23-أكتوبر-2019

من أعمال البناء في سد النهضة (أ.ف.ب)

"يقول البعض أمورًا عن استخدام القوة من جانب مصر، يجب أن نؤكد على أنه لا توجد قوة يمكنها منع إثيوبيا من بناء السد، وإذا كانت هناك ضرورة للحرب فنستطيع حشد الملايين، وإذا كان البعض يستطيع إطلاق صاروخ فالآخرون قد يستخدمون القنابل". 

استبق رئيس الوزراء الإثيوبي لقاءه المرتقب بالرئيس المصري، بخطابٍ حمل نفسًا تهديديًا بالتلويح بخيار الحرب والحشد المليوني لها

بهذا الخطاب الذي جاء بنفس تهديدي، استبق رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، لقاءه المرتقب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المقرر عقده في روسيا، حاملًا إشارات حول الطريق الخطيرة التي تتجه إليها أزمة سد النهضة.

اقرأ/ي أيضًا: تدفق الاقتراحات المرفوضة.. اتساع الخلافات حول سد النهضة ينذر بتدويل الأزمة

التطورات الأخيرة للأزمة المتفاقمة

في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الري والموارد المائية المصرية، بأن مفاوضات سد النهضة قد وصلت إلى طريق مسدود، وذلك عقب جلسة مفاوضات ثلاثية في العاصمة الخرطوم بين وزراء الري المصري والسوداني والإثيوبي. 

وأرجع المتحدث باسم الوزارة المصرية، فشل المفاوضات إلى ما أسماه "تشدد الجانب الإثيوبي ورفضه كافة الأطروحات التي تراعي حقوق مصر المائية وتتجنب إحداث ضرر جسيم لها".

وكان الجانب المصري قد طلب من الجانب الإثيوبي إطلاق 40 مليار متر مكعب من المياه كل عام، وإطلاق المزيد من المياه عندما يكون سد أسوان أقل من 165 مترًا فوق مستوى سطح البحر، مع دعوة طرف رابع في المفاوضات بين الدول الثلاث، وهو ما رفضه الجانب الإثيوبي، مُصرًا على ملء خزان السد خلال ثلاث سنوات فقط، حيث تبلغ سعة البحيرة خلف السد 74 مليار متر مكعب.

السيسي وآبي أحمد
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي حمد والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي

وبعد تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي الأخيرة، أعربت وزارة الخارجية المصرية عن صدمتها منها، ومن تناول الخيارات العسكرية خلال الأزمة، التي قالت الخارجية إن مصر تتمسك فيها بالمفاوضات كطريق وحيد لحلها، معلنةً قبول دعوة الإدارة الأمريكية لاجتماع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا، لاستضافة المفاوضات، كسبيل لكسر الجمود الحالي.

الخيارات العسكرية.. من التاريخ وموازين القوى الحالية

لطالما كانت قضية السدود على نهر النيل، النهر الأطول في العالم، قضية خلافية بين دول المنبع، وخاصة إثيوبيا، ودول المصب وعلى رأسها مصر. 

وبينما كانت المواجهة الأولى منذ تأسيس الجمهورية المصرية، مواجهة سلمية استطاع خلالها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حلها عبر خطاب وجهه إلى الإمبراطور الإثيوبي، هيلا سلاسي، عام 1953، جاء فيه: "باسم مصر ورئيسها وجيشها العظيم، نطالبكم بوقف أعمال بناء سد تيس أباي فورًا، حيث نمى إلى علمنا أنكم تشيدونه على نهر النيل دون إخطارنا، وأن ارتفاعه يبلغ 112.5 متر، لتوليد طاقة كهربائية قدرتها 100 ميجا". ليتراجع الإمبراطور راضخًا لرغبة مصر، مقللًا ارتفاع السد من 112 مترًا إلى 11 مترًا فقط. 

ومن بعد عبد الناصر، كان محمد أنور السادات حاسمًا في خطاب له عام 1980، حمل نَفَس التهديد العسكري بوضوح، حين قال: "إذا حدث وقامت إثيوبيا بعمل أي شيء يعوق وصول حقنا في المياه بالكامل، فلا سبيل إلا استخدام القوة". وقال في موضع آخر: "إن المسألة الوحيدة التي يمكن أن تقود مصر للحرب مرة أخرى هي المياه".

نفس النهج اتبعه حسني مبارك، حيث حافظت مصر على مساومة سلمية تجنح للتهديد العسكري أحيانًا، فيما يخص قضية السدود الإثيوبية على نهر النيل، من ذلك ما جاء على لسان وزير الدفاع الأسبق، عبد الحليم أبو غزالة، قائلًا: "يجب أن نسعى باستخدام القوة الشاملة لمنع تنفيذ المشروعات في بعض دول حوض نهر النيل، التي تهدف إلى تخفيض نصيب مصر من المياه". 

وفي عام 2012، نشر معهد ستراتفور للدراسات الأمنية، رسائل إلكترونية تعود إلى عام 2010، ذكرت تفاصيل محادثة بين رئيس المخابرات العامة آنذاك، عمر سليمان، وبين مبارك؛ تضمنت خطة عسكرية بالتعاون مع السودان لحماية حصة الدولتين في مياه نهر النيل، أشير فيها إلى موافقة عمر البشير على الخطة، ببناء قاعدة عسكرية في منطقة كوستي جنوب السودان، لاستيعاب قوات مصرية خاصة، قد يتم إرسالها إلى إثيوبيا إذا لزم الأمر.

وفي إحدى هذه الرسائل من عمر سليمان، يقول: "إذا تحول الأمر إلى أزمة، سنرسل طائرة لقصف السد، وتعود في نفس اليوم. أو يمكننا أن نرسل قوات خاصة لتخريب السد". 

