07-مايو-2019

من مسيرات السترات السوداء لأطباء المغرب (صحف مغربية)

ما فتئت نيران غضب الأساتذة تخمد نسبيًا في المغرب، بعد الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، حتى أعلن الأطباء تمردهم على الحكومة، بتقديمهم استقالات جماعية من العمل بمختلف مستشفيات المملكة، وصل عددها إلى 995 استقالة من أصل 10 آلاف طبيب، احتجاجًا على ما وصفوه بـ"الوضعية المتأزمة للقطاع الصحي"، وأيضًا عدم استجابة الحكومة لملفهم المطلبي.

قدم 995 طبيبًا من أصل 10 آلاف طبيب في القطاع العام في المغرب، استقالتهم احتجاجًا على ما وصفوه بالوضعية المتأزمة للقطاع الصحي

ويمنع القانون المغربي استقالة الأطباء حتى إكمالهم لثماني سنوات من الخدمة بعد حصولهم على الدكتوراه في الطب، وذلك في حالة وجود مانع قانوني. ويشترط القانون أن يرجع الطبيب المصاريف التي استفاد منها طوال فترة تكوينه العلمي، إلى الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: الصحة في المغرب.. تراكم الإهمال وهدر الإنسان

وأعلن الأطباء التمرد بسبب كونهم ضحية سوء الخدمات الطبية المقدمة، كونهم يتلقون اللوم من المواطنين على ذلك، في حين لا توفر وزارة الصحة التجهيزات اللازمة للمشافي العمومية، كما لا توفر للطبيب أجواءً ملائمة لأداء مهامة بالطريقة الأفضل.

وقال مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، في تصريح عقب انعقاد للمجلس الحكومي، إن القانون "لا يتضمن شيئا اسمه الاستقالة الجماعية"، مضيفًا أن "الحكومة تحاول أن تفتح حوارًا مع قطاع الصحة، من المنتظر أن يفضي بنتائج إيجابية".

مسيرة الحداد

في العاصمة الرباط، خرج الأسبوع الماضي الآلاف من الأطباء في مسيرة "حداد"، ارتدوا فيها سترات سوداء عوضًا عن البيضاء، معلنين بذلك دخولهم مرحلة الغضب من سياسة الحكومة، التي قالوا إنها تجاهلت عددًا من الاستقالات المقدمة و"استهترت" بحقوقهم، ولتحملها مسؤولية انهيار قطاع الصحة في المستشفيات العامة.

ورفع الأطباء الغاضبون مطالبهم على شكل شعارات رُددت أمام البرلمان، يبسطون من خلالها للحكومة مطالب منها الاعتراف بدكتوراه الطب كدكتوراه دولة، وتحسين الظروف المادية، والشروط العلمية للأطباء في المستشفيات العمومية، وتوفير الإمكانات الطبية للمؤسسات الاستشفائية، حتى لا يبقى الطبيب في مواجهة مع المريض، الأمر الذي يعرضه لحالات اعتداء أثناء مزاولته عمله.

وقالت النقابة المستقلة لأطباء قطاع العام في بيان حصل "الترا صوت" على نسخة منه، إن "الوضع الصحي المتأزم، والاختلالات العميقة، التي تعرفها المنظومة الصحية، وما آلت إليه أوضاع المؤسسات الصحية، من ندرة الموارد البشرية، وقلة التجهيزات البيوطبية، ومشاكل التعقيم، والأدوية، يدفع المئات من الأطـر الطبيـة إلى تقديم استقالاتهم، هروبًا من دخول المنظومة الصحية برمتها حالة الانهيار، وفي مقدمتها المستشفى العمومي، الذي يعيش أيامه الأخيرة إن لم تتداركه إرادة فعلية لإنقاذه".

وقال منتظر العلوي، الكاتب العام للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، في تصريحه لـ"الترا صوت"، إن النقابة تطالب من الحكومة تمكين الأطباء من الرقم الاستدلالي 509 بكامل تعويضاته، وإضافة درجتين فوق درجة خارج الإطار، وتحسين ظروف اشتغال العاملين في القطاع الصحي العمومي، وكذا صرف مستحقات التعويض عن الحراسة، والخدمة الإلزامية والتعويضات عن المسؤولية.

