في سياق تحول الخطاب الأميركي تجاه الحرب في أوكرانيا، عبّر الرئيس دونالد ترامب عن موقفه الأوضح تجاه الصرع حتى الآن، مؤكدًا في مقابلة مع مجلة "التايم" أن "القرم ستبقى مع روسيا" كجزء من مقترح السلام لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، مضيفًا أن "الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتفهم ذلك، والجميع يدرك أنها معهم منذ زمن طويل".
وألقى ترامب باللوم على كييف في الصراع الدائر منذ عام 2022، واصفًا سعيها للانضمام إلى حلف الناتو بأنه السبب الرئيسي لاندلاع الحرب. واعتبر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قادر على تحقيق السلام، مشيرًا إلى أنه "الشخص الوحيد القادر على التفاوض معه"، مضيفًا: "لقد قطعنا شوطًا طويلًا في المفاوضات".
ترامب كتب أمس عبر منصة "تروث سوشيال" أن استعادة كييف لشبه جزيرة القرم سيكون أمرًا بالغ الصعوبة، مشيرًا إلى أن "القرم سُلِّمت إلى روسيا دون إطلاق رصاصة واحدة"
من الواقعية إلى التطبيع مع الاحتلال
الرئيس الأميركي، في حواره مع مجلة "التايم"، بدا وكأنه يُضفي شرعية على ضمّ القرم، مشيرًا إلى أن "الناس هناك يتحدثون الروسية" وأن "الغواصات الروسية كانت دائمًا هناك". بل ذهب أبعد من ذلك حين قال: "أوباما هو من أعطاهم القرم، وليس أنا".
هذا التوصيف يعكس محاولة واضحة من إدارة ترامب لتحميل إدارة أوباما مسؤولية ما حدث، وتبرئة موسكو من خرق القانون الدولي، بما يوحي بقبول أميركي ضمني بالأمر الواقع وتبريرٍ للإذعان لما تفرضه القوة العسكرية الروسية.
وكان ترامب قد كتب أمس عبر منصة "تروث سوشيال" أن استعادة كييف لشبه جزيرة القرم سيكون أمرًا بالغ الصعوبة، مشيرًا إلى أن "القرم سُلِّمت إلى روسيا دون إطلاق رصاصة واحدة".
يذكر أن شبه جزيرة القرم، التي تقع على البحر الأسود، ضمتها روسيا بالقوة في 2014 في سابقة خطيرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
📌 تستخدَم المعادن النادرة في أغراض مختلفة، تشمل قطاعات عالية التقنية، في مجالات الدفاع والطاقة المتجددة والإلكترونيات والتطبيقات الصناعية، بما في ذلك مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
📌 تشير إحصائيات الاتحاد الأوروبي إلى امتلاك #أوكرانيا أكبر احتياطيات من معدنيْ التيتانيوم… pic.twitter.com/Aqf8SAFKdQ
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 22, 2025
واشنطن تمهّد للاعتراف بالأمر الواقع
وقد قوبل تصريح ترامب بترحيب في موسكو ورفض واسع في كييف، مثيرًا تساؤلات جادة حول توجهات السياسة الأميركية المقبلة، ومدى استعداد واشنطن لتقديم تنازلات استراتيجية بهذا الحجم من أجل إنهاء الحرب، حتى وإن جاء ذلك على حساب وحدة الأراضي الأوكرانية.
ولعلّ ما يُضفي مزيدًا من الأهمية على هذا التصريح، أنه لا يندرج فقط ضمن الخطابات السياسية أو توصيف الوقائع الجيوسياسية، بل يمثل إشارة صريحة إلى نية الإدارة الأميركية ترسيخ الوقائع الميدانية التي فرضتها روسيا منذ عام 2014، تحت غطاء "مساعي التوصل إلى سلام بين روسيا وأوكرانيا".
زيلينسكي... بين ضغط الحلفاء وشراسة العدو
في مقابل هذا التوجه الأميركي الجديد، يواصل الرئيس زيلينسكي رفضه المطلق لأي تنازل بشأن الأراضي المحتلة، مؤكدًا أن الاعتراف بالسيطرة الروسية على القرم أو شرق أوكرانيا "خط أحمر وطني".
ويبدو أن زيلينسكي يُدرك أن ما يُطرح عليه ليس تفاوضًا، بل محاولة فرض أمر واقع مغلف بلغة "السلام". وقد صرح مؤخرًا أن أوكرانيا وافقت على مقترح أميركي لوقف إطلاق النار لمدة 44 يومًا، لكن روسيا استمرت في القصف، بما في ذلك استهداف العاصمة كييف، ما أدى إلى مقتل 12 مدنيًا وإصابة العشرات.
مفاوضات موازية: صدام الرؤى بين واشنطن وكييف
بينما تشتد المعارك على الأرض في أوكرانيا، تدور في الكواليس مفاوضات سرية تعكس صراعًا داخليًا متصاعدًا داخل المعسكر الداعم لكييف، وتحديدًا بين الولايات المتحدة من جهة، وأوكرانيا وعدد من الدول الأوروبية من جهة أخرى.
الاتحاد الأوروبي يخصص 800 مليار دولار لدعم #أوكرانيا وإعادة التسليح خلال قمته الطارئة في بروكسل.
اقرأ أكثر: https://t.co/Gv9izW12T7 pic.twitter.com/qyShINNQ7E— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 9, 2025
فقد كشفت وكالة "رويترز" مضمون وثيقتين تفاوضيتين تم تبادلهما خلال محادثات عقدت في باريس يوم 17 نيسان/أبريل، وفي لندن يوم 23 نيسان/أبريل، تُظهران تباينًا جوهريًا حول الكيفية لإنهاء الحرب وترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار.
