25-مارس-2020

جانب من احتياطات مواطن صيني في مواجهة فيروس كورونا (Gn)

منذ ثلاثة أسابيع بدأت حالات الإصابة بفيروس كورونا المبلغ عنها في الصين بالتناقص، وبلغ الأمر ذروته بإعلان مقاطعة ووهان عدم وجود إصابات محلية جديدة لأربعة أيام متتابعة بين 18و 21 آذار/مارس الجاري. ثم في 22 آذار/مارس أبلغت الصين عن 46 إصابة جديدة في أماكن أخرى من الصين، لكنها نسبتها لمسافرين قدموا من الخارج. 

تكشفت حالات عديدة خلال السنوات الأخيرة في الصين اعترفت فيها الحكومات المحلية بتزوير البيانات الصادرة عنها

فما الذي يمكن استفادته من هذه البيانات الواردة من الصين، وهل يمكننا أن نثق بهذه الأرقام؟ هذا السؤال وغيره الكثير من التفاصيل التي ستتم الإجابة عنها وتقديم معطيات منطقية حولها في الترجمة أدناه لتقرير الرصد الذي أعده The Washington Post

الأرقام "لعبة" السلطات الصينية

يولي المسؤولون الصينيون اهتمامًا خاصًا بالأرقام، خصوصًا المؤشرات الإحصائية الحيوية، مثل نمو الناتج القومي المحلي، والعائدات المالية وعائدات الاستثمارات والتي ظلت لفترة طويلة جزءًا من نظام الحزب الشيوعي في تقييم المسؤولين. تتيح التقييمات الإيجابية علاوات وترقيات ومكافآت أخرى للمسؤولين الذين يحققون الأهداف المقررة.

اقرأ/ي أيضًا: الصين تعتذر: أسأنا إلى الطبيب الذي حذّر مبكّرًا من تفشّي فيروس كورونا

ركز النظام الصيني المعتمد في عمله على تطبيق رؤية محدودة وقابلة للقياس، على هذه المؤشرات اعتقادًا منه بأن الرقابة الشديدة تولد مجهودًا ونتائج حسنة. وتشهد عقود من النمو الاقتصادي المتسارع بنجاح هذا النظام، لكنه في المقابل يمنح المسؤولين حافزًا لتزييف الحقائق والإحصاءات أو السعي لتحقيق النتائج عبر وسائل غير مرغوبة.

مشهد من فضاء عام في العاصمة الصينية بكين (Gn)

إليكم مثالًا على ذلك. يظهر بحث نشر في 2016 أن المقاطعات أبلغت عن قفزات في معدل نمو الناتج المحلي قبل ميعاد ترقيات المسؤولين، لكنهم لم يبلغوا عن مستويات مماثلة في إحصاءات أخرى ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهذا النمو، مثل معدلات استهلاك الكهرباء. شكك بعض المواطنين الصينيين ورؤساء تنفيذيون لشركات وأكاديميون في نزاهة الإحصاءات. ثم  في السنوات الأخيرة تكشفت حالات عديدة اعترفت فيها الحكومات المحلية بتزوير البيانات. وقد قدمت دراسة مشتركة مع الباحث الصيني جيانغ جونيان، مؤشرًا لقياس التزوير يتعقب هذه الحالات بدقة.

ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لإحصاءات فيروس كورونا التي تقدمها الصين؟

ابتداء، يسلط هذا التقرير الضوء على أهمية الأرقام في النظام السياسي الصيني. وقد مثلت أرقام الإصابات بمرض كوفيد 19 مقياسًا للأداء في مختلف المؤسسات البيروقراطية الصينية. وتحث النتائج بحثنا هذا على الانتباه لعدد من الاحتمالات الممكنة، منها الحوافز القوية التي قد تدفع المسؤولين لتزييف البيانات المعلنة.

السبب الأساسي الذي يدفع للتشكيك في إحصاءات الحكومة الصينية بشأن فيروس كورونا هو محاولتها في البداية التكتّم على أنباء تفشي الفيروس، فقد أخفت السلطات المحلية في ووهان عمدًا تفشي الوباء وكذلك فعلت الحكومة المركزية.

وقد أمر الرئيس شي جين بينغ بإطلاق استجابة قومية للوباء في 7 كانون الثاني/يناير، بحسب ما أفادت به التقارير. لكنه لم يخرج للحديث أمام وسائل الإعلام حيال هذا الوباء حتى 20 كانون الثاني/يناير.

في أحد المشافي في ووهان الصينية (parcot)

وفي الأسبوع الماضي، قدم مسؤولو ووهان اعتذارًا عن التوبيخ الذي صدر من طرفهم للطبيب الشاب لي وينليانغ، الذي حاول تحذير السلطات والتحدث علنًا عن المرض الذي تسبب في وفاته لاحقًا.