وأوضح العلوي أنه رغم الاستقالات التي تقدم بها الأطباء في عدد كبير من المدن المغربية، إلا أنهم ظلوا يزاولون مهامهم، إلى حين البت في مطالبهم المقدمة لوزارة الصحة، ومنها عدم السماح لطلبة الكليات الخاصة للطب باجتياز المباراة مع خريجي الكليات العمومية.

أطباء التعاقد!

رغم تجاهل الحكومة للاستقالات التي قدمها الأطباء، إلا أن وزير الصحة أنس الدكالي، أبدى رغبته في اعتماد نظام التعاقد لحل أزمة الاستقالات التي يتقدم بها الأطباء، وذلك خلاله جوابه على أسئلة البرلمانيين بمجلس المستشارين، إذ قال: "يجب البحث عن حلول مبتكرة بخصوص غياب الأطباء والاستقالات، وأنا أفكر في هذه المسألة".

أطباء المغرب
مسيرة احتجاجية للأطباء بالسترات السوداء

الدكالي اعتبر أن نظام التعاقد يفضله الطبيب لأنه "يعطيه حق العمل مع الجماعة الترابية عوض وزارة الصحة، ويسمح لهم بالعمل لمدة سنة أو ستة أشهر ثم يغادر لاجتياز مباراة التخصص".

لكن اقتراح الوزير أجج غضب الأطباء، إذ اعتبر الكاتب الوطني لنقابة أطباء القطاع العام في حديثه لـ"الترا صوت"، أن الحل المقدم من طرف الوزير "سيزيد من تأزيم الوضع في قطاع الصحة"، ووصفه بأنه "لعب بحياة الطبيب سنة أو سنتين وبعدها تفرض عليه المغادرة بحجة أن العقد انتهى"، مشيرًا إلى أن شغور مكان الطبيب في أحد المستشفيات في انتظار تعويضه، يعرض حياة المواطن إلى خطر، خصوصًا في المناطق النائية.

عزوف الأطباء

أزمات قطاع الصحة لم تنته في المغرب باستقالة الأطباء، بل تجاوزت ذلك حين قرر الطلبة مقاطعة اجتياز مباراة ثانية لتوظيف 247 طبيبة وطبيبًا من الدرجة الأولى، لسد النقص الكبير بالمستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات بالمناطق النائية، إذ لم يلتحق بالمباراة سوى أقل من 50 طبيبًا بالمندوبيات الإقليمية للصحة.

واعتبر الأطباء حديثو التخرج أن قطاع الصحة العمومي لم يعد مغريًا للأطباء الشباب حديثي التخرج من كليات الطب والصيدلة، وذلك بسبب تتبعهم اليومي لمعاناة الأطباء وجراحي الأسنان والصيادلة بالمستشفيات والمراكز الصحية القروية، والظروف المهينة، والتي يمارس فيها الطبيب العمومي مهنته لعلاج المرضى.

استكمالًا لأزمة قطاع الصحة، قرر طلبة الطب مقاطعة اجتياز مبارة ثانية لتوظيف 247 منهم، إذ لم يلتحق سوى 50 طبيبًا فقط

وعلى الرغم من أن الوزير أكد على أن الوزارة رفعت من مناصب الأطباء المقيمين والداخليين، وكذا مناصب الأطر شبه الطبية، للتخفيف من الاكتظاظ والضغط بالمستشفيات والمراكز الصحية، إلا أن الأطباء قرروا عدم الاستجابة للوزارة لولوج القطاع العمومي، وعدم قبول البعض الآخر العمل بالمناطق القروية، مما دفع الوزارة إلى التفكير في استقطاب أطباء من بلدان أخرى والتعاقد معهم لسد الخصاص.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المغرب.. طلبة الطب ينتفضون ضد "الخدمة الإجبارية"

أنت في المغرب؟ إياك أن تمرض!