المقترح الأميركي: تسوية سريعة بأي ثمن
الوثيقة الأولى، التي نقلها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إلى الأوروبيين، تحمل بصمات واضحة لمقاربة إدارة ترامب، القائمة على فكرة "التسوية السريعة" حتى لو كانت على حساب المبادئ. أبرز ما تضمنته الوثيقة هو قبول رسمي من واشنطن بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، واعتراف غير مباشر بسيطرتها على مناطق من شرق وجنوب أوكرانيا، تشمل دونيتسك ولوهانسك وزابوريجيا وخيرسون.
كما تنص الوثيقة على تخلي أوكرانيا نهائيًا عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مقابل "ضمانات أمنية" غير محددة من "دول صديقة". وتشمل البنود كذلك رفعًا شاملًا للعقوبات الأميركية المفروضة على روسيا منذ عام 2014 فور توقيع اتفاق السلام، دون ربطها بأي التزامات مستقبلية من قبل موسكو. أما التعويضات لأوكرانيا، فتُطرح بشكل فضفاض دون تحديد الجهة الضامنة للتمويل أو مصدر الأموال.
الرد الأوكراني-الأوروبي: لا تنازلات على السيادة
أما الوثيقة الثانية، فهي الرد الأوكراني-الأوروبي الذي تلقته واشنطن بعد محادثات لندن، وتمثل مقاربة أكثر تشددًا، تقوم على وقف إطلاق النار أولًا، ثم الحل السياسي تحت إشراف دولي. وتؤكد الوثيقة على رفض صريح للاعتراف بأي سيطرة روسية على الأراضي الأوكرانية، مع تأجيل ملف الحدود إلى ما بعد تثبيت الهدنة.
وتشترط الوثيقة الحصول على ضمانات أمنية ملزمة تشبه المادة الخامسة من "ميثاق الناتو"، بما يشمل دعمًا عسكريًا مباشرًا من أوروبا والولايات المتحدة. كما تؤكد على حق أوكرانيا في السعي مستقبلًا إلى الانضمام لحلف "الناتو"، وترفض أية قيود على تموضع القوات الأوكرانية أو الحليفة.
أما في ما يخص العقوبات على روسيا، فترى الوثيقة أنه لا يمكن رفعها قبل تحقيق "سلام مستدام"، مع إمكانية تفعيلها تلقائيًا في حال حدوث خروقات من جانب روسيا. وتشير الوثيقة إلى أن تمويل إعادة إعمار أوكرانيا يجب أن يأتي من الأصول الروسية المجمدة في الغرب.
تعكس الوثيقتان صدامًا بين منطقين مختلفين تمامًا. فمن جهة، تميل الإدارة الأميركية إلى تجميد النزاع وتقليل الكلفة السياسية والمالية، حتى لو تطلّب ذلك فرض تسوية على كييف.
في المقابل، تتمسك أوكرانيا، مدعومة بشركائها الأوروبيين، بمنطق قانوني وأمني يُكرّس الحقوق السيادية ويمنع مكافأة روسيا على عدوانها.
لكن الواقع الميداني لا ينتظر نتائج هذه المفاوضات. فبينما يتكثف القصف الروسي على كييف، ويتسارع القتال على خط جبهة يمتد لألف كيلومتر، تبقى هذه التفاهمات حبراً على ورق، عاجزة حتى الآن عن وقف نزيف الدم أو تحقيق توافق دولي حقيقي حول صيغة لإنهاء الحرب.
صرّح اثنان من مساعدي ترامب أن الجدول الزمني لتحقيق السلام في أوكرانيا أكثر تعقيدًا مما تم الترويج له خلال الحملة الانتخابية.
اقرأ أكثر: https://t.co/AdQxMSonvD pic.twitter.com/id3wM7PDwT— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 15, 2025
معركة بين منطقين… ودماء على الأرض
على الرغم من الدعوات الأميركية المتكررة لوقف إطلاق النار، واصل الجيش الروسي تصعيده خلال الأسبوع الأخير، إذ أطلقت موسكو أكثر من 103 طائرات مسيّرة من طراز "شاهد" باتجاه مدن أوكرانية عدة، واستهدفت مدينة بافلوهراد جنوب البلاد، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص بينهم طفل.
كما تعرضت العاصمة كييف لقصف باستخدام "قنابل انزلاقية"، في أعنف هجوم تشهده منذ يوليو/تموز الماضي. ووفقًا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تزامن توقيت الهجوم مع انشغال الدفاعات الجوية بصدّ المسيّرات. كما شنت القوات الروسية نحو 150 هجومًا بريًا متزامنًا على الجبهة الشرقية.
انفجار في موسكو: ضرب العمق الروسي
في تطور لافت، انتقلت العمليات إلى العمق الروسي، حيث أعلنت السلطات في موسكو مقتل نائب رئيس الإدارة العامة للعمليات في هيئة الأركان الروسية، الفريق ياروسلاف موسكاليك، إثر تفجير سيارة مفخخة قرب العاصمة.
هذه الحادثة تُعد الثانية من نوعها خلال أربعة أشهر، بعد اغتيال قائد قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي الروسية، الفريق إيغور كيريلوف في كانون الأول/ديسمبر 2024. وبينما سارعت موسكو إلى اتهام أوكرانيا، يرى محللون أن هذه العمليات تشير إلى تصعيد أمني غير مسبوق داخل روسيا، وتكشف عن اختراق استخباراتي عميق، واتساع رقعة الحرب إلى الداخل الروسي.