعل عطلة التلميذ الجزائري مسلّية ومثمرة، ذلك أنني لاحظت أننا لا نملك سياسة في هذا الإطار، لا على مستوى المؤسسات الرسمية المعنية بالموضوع، حتى أن قنوات تلفزيوننا ودور ثقافتنا، لا تُكيف برامجها في عطل التلاميذ، ولا على مستوى الجمعيات والواجهات المدنية؛ فانفجر الرجل ضاحكًا على ما اعتبره سذاجة مني، وقال: "نحن نفكر في أمور أهم من هذا". فكدت أن أُسمعه وسخ أذنيه قبل أن أنهي المكالمة التي جعلت يومي يشبه برتقالة فاسدة.

مع كثرة المراكز الثقافية في الجزائر، لا سياسة تنتهجها بخصوص احتواء أشواق الطفولة الجزائرية 

لقد قادني فضولي إلى أن أبحث في برامج المترشحين للرئاسيات عام 2014، عن الرؤى المتعلقة بالاستثمار في الطفل الجزائري، ومقاربة أزماته المتعددة، ذلك أن للصغار أزماتٍ مثلما للكبار أزماتهم؛ فلم أجد شيئًا. هل خلت البلاد -التي هي أكبر دولة عربية وإفريقية من حيث المساحة بعد تقسيم السودان المسكين- من الأطفال حتى تخلو برامج الطامحين إلى رئاستها من إشارات واعية تخصّهم؟

اقرأ/ي أيضًا: ما ذنب الطفل الجزائري؟

وصلتُ إلى الحديقة الجديدة مع بناتي سريعًا، عكس المرات السابقة التي كنتُ أسافر فيها إلى حديقة ما، تلبية لحاجة البنات إلى اللعب والترويح عن النفس، فوقعت عيناي على ما يشبه الحديقة.

جرت البنات إلى إحدى الأراجيح المكتظة بالراغبين فيها، وانهرت أنا على ما يشبه المقعد، وغرقت في هذا السؤال، أنا العائد قبل فترة قصيرة، من الفضاء الخليجي وما تتوفر عليه من حدائق وفضاءات خاصة بالأطفال وفق المعايير العالمية: هل يعقل أن ننجز حديقة بهذه المواصفات بعد 50 سنة من الاستقلال؟ وانفجرت بالضحك بيني وبيني حتى لفتّ انتباه الأطفال، لأنني تصورت أن هذه الحديقة أنجزت لأبناء الأسرى في حرب معينة، لا لأبناء الوطن المستقلّ منذ نصف قرن.

لا تتربع الحديقة ـرغم أنها في خلاء واسع جدًّاـ إلا على مساحة لا تتسع لخمسين طفلًا على أكثر تقدير، فكأنها حديقة لفندق لا لمدينة مجاورة للعاصمة، مع انعدام تامٍ لموقف يستوعب سيارات الأولياء الذين يرافقون أطفالهم، أو محلات تجارية تستوعب جوعهم وعطشهم، ولا على مرحاض يستوعب حقهم الطبيعي في قضاء حاجاتهم. هل أنا مُلزم أخلاقيا بأن أقول "أكرمكم الله" في لحظة الخيبة والغضب التي عشتها هناك، وأعيشها الآن وأنا أكتب هذه السّطور؟

ولا تتوفر شبه الحديقة هذه إلا على بضع أراجيح وبضعة ألعاب كلها يمارس فيها الطفل فعل الانحدار لا العلو، وهذا أمر رمزي مهم جدًا بالنسبة إليّ، مع انعدام تام لشروط السلامة، إذ لا يمكن لأب يملك عقلًا وقلبًا أن يترك طفله بمفرده في مواجهة هذه الألعاب التي تشبه المشانق.

تخلو برامج المرشحين في الانتخابات بالجزائر، من أي رؤى متعلقة بالاستثمار في الطفل الجزائري ومقاربة أزماته المتعددة

لقد كنتُ أعتقد أنني سأتمكن من القراءة، فأخذت معي كتاب "أسفار العقل" للباحث الجزائري حميد زنّاز، لكنني لم أتمكّن من ذلك، فقد كنت مطالبًا بحراسة البنات من أي أذى محتمل، وما أكثر ذلك على أكثر من صعيد، وبقراءة المكان والإنسان وهما يغرقان في يُتم، بات بحاجة إلى من يقرأهما في هذا الزمن الجزائري الذي تسيّره مترادفة الإهمال والارتجال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ثلاث حالات تجعل الطفل أبًا في الجزائر

المساحات المخصّصة للأطفال الجزائريين..براءة مخنوقة