09-يوليو-2017

من مهرجان التصوف سنة 2007 في المغرب (عبد الحق سنا/أ.ف.ب)

على مر التاريخ، احتل التصوف الإسلامي أهمية بالغة سواء لدى الفقهاء أو الفلاسفة أو المؤرخين. وتقريبًا لا أحد من هؤلاء اتفق على مفهوم التصوف وتاريخ نشأته، فالكل تطرق إلى الفكرة انطلاقًا من اجتهاده الخاص.

تاريخ التصوف بالمغرب يعود إلى القرن الحادي عشر ويتميز بدعم السلطات المادي والمعنوي للزوايا والطرق

البعض يعتبره ضربًا من البدع، والبعض الآخر يقول إن الرسول محمد هو أول المتصوفين، بمعنى أن التصوف ليس دخيلاً على الثقافة الإسلامية. وبين المنتقدين والمؤيدين، لم يخسر التصوف مكانته في المغرب إذ له حظوة بارزة وملكية على مر التاريخ المغربي. ورُوج له كأحد الحلول لمحاربة الفكر المتطرف.

تتوفر في المغرب العديد من الزوايا، تمتد من شمال المغرب إلى جنوبه، إضافة إلى طرق صوفية عديدة، "الترا صوت" يقدم لمحة عن تاريخ التصوف بالمغرب وبعض الزوايا الأكثر مكانة وشهرة، والتي امتد صيتها إلى البقاع العالم.

اقرأ/ي أيضًا:  أضرحة الأولياء الصالحين.. ثقافة مترسخة في المغرب

التصوف المغربي.. تاريخ عتيق

تاريخ التصوف بالمغرب يعود بنا إلى القرن الحادي عشر. وكانت السلطات المغربية، عبر مختلف الحقب التاريخية، لا تتردد في تقديم الدعم المادي والمعنوي للزوايا أو للتيار الصوفي عمومًا. وفي هذه الزوايا كان يُدعى لمقاومة الاستعمار أيضًا، وكانت الممارسة الصوفية، الشكل السائد للتدين في المجتمع المغربي لفترات طويلة.

وتوجد في المغرب العشرات بل المئات من الزوايا، إذ لا نبالغ عند القول إن في كل مدينة مغربية توجد زاوية أو أكثر. تشتهر في المدن والضواحي العديد من الطرق الصوفية، لكن أهمها تبقى منحصرة بالزوايا التيجانية بفاس، العاصمة الروحية للمملكة، والزوايا البودشيشية، التي تعتبر بلدة مداغ، شمال شرق المغرب، بالقرب من الحدود الجزائرية المغربية، مقرًا لها. فضلاً عن زوايا أخرى مثل الريسونية، والعلوية، الكتانية، الركراكية وغيرها من الزوايا.

وتعد أدوار زوايا الصوفية كثيرة، فمنها الاجتماعي والديني، لكن عبر التاريخ يبقى الدور السياسي للزوايا الصوفية أساسيًا، فهي تسعى لتثبيت سلطة الدولة والنظام الحاكم، وهذا ما يفسر دعم ومساعدات الدولة للزوايا.

يقول الباحث المغربي محمد سبيلا: "كانت الزاوية الصوفية دائمًا حاضرة في المجتمع التقليدي بالمغرب وتلعب دورًا كبيرًا إذ تمثل سلطة دينية وأخلاقية ومرجعية تأطيرية تسهم في حل المشاكل وتأطير النخب المحلية وتوجيهها، كما تلعب إلى حد ما بعض الأدوار السياسية في دعم السلطة المركزية إلى غير ذلك من الوظائف" تقول السلطات المغربية اليوم إنها تعول على الزوايا الصوفية لنشر "الإسلام المتسامح" والحد من التطرف الديني.

تقول السلطات المغربية اليوم إنها تعول على الزوايا الصوفية لنشر "الإسلام المتسامح" والحد من التطرف الديني

اقرأ/ي أيضًا: الصوفية في تونس.. رقم بلا معنى؟

الطريقة القادرية البودشيشية

من أهم الطرق الصوفية في المغرب، الطريقة القادرية البودشيشية أو الزاوية البودشيشية، تعتبر الأكثر حضورًا وقوة في المشهد الصوفي بالمغرب. نشأت هذه الطريقة، في القرن الخامس الهجري، وهي تنتسب للشيخ عبد القادر الجيلاني، يُسمى مريدو هذه الطريقة بـ"الفقراء"، لسمة التواضع والزهد لديهم.

