24-أغسطس-2017

من أتباع الطريقة الكركرية (فيسبوك)

لم يعش الجزائريون صيفًا مشحونًا بالقضايا، التي أثارت النقاش بينهم، وفرّقتهم بين موالٍ لإحداها ورافض لها حدّ الحرب الكلامية، في الواقع وعلى موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الذي بات يملك سلطة أكبر من سلطة الواقع، مثل صيف 2017.

ربط قطاع واسع من الجزائريين ظهور الطريقة الكركرية بالفرق الضالّة والمنحرفة عن الدين الإسلامي والسنّة النبوية

اقرأ/ي أيضًا: صاحبة أعلى معدل في البكالوريا تشترط محرمًا وتثير جدلًا في الجزائر

فمن قضية المرأة الحامل التي ماتت، وهي تضع صغيرتها في سيّارة زوجها، بسبب رفض المستشفيات استقبالها، إلى الحرائق المفتعلة للغابات، إلى ظهور الفرقة الأحمدية ومطاردة الشّرطة لها، إلى إعلان الروائي رشيد بوجدرة لإلحاده، إلى إقالة وزير السّياحة يومين بعد تعيينه، إلى تهجير الأفارقة القادمين بطريقة لا نظامية، إلى الصراع بين رجل الأعمال علي حدّاد والوزير الأوّل عبد المجيد تبّون، ثم إقالته بعد 79 يومًا من تعيينه، إلى صاحبة أعلى معدّل في البكالوريا، التي اشترطت محرمًا في الرّحلة التي خصّتها بها الحكومة، ووصولًا إلى طائفة صوفية تسمّى الكركرية.

مع مطلع الأسبوع الجاري، لم يعد للجزائريين من حديث، في مجالسهم وفي "فيسبوك"، إلا الحديث عن هذه الفرقة ذات الألبسة المزركشة والألوان الشّبيهة بقوس قزح، والاسم الغريب. فالفعل "كَرْكَرَ" في القاموس الشّعبي الجزائري يعني جرَّ الشيء. بينما يعني في أدبيات الطائفة، الانتسابَ إلى شيخها المغربي محمد فوزي الكركري المولود عام 1974، ويعرف اختصارًا بالكركري. وقد خلف عمّه الحسن في قيادة الطريقة والزاوية الكركرية عام 2007.

 

الطريقة الكركرية منبثقة عن الطريقة العلوية، التي توجد مشيختها العامّة في مدينة مستغانم

ولأنّ الطريقة الكركرية منبثقة عن الطريقة العلوية، التي توجد مشيختها العامّة في مدينة مستغانم، 400 كيلومتر إلى الغرب من الجزائر العاصمة، فإن معظم أتباعها الجزائريين من هذه المدينة. ومنها ظهروا على الرّأي العام فجأة بداية الأسبوع الجاري، بألبستهم المزركشة الشبيهة بما يرتديه المهرّجون في المسرح، ولحاهم الطويلة والسّبحة الأفريقية الممتدّة حول الأعناق.

تقوم أدبيات الطائفة، بحسب العديد من المصادر المتخصّصة في الطرق الصّوفية، ومنها كتاب شيخ الطريقة الجديد "المحجّة البيضاء"، على "الخلوة"، وهي "لزوم قبر الحياة والسّفر إلى عالم المعنى"، و"الوِرد" وهو "سريان نوراني ممتدّ من قلب الشّيخ إلى قلب المريد" كما يصفون، و"الحضرة" وهي "رمز القلب الجامع للمظاهر الكونية والحقائق الإنسانية"، و"السّبحة" وهي "هوية اسم الذات وإشارة تنزيه المعبود"، و"الاسم الأعظم" وهو "أصل الأسماء وأسّ المعاني"، و"السّرّ" وهو "لطيفة الرّحمة الإلهية البكر"، و"المرقّعة" وهي "مظهر التستّر بالجمال الذاتي الباطن، والمتجلي بألوان القوس العلوي"، في إشارة إلى اللباس المزركش.

 

 

ورغم أن الجزائر من أكثر الدّول الإسلامية المحتضنة للطرق الصوفية، حتى أنها تحتضن المقرّ العالمي للعديد منها، مثل الطريقة التيجانية والطريقة العلوية، التي انبثقت منها الطريقة الكركرية، إلا أن قطاعًا واسعًا من الجزائريين تعامل مع ظهور الطريقة الكركرية على أنه آني وليس سابقًا، وربطها مباشرة بالفرق الضالّة والمنحرفة عن الدين الإسلامي والسنّة النبوية.

