19-فبراير-2018

غلاف الكتاب

يُلقي كتاب "الطاعون في العصر الأمويّ: صفحات مجهولة من تاريخ الخلافة الأمويّة" (المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2018) للباحث المصريّ أحمد العدوي؛ الضوء على حدثٍ تاريخيٍّ لم يحظ كثيرًا باهتمامات الباحثين والمؤرّخين العرب، وهو وباء الطاعون الذي انتشرت موجاته في عهد الخلافة الأمويّة، وشملت مساحاتٍ واسعة من الدولة، ضمّت العراق والشام وأجزاء واسعة من شمال القارّة الأفريقيّة. ويذكر المؤلّف أنّ تلك الموجات كانت كارثيّة على كافة الأصعدة، سياسيّة واجتماعيّة، حيث كان لطاعون مُسلم بن قتيبة دورًا كبيرًا في إنهاء عهد الأمويين.

من عهد معاوية بن أبي سفيان إلى عهد مروان بن محمد، شهدت الدولة الأموية نحو 20 طاعونًا

يتّخذ أحمد العدوي من دراسة آثار الطاعون في الأوضاع الديموغرافيّة في ذلك العصر، وانعكاساتها الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة؛ سبيلًا لتبيان آثاره على الدولة الأمويّة. بالإضافة إلى استعراضه في الفصل الأوّل من الكتاب "الطاعون وعالم العصور الوسطى"، لمكانته وقدرته على التأثير في حياة الناس في العصر الوسيط. مقدّمًا في الوقت نفسه نبذةً عن هذا الوباء، وشارحًا أيضًا الأسباب التي وقفت خلف فتكه بالناس بتلك الطريقة المأساوية التي تناولتها المصادر القديمة.

اقرأ/ي أيضًا: فالح عبد الجبّار.. دولة فاشلة في الدولة الفاشلة

كما يتحدّث المؤلّف أحمد العدوي بإسهاب عن احتلال الطاعون لمكانة مهمّة في التراث العربيّ الإسلاميّ، وذلك انطلاقًا من كونه أثار العديد من التساؤلات الدينيّة والفلسفيّة العميقة بوصفه كارثة إنسانيّة كبرى. وتعدّت تلك التساؤلات بحسب العدوي النطاق الضيق للطب والمرض والوقاية، مقدّمًا أمثلة حول ما إذا كان هذا الوباء يُصيب الناس بلا تمييز؟ أو أنّه أيضًا من الممكن أن يكون ذلك الوباء بمثابة عقابًا جماعيًا من الله للبشر على خطاياهم؟ وهل ثمّة عدوى؟ وشكّل هذا السؤال الأخير تعقيدات شرعيّة كبيرة ناجمة عن التقاطع الذي حدث بعد أن صار الطاعون مبحثًا علميًا في حقول الحديث والفقه والفلسفة والتاريخ.

يقدّم أحمد العدوي في الفصل الثاني "فورات الطواعين في العصر الأموي" إحصاءً لعدد الطواعين التي وقعت في عصر بني أميّة، ضابطًا تعاقبها الزمني من أجل دراسة موسّعة لآثارها. ومستعرضًا أيضًا أخبار تلك الطواعين في صدر الإسلام عند الرواة والمؤرّخين، مُخضعًا إشكالاتها العديدة، وأبرزها اضطراب الرواة في إحصاء الطواعين في العصر الأموي والخلط بينها، بالإضافة إلى الاضطراب في التأريخ لها على نحو دقيق؛ إلى مناقشة جدّية. كما يتضمن الفصل أيضًا تقويمًا إحصائيًا لتلك الفورات في عصر بني أمية، بدءًا من عهد معاوية بن أبي سفيان إلى عهد مروان بن محمد، حيث شهدت تلك الفترة بحسب المؤلّف نحو 20 طاعونًا.

كان للطاعون دور في حسم عدّة معارك مع العباسيين، وتسريعه لسقوط دولة الأمويين

في الفصل الثالث "الآثار الديموغرافية للطواعين وانعكاساتها على المجتمع والدولة في العصر"، يناقش أحمد العدوي ما تسبب به الطاعون من كوارث ديموغرافية كان لها انعكاساتٍ سياسيّة لاحقة. ويشير المؤلّف إلى عزوف خلفاء بني أميّة عن الإقامة في دمشق نظرًا لتوالي فورات الطاعون على المدينة، واتقاءً للوباء أيضًا. ويرى في خاتمة كتابه أنّ الطاعون يعد مفتاحًا لفهم تراجع ثقل دمشق، عاصمة الخلافة في العصر الأموي، وتفسير سلوك خلفاء بني أميَّة الرامي إلى هجرها والنأي عنها.

اقرأ/ي أيضًا: ميشيل فوكو.. المنظور الفلسفي للسلطة

كما كان للطاعون أيضًا دور في حسم عدّة معارك، وتسريعه لسقوط دولة الأمويين بعد استغلال العباسيين لإصابة الشام والعراق بطاعونين كبيرين لإعلان ثورتهم التي أطاحت بالدولة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كتاب "ثمن الحضارة".. تشخيص وعلاج لمريض اسمه أمريكا

جاك دريدا.. مراثي النقّاد