يقول أحد المريدين لـ"لترا صوت": "من بين مميزات هذه الطريقة، أنها تمنح صفاء وتوازنًا روحيًا. كما أنه يمكن أن نختصر فلسفة الزاوية القادرية البودشيشية بعبارة الشيخ مولاي جمال الدين القادري بودشيش، الطريقة هي تربية محمدية بأساليب وقتية".

ويتابع المريد أو "الفقير"، كما يناديه أتباع هذه الزاوية: "الأذكار التي نلتزم بها صباحًا ومساء، تعطينا نوعاً من التوازن، الطريقة تدعونا إلى التحلي بالأخلاق والتسامح مع مختلف المعتقدات". ويستطرد قائلاً: "الصوفي هو ابن زمنه، يعيش عصره بمتطلبات روح العصر لكن بتوازن روحي".  

تؤمن البودشيشية، كغيرها من الطرق المنتسبة للتصوف، بأهمية الشيخ المربي. إذ يزوره المريدون من شتى البقاع  للتبرك به، عبر رؤيته وأحيانًا لمسه، والبعض منهم يتأثر كثيرًا لمجرد مشاهدته. والأذكار التي يلتزمون بها صباحًا ومساء، يقولون أن أصلها من عند الرسول محمد، توارثها شيخ عن شيخ بعده.

وتشتهر الطريقة، التي يوجد مقرها في قرية مداغ، شمال شرق المغرب، بتنظيم لقاءين سنويين يحضرهما مئات الآلاف من الأشخاص، الأول ليلة 27 من شهر رمضان، التي يعتقد الكثير من المسلمين أنها ليلة القدر، وثانيهما في ذكرى مولد الرسول.

ويذكر أن للبودشيشية مريدين من مختلف مدن المغرب وأيضًا من بقاع العالم، فضلاً على أن الطريقة البودشيشية ومريديها يحترمون الوصية التي يكتبها الشيخ، والتي تحدد الشيخ المقبل الذي سيخلفه، للحد من الخلافات التي من المحتمل أن تكون مستقبلًا وسط "الفقراء" حول الشيخ المربي.

كما أن الطريقة البودشيشية تشتهر أيضًا بالملتقى العالمي للتصوف الذي يرأسه العاهل المغربي، وهو عبارة عن جلسات علمية يحضرها باحثون وعلماء من مختلف بقاع العالم، لمناقشة مواضيع آنية دينية، ويعتبر مدير الملتقى "مولاي منير القادري بودشيش"  الخليفة المقبل للشيخ الحالي.

من أهم الطرق الصوفية في المغرب، الطريقة القادرية البودشيشية وتعتبر الأكثر حضورًا في المشهد الصوفي

الطريقة التيجانية

تعتبر الطريقة التيجانية أيضًا من أهم الزوايا بالمغرب، وكانت محل نقاش وخلاف بين الجزائر والمغرب ولو بشكل غير رسمي. وفي كل سنة يحج مريدو هذه الطريقة، في ذكرى وفاة  مؤسس الطريقة الشيخ سيدي أحمد التيجاني، إلى مدينة فاس. وتضم الطريقة التيجانية الملايين من الأتباع عبر العالم.

وتشهد مدينة فاس المغربية كل سنة، تجمع أكثر من ألف من أتباع الطريقة التيجانية الصوفية، يأتون من بقاع القارة أفريقيا خصوصاً. وتضم فاس، العاصمة الروحية للمغرب كما تسمى، مقام الشيخ سيدي أحمد التيجاني مؤسس هذه الطريقة الصوفية في القرن الثامن عشر. وتعد التيجانية من أهم الطرق تأثيرًا خصوصًا في السنغال، التي تضم العديد من المدن التي تعد مقدسة لدى أتباع هذه الطريقة.

ومؤسس هذه الطريقة هو الشيخ سيدي أحمد التيجاني، المولود في عين ماض بالجزائر حيث عاش وتربى قبل أن يبدأ رحلته العلمية الدينية. وقد استقر بفاس بالمغرب فيما بعد. وهنا بدأ الصراع بين الجزائر والمغرب حول شرعية احتضان التيجانية كطريقة. وفي ظل تواصل الخلاف يختار المريدون بين زيارة المغرب والجزائر، مكان الوفاة أو الولادة،  للتبرك بشيخ طريقتهم.

علمًا وأن عديد الانتقادات توجه للطرق الصوفية، فالبعض يرى أن التصوف هو عبارة عن شرك وبدع، والمسلمون لا يحتاجون إلى وسيط بينهم وبين الخالق، وأن بعض الممارسات المتصوفة لا تعبر عن روح التصوف أصلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التراث الصوفي وتجديد الخطاب الديني

السيدة زينب.. سند المكسورين وبراح من ضلَّ السبيل