اللافت في هذه الرسالة أنها تضمنت إشارة إلى عملية مشابهة نفذتها مصر بالفعل في عام 1976، بتفجير معدات كانت في طريقها إلى إثيوبيا بحريًا، بغرض استخدامها في بناء سد ضخم.

يُضاف إلى ذلك، تسريب صوتي لحسني مبارك، وهو يهدد صراحة بضربة جوية بطائرة توبوليف الحربية، لأي مشروع سد على نهر النيل في إثيوبيا. 

وفي ظل الوضع الحالي، فإن موازين القوى العسكرية بين البلدين غير متكافئة تمامًا، فوفق موقع غلوبال فاير باور المختص بالشؤون العسكرية، تحتل مصر المركز 12 عالميًا من حيث القوة العسكرية لعام 2019، متفوقةً على كافة دول الشرق الأوسط، فضلًا عن إثيوبيا التي تحتل المركز 47.

مقارنة GFP للقدرة العسكرية بين مصر وإثيوبيا

فبينما تمتلك مصر أسطولًا جويًا ضخمًا ومتنوع العتاد، بمجموع 1092 قطعة حربية جوية، تمتلك إثيوبيا 82 قطعة فقط، معظمها تعود للحقبة السوفيتية.

وبريًا تظهر فروق القدرة العسكرية بين البلدين، خاصة إذا علمنا أنه في حين تمتلك إثيوبيا 300 دبابة سوفيتية من طراز T-72، تمتلك مصر 1360 دبابة أمريكية من طراز M1A1 و500 دبابة سوفيتية من طراز T-62، بجانب صفقة لم تتم بعد تضم 500 دبابة من طراز T-90 الروسية، فضلًا عن القوة البشرية، إذ يبلغ التعداد الرسمي لضباط وجنود الجيش المصري نحو 920 ألفًا، بينما في الجيش الإثيوبي 140 ألفًا.

مع ذلك، لا يبدو الخيار العسكري أفضل الخيارات بالنسبة للجانب المصري، لأسباب خارجية في مجملها على رأسها التخوف من حلف أفريقي مضاد لأي عملية عسكرية مصرية ضد إثيوبيا، فضلًا عن مساعي النظام المصري الحفاظ على ما وصل إليه من وضعية دولية، بعد سنوات عجاف على إثر عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

مشروع إثيوبيا القومي

في عام 2011، كانت إثيوبيا قد أعلنت رسميًا عن عزمها إنشاء سد النهضة بتكلفة أربع مليارات دولار أمريكي، بغرض أن تصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في القارة السمراء، إذ يتوقع من السد توليد الكهرباء بطاقة إجمالية تبلغ 6450 ميغاوات، ليعد المشروع القومي الأبرز في إثيوبيا. 

وبطبيعة الحال، سيؤثر السد على حصة مصر من نهر النيل، الذي تعتمد عليه بنسبة تتجاوز 95% كمصدر للمياه متعددة الاستخدامات.

وتبلغ حصة مصر من النيل 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، وهي كمية لم تعد كافية بالأساس، حتى باتت مصر ضمن قائمة الدول الفقيرة مائيًا بمعدل 500 متر مكعب للفرد الواحد في العام، وهي نصف الكمية التي تحددها التعريف الدولي للفقر المائي، والمقدرة بألف متر مكعب، بعجز يصل إلى 40 مليار متر مكعب حاليًا.

سد النهضة
تهدف إثيوبيا من سد النهضة أن تكون أكبر مصدر للطاقة الكهربائية في أفريقيا

ومن المتوقع أن يصل العجز المائي في مصر عام 2030 إلى 80 مليار متر مكعب، هذا في حال ثبات الموارد المائية بما في ذلك نهر النيل، إذ سيصل تعداد المصريين المتوقع إلى 125 مليون نسمة تقريبًا.

ومع العجز المائي قبل السد، يظل السد مهددًا لحصة مصر في المياه في كل الأحوال، حتى إذا وافقت إثيوبيا على الطلب المصري بملء الخزان في سبع سنوات، فإن ذلك سيخصم من حصة مصر حوالي 10 مليارات متر مكعب من مياه النيل سنويًا، ما قد يؤدي غلى بوار مليوني فدان تقريبًا. 

حلول الإدارة المشتركة

وبعيدًا عن الخيارات العسكرية، التي عادة ما تستخدم للتهديد الاستباقي، طرح عدد من الخبراء المعنيين بملف المياه في مصر، حلًا للأزمة، قائم على الإدارة المشتركة لملف المياه في دول: مصر والسودان وإثيوبيا.

ويطرح الحل تشكيل إدارة مشتركة للسدود داخل الدول الثلاثة: مصر والسودان وإثيوبيا، ولجنة تضم ممثلين عن الدول الثلاثة والاتحاد الأفريقي وخبير منتدب من الأمم المتحدة، مع وضع لائحة لاتخاذ القرار توافق عليها البرلمانات في الدول الثلاثة.

طرح عدد من الخبراء المعنيين في مصر، حلًا لأزمة سد النهضة، قائم على الإدارة المشتركة للسدود على نهر النيل بين مصر والسودان وإثيوبيا

ويكون من اختصاصات اللجنة المكونة، تحديد وقت تخزين المياه وكمية التخزين ومستوى إنتاج الكهرباء من كل سد من السدود على النيل في الدول الثلاثة، بناءً على تقييم موضوعي، يقدر حجم الأضرار على كل طرف قبل كل قرار، من خلال معايير متفق عليها، على أن يتم مراجعة كل قرار وتقييمه بشكل دوري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة جيوسياسية كبيرة حول السيطرة على النهر العظيم

عواصم إفريقية تواجه الجفاف رسميًا.. هل تكون القاهرة التالية؟