19-يناير-2017

مجند في الجيش السوري (Getty)

لم يعرف السوريون بمجموعهم حق المعرفة. وطنهم الجديد بعد الأربعينات كما اختار لهم الاستعماريْن الأمريكي والسوفيتي أن يكون، لم ينسجموا فيه بعيدًا عن وطنهم الشامي الأول، وطنهم الأصلي، هذا حال الغالبية، أما حال الأقليتين، العلَوية والكردية، فكانت على نحو أسوأ، العلويون ظلوا مسجونين في جبالهم، ولم يغادروها خوفًا من السنة، حتى بعد ثورة الشيخ صالح العلي. تأخر خروجهم من سجنهم التاريخي الممتد 5 قرون حتى تكوين جيش المشرق، ومن بعده بعقدين ونصف الحكم الوطني.

لقد ظل العلويون منفيين داخل شرنقتهم التاريخية التي وضعهم فيها قسرًا أعداءهم التاريخيين رغم دخولهم الجغرافيا السورية الجديدة، ولم يحوزوا الاعتراف من السنة السوريين، وبقيت النظرة إليهم كمجموعة مارقة أو من مستوى أدنى طبقيًا.

لقد ظل العلويون منفيين داخل شرنقتهم التاريخية التي وضعهم فيها قسرًا أعداءهم التاريخيين رغم دخولهم الجغرافيا السورية الجديدة

لقد فرض الحكم العثماني على العلويين - كما الأقليات الأخرى إسلامية ومسيحية ويهودية - نوعًا غريبًا من الثياب، يميزهم بها سائر المسلمين عنهم، وهو ما جعل هؤلاء الأقليات محاصرين في "جيتوات" نفسية داخل المجتمع الإسلامي.

اقرأ/ي أيضًا: "BBC".. ببغاء الثورات المضادة

صحيح أنهم عاشوا في مدن المسلمين، وشاركوهم التجارة والتعاملات المدنية، لكنهم بقوا في ظل نظرة الآخرين التميزية؛ ظلوا محكومين بنظرتهم هم عن أنفسهم، نظرة محتواها الشعور بالدونية، والانكشاف الوجودي، وهي حالة يشعر فيها الإنسان أنه لا سند له أو ظهر، وأنه مباح الكرامة، وعارِ من أي قيمة لدى الآخر، وأن كلًا من وجوده أو ماله أو عرضه مستباح.

لم يكشف أحد من مفكري وكتاب الثورة على نحو حاسم وواضح أن الدول الصناعية الكبرى تدعم الأنظمة الديكتاتورية الشرق أوسطية، كما أنها تدعم الأقليات، سواء كانت مضطهدة أو في الحكم؛ في سورية اجتمع الأمران معًا، أي أن النظام الحاكم إضافة لكونه نظام ديكتاتوري، فهو أيضًا نظام يعتمد على احتواء أقلية مذهبية، وقبولها به، وهو ما عقّد القضية السورية، وجعل نظام الحكم فيها أبدي.

في سورية اجتمع الأمران معًا، النظام الحاكم إضافة لكونه نظام ديكتاتوري، فهو أيضًا نظام يعتمد على احتواء أقلية مذهبية

حيث توفر له من الدعم والرعاية الغربية ما لم يتوفر لأي نظام في الشرق الأوسط سوى النظام الإسرائيلي. بل يخال لكثير من السوريين أن هذا النظام الذي حكمهم لأربعة عقود متتالية نال الحماية والدلال، ما لم يحظ به نظام آخر في العالم الثالث حتى إسرائيل، فلو أن إسرائيل فعلت بالفلسطينيين ربع مافعله نظام الأسد، لتم ردعها ومنعها من الإيغال في القتل والتدمير.

مشكلة المعارضة والثوار ومؤيديهم أنهم أخذوا موقفًا من العلَويين، باعتبارهم طائفة معارضة للسنة والإسلام الرسمي، وليس باعتبارهم طائفة مؤيدة للنظام أو باعتبارهم الطائفة الحاكمة. هذا لو اعتبرنا هذا الأمر صحيح.

يبدو ذلك الموقف أو التمييز غير السياسي، في أدبيات الفيسبوك الثوري، كما يبدو في خطاب اليوتيوب للمعارضة العسكرية ذات النفَس الإسلامي، وكذلك في مقالات صحفيين وكتاب في مواقع شهيرة كـ الأورينت، وكلنا شركاء، وزمان الوصل، وكذلك في تلفزيون الأورينت.

اقرأ/ي أيضًا: سنة طويلة في "سوريا الأسد"

الوضع المعقد والمأساوي للشعب السوري يكشف عن شعب طائفي، ليس لأننا نندرج بحكم الولادة ضمن طوائف ومذاهب، بل لأننا ضحية هذه الإنتماءات بحكم الواقع، فوجود طوائف في تاريخنا في حالة اشتباك عسكري أو فكري، جعلنا ننظر إلى بعضنا البعض من هذه الخلفية: الاشتباك والصراع.

الوضع المعقد للشعب السوري يكشف عن شعب طائفي، ليس لأننا نندرج ضمن طوائف ومذاهب، بل لأننا ضحية هذه الإنتماءات بحكم الواقع

لا شك أن أسباب الاشتباك تعود إلى تحريض النظام السياسي العباسي والعثماني والفرنسي والأسدي لهذه الطوائف على بعضها البعض، وعدم منحها أي فرصة للراحة أو الهدوء أو السلام فيما بينها.

فصراع الطوائف على أنواعه هو ضرورة أساسية للنظام السياسي كي يستمر في الحكم لفترة طويلة. ولكي يمارس جميع أنواع الفساد بحرية، ودون مساءلة من الجماهير، فتنتفي المعارضة السياسية، وحين توجد يحولها النظام إلى معارضة طائفية، لأجل هذا الأمر كان التنوع الطائفي كارثة على الشعب السوري منذ قرون طويلة.

وفي مجتمع مشتبك طائفيًا، لا يمكن وجود معارضة سياسية قوية، لأن المجتمع الطائفي يحتاج إلى وقت طويل يتحول فيه من مجتمع مجموع طوائف إلى مجتمع وطن. وفي حال تجرأ هذا المجتمع على الثورة ضد النظام السياسي فسيحكم على نفسه بالفناء للأسباب السابقة، بحيث أن الفاعلية الثورية ستبنى على خلفيات طائفية في العمق وإن كان ظاهرها سياسي أو إنساني كشعارات حرية عدالة كرامة مساواة.



اقرأ/ي أيضًا:

يسار الأسد والوقوف على يساره

المنخرطون في ما يخافونه