07-أغسطس-2016

الطاهر وطار

تمرّ هذه الأيام الذكرى الجديدة لرحيل الطاهر وطار (1936-2010) وأرى أنه يجب أن نعيد قراءته، باعتباره تجربة أدبية وجمعوية وسياسية غير بسيطة، شريطة أن يحملنا غيابُه على أن نفعل ذلك بحرية، لا بحقدٍ أو تقديسٍ، فالرجل عاش ومات، وهو إما ملاك في نظر البعض، وإما شيطان في نظر آخرين، وهو مقام مدعاة للنقاش والتحليل في حدّ ذاته.

إن الظاهرة الوطّارية وليدة طفولة الاستقلال الوطني، واستطاعت، رغم هزّاتٍ كثيرة، أن تمتدّ فيه

إن الظاهرة الوطّارية وليدة طفولة الاستقلال الوطني، واستطاعت، رغم هزّاتٍ كثيرة، أن تمتدّ فيه، فما الذي توفّر فيها حتى حظيت بذاك الامتداد، في ظل اختفاء أسماء أخرى ذات شأن، أو كانت مؤهلة لأن تكون كذلك؟ ما هي حدود الأدب والسياسة فيها؟ كيف نقرأ الجرأة التي تميزت بها نصوصه ومواقفه المعلنة وغير المعلنة، في ظل نظام بوليسي، كان لا يتسامح مع هذا النوع من الجرأة؟ لماذا عمل الرجل على جمع النخبة الجزائرية، بكل وجوهها وجهاتها واتجاهاتها، في "الجمعية الثقافية الجاحظية"، بالتزامن مع بداية التعددية السياسية في البلاد نهاية ثمانينيات القرن العشرين، ثم فعل العكس، فعمل على تشتيتها، أو سكت على ذلك على الأقل، حتى بقي في الجمعية "وحده" حتى وإن كثرت الوجوه حوله؟

اقرأ/ي أيضًا: سليم بركات.. غنى أم بذخ لغوي؟

لماذا لم يعمل، أثناء مرحلة مرضه الذي أدى إلى وفاته، على أن يُهيئ لنخبة جيدة وجادة تخلفه في الجمعية التي تعدّ عميدة الجمعيات الثقافية الجزائرية، فكان ذلك مقدّمة لأن تخلفه وجوه أقل ما يُقال عنها إنها ليست في مستوى صوته وسمته؟ هل كان التطاحن الحاد الذي كان يباشره في الجرائد الوطنية مع رشيد بوجدرة بداية كل صيف حقيقيًا، بغضّ النظر عن قاموسه، أم كان مفتعلًا ومتفقًا عليه مسبقًا، للتعمية على الأسماء والأفكار الجديدة؟

ما هي حدود الصدق والافتعال في مواقفه من الإسلاميين، وهو اليساري كاتب "اللاز"؟ في المقابل، ما هي حدود القناعة والخوف من الإرهابيين، حتى لا نسمّيه مجاملة لهم، في اعتباره اغتيال بعض الكتّاب الجزائريين باللغة الفرنسية خسارة لفرنسا لا للجزائر؟

إلى أي مدىً تصلح تجربة الطاهر وطار لأن تكون نموذجًا حيًّا لدراسة إشكالية "المثقف والسلطة" في الجزائر؟

اقرأ/ي أيضًا: سالغاري والقرصان الأسود

إلى أي مدىً تصلح تجربته لأن تكون نموذجًا حيًّا لدراسة إشكالية "المثقف والسلطة" في الجزائر؟ فالرجل كان مراقبًا وطنيًا في الحزب الحاكم، ثم مديرًا عامًا للإذاعة الناطقة باسم النظام، بالموازاة مع نشره رواياتٍ تضرب بنية هذا النظام في الصميم، مثل رواية "الحوات والقصر"؟ إلى أي مدى كان رحيله مؤشرًا على بداية مرحلة جديدة في المشهد الأدبي الجزائري؟ وإلى أي مدى علينا أن نقرّ بأن منسوب الجدل والنقاش والاستفزاز المؤدي إلى النقاش، قد تراجع فعلًا بعد رحيله؟ 

إن مسحًا لمتونه السردية، وحواراته التي أجراها في الصحافة الوطنية والأجنبية، يجعلنا ندرك أن الرجل كان يملك قدرة مثيرة على استشراف أمور لا يتأتى استشرافها إلا لذوي العيون غير الحافية، ومنها الربيع العربي القائم أو القاعد، نجد ذلك مثلًا في حوار أجراه معه محمد بن تريعة في يومية "المساء" عام 2007، فهل يتوفر مشهدنا الأدبي اليوم على هذا النوع من الكتّاب؟ أخبرني يا عمّي الطاهر.. متى تموت؟

اقرأ/ي أيضًا:

عبد الله محمود عدوي.. توابل البرامج التلفزيونية

جلوريا فورينتس.. 99 عامًا من الطفولة