التهوين من أعداد الإصابات والوفيات

ما الذي نعرفه عن إحصاءات الصين بخصوص فيروس كورونا؟ حالات الإصابة الكلية المعلنة أقل من العدد الفعلي للحالات المصابة. ينطبق هذا الأمر على كل الأماكن، لكن على الصين أكثر من سواها. ولعل السبب في ذلك أن العاملين في النظام الصحي في ووهان لم تتح لهم إمكانية إجراء الاختبار على نطاق واسع في ظل انهيار المنظومة الصحية.

إذا احتسبنا الحالات التي لم تظهر عليها الأعراض، فإن العدد الإجمالي للإصابات سيكون أكبر بكثير. تقدر مقالة في مجلة Science بأن 86% من الإصابات في مقاطعة خوبي الصينية لم تسجل حتى الوقت الذي فرضت فيه السلطات حظر التجول على مدينة ووهان ومدن أخرى في 23 كانون الثاني/يناير.

على الأرجح، قلل المسؤولون من أعداد الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا الجديد. خصوصًا حين بدأت البروباغندا الحكومية بإعلانها في وسائل الإعلام عن "حرب الشعب ضد الفيروس"، وحينها تحولت الأرقام لتعكس هذه الرؤية الرسمية الجديدة. الأرقام التي تم إخفاؤها ليست هائلة على الأرجح، فلن تتمكن السلطات من التغطية على وفاة مئات أو آلاف من المواطنين، لكنها لن تشمل في إحصاءاتها أي وفيات يمكن نسبتها لأسباب أخرى مثل الالتهاب الرئوي أو النوبات القلبية على سبيل المثال، حتى لو كانت مرتبطة بالإصابة بفيروس كورونا الجديد.

الإنجاز الصيني لا يستهان به

أكثر ما يلفت الانتباه والفضول في الأرقام الرسمية الصينية هو العدد المحدود لبؤر تفشي الفيروس. يبدو من الأرقام كما لو أن الصين لم يكن بها سوى بؤرة تفشي واحدة هي مدينة ووهان ومحافظة خوبي، وأن الوباء لم ينتشر إلى أماكن أخرى، على خلاف إيطاليا وإيران والولايات المتحدة، التي تفشى فيها الوباء في بؤر عديدة.

86% من الإصابات في مقاطعة خوبي الصينية لم تسجل حتى الوقت الذي فرضت فيه السلطات حظر التجول على مدينة ووهان ومدن أخر

ويبدو أن رأس السنة الصينية هي التي أنقذت الصين ولم تكن سببًا لهلاكها. فرغم أن العطلة ترتبط على الدوام بمليارات من رحلات السفر، إلا أن معظمها كان من أجل عودة الناس إلى مدنهم وعائلاتهم في العطلة، ولم تمثل هذه الرحلات شبكة معقدة غير معلومة ويصعب أو يستحيل تعقبها من قبل السلطات.

اقرأ/ي أيضًا: تحديثات كورونا.. الولايات المتحدة تستعين بالجيش وحظر تجوّل في الهند

إذ يهدأ النشاط الاقتصادي الطبيعي خلال فترة رأس السنة الصينية بطريقة شجعت الناس على البقاء في المنازل، ولاسيما أن المواطنين كانوا قد موّنوا بيوتهم بما يحتاجون إليه خلال العطلة. كما كانت المكاتب والمصانع قد أغلقت أبوابها. ساهم هذا التزامن بين فترة الإجازة وإجراءات العزل على حماية المدن الكبرى الأخرى من تفشي الفيروس فيها.

نجحت الصين عبر إجراءات تقييد الحركة وفرض التباعد الاجتماعي والتوسع في إجراء الفحوصات، من "تقعير منحنى الإصابات" وإبطاء تفشي الوباء بشكل هائل.

السبب الأساسي الذي يدفع للتشكيك في إحصاءات الحكومة الصينية بشأن فيروس كورونا هو محاولتها في البداية التكتّم على أنباء تفشي الفيروس

حتى لو كانت الأرقام التي تدل على عدم وجود حالات جديدة مجرد مبالغة من المسؤولين، إلا أن جهود الصين حصرت بالفعل انتشار الفيروس. وها هي الشركات ومؤسسات الأعمال والمتاجر قد عادت لفتح أبوابها، كما بدأ رفع الحكومة للقيود على الحركة والتجمع شيئًا فشيئًا. مع ذلك، حتى مع هذه الأرقام المعلنة، ما زالت الحكومة تتصرف بحذر شديد، فلم تحدد بعد مواعيد جلسات "مجلس الشعب الوطني" في الصين والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني وتظل المدارس مغلقة في الكثير من المدن، منها العاصمة بكين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ويكيبيديا العربية وفيروس كورونا.. فريق عمل مختصّ وتحديث على مدار الساعة

نجوم الدراما السورية في زمن الكورونا.. "حولينا.. ما علينا"!