اقرأ/ي أيضًا: الطرق الصوفية.. محل استغلال سياسي جزائريًا

يقول سمير سوكو: إن "الكركرية طائفة صوفية ضالّة يجعلون من قبلتهم شيخهم، والعلم نورًا يُقذف لا سطورًا تحفظ، أما الكتاب فيجعلون له باطنًا وظاهرًا، محرّفين بذلك الدلالات المتفق عليها بين علماء الأمّة". يضيف: "إنهم يقولون ليس المهم كثرة الأوراد بل معرفة البوّاب، وهم بذلك يدعون إلى الشفاعة والوساطة بين العبد وربّه".

ويرى الباحث المتخصّص في التراث الأمازيغي محمد أرزقي فرّاد أن الطريقة الكركرية بلباسها الغريب، ودعوتها إلى المشي على الأقدام عوض استعمال المركبات الحديثة تسيء إلى التصوّف الحقيقي وتشوّهه، "إن استمرار ظهور الدروشة والشعوذة في المجتمع بطرق جديدة يصبح ممكنًا مع عقول مستقيلة، عجزت عن التفكير والتكيّف مع الواقع الجديد". ويربط محمد أرزقي فرّاد ظهور هذه "الدروشة" بما أسماها الدروشة السّياسية منذ الاستقلال الوطني عام 1962، والتي حالت، بحسبه، دون بناء دولة حديثة وعصرية تحترم العقول والعلوم والحقوق والحريات.

من جهته، يقول الكاتب طيّب لسلوس لـ"الترا صوت" إنه لا يرى عيبًا في ظهور الطريقة الكركرية، "أليسوا أحرارًا باختيار منهم؟ هل ادعوا أنهم يمثلون أحدًا غير أنفسهم؟ لماذا ندعو للاختلاف، ثم نخنقه بمجرّد ظهور من يختلف عنا؟ اسمع درسًا واحدًا للكركرية وستعرف جهلك المطبق".

ويبدي الناشط فرعون حمّو اندهاشه من تطابق رأي قطاع واسع من المثقفين مع رأي عامّة الشّعب في رفض المختلف، "حتى أولئك الذين كنا نظن فيهم العصمة الثقافية والفهم السّليم وقفوا موقفًا متزمّتًا من الكركرية التي فضحت لا شعورهم الثقافي الداعشي". وهو نفس ما ذهب إليه رجل التربية والتعليم عبد الوهاب بن منصور. يقول: "ارتبط ظهور الطقوس الدّينية عند المسلم بظهور الإسلام نفسه. فما يراه أحدنا شطحاتٍ يراه غيرُه عبادة وقربى، فالطقس هو التعبير الأمثل عن روح الجماعة".

فيما يرى طرف ثالث أن اهتمام الجزائريين بهذا الأمر الدّاخل في الحريات الشخصية للناس، سيفوّت عليهم فرصة مناقشة القضايا الجوهرية المتعلّقة بواقعهم ومستقبلهم. كتب الإعلامي حمزة عتبي: "الطريقة الكركرية لها أتباع، وطقوسها ليست بعيدة عن طقوس الطرق الأخرى. وما هو أهم في الوقت الرّاهن الوقوف في وجه الكارتل المالي، الذي يعمل على أن يختطف الحكم".

بعيدًا عن الرّأي والرّأي المضاد، استطاع ظهور الطائفة الكركرية، في فترة وجيزة جدًّا، أن يغذي يوميات الجزائريين بالعديد من النكت والمعاني المتعلّقة بالمفهوم الشّعبي للكركرة، الذي يعني جرّ الشيء. فقد بات الجزائريون يستعملونها في لقاءاتهم ودردشاتهم. من ذلك ما كتبه الناشط جلال حيدر: "أكره هذه الجملة المتكركرة: من الزّمن الجميل". وما كتبه الناشط نايت عبّار: "الجزائر تعاني نقصًا في معامل تكركير البترول". كما باتت عبارة "يا مكركرني" متداولة على لسان كل من يعاني من شخص آخر، خاصّة بين العشّاق.

 

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الطرق الصوفية بالمغرب.. دين وطقوس وسياسة

أولياء الجزائر الصالحون.. شموع مضيئة بالأمنيات