20-نوفمبر-2015

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع الرئيس الروسي بوتين (Getty)

يقول أول رئيس للهيئة المصرية للطاقة الذرية، الدكتور عزت عبد العزيز، في لقاء حصري لـ"ألترا صوت"، إن أولى محاولات مصر لدخول عالم القوى النووية كانت "في بداية حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث وقع الاختيار على بقعة أرض في منطقة برج العرب شمال مصر، بغرض إنشاء مفاعل نووي تعليمي، ولكن المشروع توقف بسبب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956".

في 1983 طرحت مصر مناقصة لاستكمال العمل على المحطة النووية، لكن توقف المشروع بعدها بسبب تبريرات من جانب مبارك بخوفه من حدوث انفجار في المفاعل

وفي عام 1957 قررت إدارة عبد الناصر إنشاء مؤسسة الطاقة الذرية، وذهبت نحو اشتراك مصر عضوًا مؤسسًا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحصلت في العام نفسه على معمل للنظائر المشعة من الدانمارك، بينما في عام 1961، تم توقيع اتفاق تعاون نووي مع المعهد النرويجي للطاقة الذرية، وبدأ تشغيل المفاعل النووي البحثي الأول في مصر، وافتتحه عبد الناصر في أنشاص في محافظة الشرقية. ويعد مفاعل أنشاص النووي، مفاعلًا مجمعًا متعدد الأغراض، بُني وأُسس هندسيًا بواسطة شركة INVAP النرويجية، ويعمل المفاعل بالماء الخفيف، وتوقف العمل فيه على الأبحاث العلمية النووية عام 1986، بعد حادثة انفجار مفاعل تشرنوبل في أوكرانيا.

وفي 1964، طرحت مصر مناقصة لتوريد محطة نووية لتوليد الكهرباء، في منطقة سيدي كرير بقدرة مائة وخمسين ميغاوات، وتحلية مياه البحر بمعدل عشرين ألف متر مكعب في اليوم، بتكلفة قدرت في ذلك الوقت بثلاثين مليون دولار أمريكي، إلا أن حرب 1967، قادت إلى وقف تنفيذ المشروع.

أما المشهد الأهم في محاولات مصر النووية المستمرة، كان توقيع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية عام 1968، والتصديق عليها بعد ذلك بعام واحد، أعقب ذلك مرحلة توقف للنشاط النووي أدت إلى فقدان مصر الكثير من الخبراء النوويين، بعضهم سافر إلى كندا وآخرون شاركوا في البرنامج النووي العراقي، حديث النشأة آنذاك، هذا دون نسيان أن كثيرين منهم قضوا اغتيالًا خارج مصر، أبرزهم يحيى المشد، الذي كان يعمل خبيرًا نوويًا في العراق وكان مسؤولًا، بحسب أحد زملائه، الدكتور محمد نصر، عن تحديد وتقييم الأجهزة التي يحتاجها الجانب العراقي من الخارج لإنشاء المفاعلات النووية.

يقول الدكتور عزت عبد العزيز، أنه في عام 1975، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تزويد مصر بمفاعلات نووية لأغراض تتعلق بإنتاج الطاقة، وكان الاتفاق مع الإدارة الأمريكية برئاسة ريتشارد نيكسون على إنشاء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء قدرته ستمائة ميغاوات، وتم توقيع اتفاقيات التعاون اللازمة، وكانت الخطة الموضوعة تخضع لاتفاق الضمانات الثلاثية التي وقعتها الولايات المتحدة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومصر، إلا أن المشروع لم يكتمل بعد إضافة الجانب الأمريكي شرطًا يفيد بالتفتيش الأمريكي للمنشآت النووية المصرية، وهو ما اعترض عليه الرئيس أنور السادات وأدى إلى توقف المشروع تمامًا. وفي هذا الصدد، يؤكد عبد العزيز على أن تلك كانت الفرصة المؤكدة الأخيرة لمصر لإنشاء مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء، مشيرًا إلى أن كل الفرص التي تلتها كانت ضعيفة جدًا قياسًا بالعرض الأمريكي.

"الضبعة".. الحلم الرمادي

في عام 1981، وبعد إلحاح من خبراء الطاقة المصريين، أصدر السادات قرارًا جمهوريًا بتخصيص منطقة صحراوية تابعة لمدينة الضبعة بالقرب من مرسى مطروح شمال مصر، بطول خمسة عشر كيلومترًا على ساحل البحر المتوسط وعرض ثلاثة كيلومترات، لتكون موقعًا لإقامة محطة للطاقة النووية في مصر تستخدم في توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، ولكن بعد اغتيال السادات في وقت لاحق من العام توقف المشروع لعامين، وفي 1983 طرحت مصر مناقصة لاستكمال العمل على المحطة، وأيضًا توقف المشروع بعدها بسبب تبريرات من جانب الرئيس المخلوع حسني مبارك غلفها بخوفه من حدوث انفجار في المفاعل مثلما حدث في مفاعل تشرنوبيل في أوكرانيا عام 1986.

عاد الشأن النووي للطفو على السطح في مصر مجددًا عام 1992 إذ تم التوصل إلى اتفاق مع الأرجنتين لتقديم أكثر من مفاعل توليد طاقة بقدرة اثنين وعشرين ميغاوات لمصر، وذلك بعد عامين من عضوية القاهرة في المنظمة العربية لهندسة الطاقة، التي تضم نحو إحدى عشرة دولة، إلى جانب اتفاقيات ثنائية في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية مع ألمانيا والولايات المتحدة وروسيا والهند والصين، واتفاقات أخرى مع بريطانيا والهند لتقديم المساعدة في تدريب كوادر وطنية للبحث العلمي والعمل على المشروعات النووية، التي ظلت محض مقترحات.

ليأتي بعد ذلك بعشر سنوات، إعلان لمبارك عن نيته إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية، خلال فترة ثمانية أعوام، بالتعاون مع كوريا الجنوبية والصين، لكن هذا الإعلان لم تتبعه خطوات فعلية طيلة هذه الأعوام، وفي عام 2007 أعلن مبارك خططًا لإعادة إطلاق برنامج مدني للطاقة النووية، وبناء أربع محطات تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي بدورها وافقت عام 2010 على موقع "الضبعة" لبناء أول محطة للطاقة النووية، ومع ثورة 25 يناير وإسقاط مبارك، اختفى المشروع ثانية، في انتظار عودة أخرى.

ثورة وثلاثة رؤساء.. وحلم الطاقة النووية مستمر

 المفاعلات النووية تستلزم مالا يقل عن عشر سنوات حتى تعمل بكامل طاقتها ويمكن الحصول على طاقة كهربية منها

بعد تولي الرئيس المعزول محمد مرسي رئاسة الجمهورية، وأثناء زيارته إلى محافظة مطروح، أمر بإقامة المحطة النووية على أرض الضبعة، واعدًا بتعويض أهالي المنطقة عن الأرض تعويضًا عادلًا، ولكن لم يكن هذا كافيًا لإقناع الأهالي، فنظموا تظاهرات تطالب برفض المشروع، ما أدى إلى توقف المشروع مرة أخرى.

وبعد انقلاب قيادة الجيش المصري على الرئيس مرسي، وتولي عدلي منصور كرسي الرئاسة مؤقتًا، أعلن منصور عن تدشين مشروع قومي لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء في الضبعة، وتسلمت القوات المسلحة الموقع بالكامل، ولكن لم يحدث أي تقدم في المشروع، من ثم جاء دور رئيس الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي وأعلن البدء في إنشاء المحطة النووية في الضبعة باعتبارها المكان الأنسب للمشروع، ووقع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقية لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء، قبل أن يعلن السيسي منذ أيام قليلة، الاتفاق النهائي مع شركات روسية وإعطاء الضوء الأخضر للبدء في المشروع.

وفي هذا الشأن يصف رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق، الدكتور سامر مخيمر، الإعلان المتكرر عن الخطط النووية في السابق بأنه "ينم عن فقر الحكومات السابقة وعدم قدرتها على حشد حماس الشعب تجاه حلم وأمل قومي باستثناء إعلانات فضفاضة بخصوص المشروعات النووية". ويقول مخيمر، إن "الحديث عن الطاقة النووية كمصدر للكهرباء بعيد تمامًا عن حقيقة الأمر"، معللًا ذلك بأن "الطاقة النووية من أغلى مصادر الكهرباء وأكثرها احتياجًا للوقت والمجهود"، مدللًا بقوله: "المفاعلات النووية تستلزم مالا يقل عن عشر سنوات حتى تعمل بكامل طاقتها ويمكن الحصول على طاقة كهربية منها".

لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن "استغلال الطاقة النووية لن يوفر احتياجات مصر من الكهرباء بعد هذه المدة فحسب، لكنه يرى أن الطاقة النووية كبرنامج متكامل بإمكانها أن تنقل مصر لمصافي الدول المتقدمة، مضيفًا: "الطاقة الناتجة عن المفاعل النووي الواحد من الممكن أن تعادل عشرة أضعاف الكهرباء المتولدة من السد العالي، فبالتالي ستكون الطاقة النووية حلًا لتطوير كل الصناعات التي تستلزم وفرة في الطاقة الكهربائية".

اقرأ/ي أيضًا: 

من ينظم انهيار السيسي؟

25 رسالة من أجل "راجعين يوم 25"