بدأ الجيش الصيني مناورات عسكرية مشتركة حول جزيرة تايوان، بمشاركة القوات البرية والبحرية والجوية وقوة الصواريخ، في خطوة تهدف إلى تطويق الجزيرة من عدة اتجاهات، بحسب ما أفادت عديد التقارير الغربية. وفيما وصفت تايبيه المناورات بأنها "سلوك تصعيدي"، يرى المحللون أن بكين تريد من وراءها توجيه رسالة إلى واشنطن.
وقالت قيادة المنطقة الشرقية للجيش الصيني أن التدريبات تشمل هجمات على أهداف بحرية وبرية، وفرض حصار على ممرات بحرية رئيسية. وأكدت في البيان أن هذه المناورات تمثّل "تحذيرًا صارمًا" وردعًا لقوى "استقلال تايوان"، واعتبرتها إجراءً مشروعًا وضروريًا لحماية سيادة الصين ووحدة أراضيها. وتهدف بكين عبر هذه المناورات إلى اختبار قدراتها على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة، وسط تصاعد التوترات الإقليمية ومخاوف تايبيه من نوايا الصين العسكرية، بحسب شبكة "سي إن إن" الأميركية.
وتأتي المناورات الصينية في ظل قلق تايوان من التحولات في السياسة الخارجية الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، الذي يعتمد نهج "أميركا أولًا"، والتوجه إلى تخلي واشنطن عن التزامات طويلة الأمد تجاه الحلفاء، مطالبًا شركاء آسيا بتحمل المزيد من الأعباء. وفي الوقت ذاته، يؤكد مقربون من ترامب ضرورة تركيز الجهود الأميركية لمواجهة طموحات الصين الإقليمية.
تأتي المناورات الصينية في ظل قلق تايوان من التحولات في السياسة الخارجية الأميركية بقيادة ترامب، الذي يعتمد نهج "أميركا أولًا"، والتوجه إلى تخلي واشنطن عن التزامات طويلة الأمد تجاه الحلفاء
ونشرت قيادة المنطقة الشرقية فيديو يوثق المناورات، يظهر فرقاطات صينية وطائرات تقلع وصواريخ تُجهّز للإطلاق. ولاحقًا، أعلنت تنفيذ تدريبات بحرية وجوية في المياه المحيطة بتايوان، بالتنسيق مع الصواريخ التقليدية والمدفعية بعيدة المدى، دون أن تحدد مدة استمرار المناورات أو تذكر تفاصيل إضافية حول نطاقها الزمني.
تايبيه تضع قواتها في أقصى درجات التأهب
وفقًا لوزارة الدفاع التايوانية، فإنه تم رصد 71 طائرة عسكرية صينية و13 سفينة حربية قرب تايبيه، بالإضافة إلى مجموعة بقيادة حاملة الطائرات الصينية "شاندونغ" المتمركزة في غرب المحيط الهادئ. وأكدت أن قواتها في أقصى درجات التأهب، حيث أرسلت طائرات وسفنًا حربية، ونشرت أنظمة صواريخ برية لمراقبة التحركات والرد على أي تطورات محتملة
كما كتبت الرئاسة التايوانية على منصة "إكس" قائلة إن: "الاستفزازات العسكرية السافرة من جانب الصين لا تهدد السلام في مضيق تايوان فحسب، بل تقوّض الأمن في المنطقة بأكملها، كما يتضح من المناورات قرب أستراليا، نيوزيلندا، اليابان، كوريا، الفلبين، وبحر الصين الجنوبي"، مؤكدةً إدانتها "بشدة هذا السلوك التصعيدي من قبل الصين"، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
في المقابل، قال مكتب شؤون تايوان التابع للحكومة الصينية إن التدريبات العسكرية تستهدف رئيس تايوان، لاي تشينغ-تي، المؤيد بقوة للاستقلال، وذلك في إشارة غير مباشرة إلى طرحه استراتيجية من 17 بندًا لتعزيز أمن تايوان، من ضمنها إحالة قضايا التجسس إلى المحاكم العسكرية، وتشديد قواعد الهجرة على المواطنين الصينيين المتقدمين للحصول على الإقامة الدائمة.
وجاء في البيان: "لاي تشينغ-تي يصر بعناد على موقف استقلال تايوان، ويدعي بوقاحة أن البر الرئيسي قوة معادية أجنبية، كما طرح ما يسمى باستراتيجية من 17 بندًا، ما يثير مشاعر العداء تجاه الصين"، وأكد المكتب في بيانه أن بكين "لن تتسامح مع هذه التصرفات أو تغضّ الطرف عنها، ويجب مواجهتها ومعاقبتها بحزم".
من جانبها، قالت الولايات المتحدة إن التصعيد العسكري الصيني تجاه تايوان يفاقم التوترات ويهدد أمن المنطقة وازدهارها، مؤكدة التزامها الثابت بدعم حلفائها، بما فيهم تايوان. وشددت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، على رفض واشنطن لأي تغيير أحادي للوضع القائم في مضيق تايوان، خاصةً عبر القوة أو الإكراه، ودعمها للاستقرار والسلام الإقليمي.
وأجرى وزير الدفاع الأميركي، بيت هيجسيث، زيارة إلى الفليبين، تبعها بأخرى مماثلة إلى اليابان، في وقت سابق من الأسبوع الماضي. وأكد هيجسيث عقب انتهاء المحادثات مع نظيره الياباني، غين ناكاتاني، أن "الولايات المتحدة ملتزمة الحفاظ على قوة ردع موثوقة ومتينة وجاهزة للتحرك في المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك عبر مضيق تايوان"، في محاولة لبعث رسائل طمأنة لحلفاء واشنطن في المنطقة.
بكين تستخدم تايبيه كذريعة
وبحر الصين الجنوبي هو ممر مائي استراتيجي ومتنازع عليه تدعي الصين السيادة على معظمه. وكانت البحرية الصينية قد أجرت مؤخرًا مناورات قرب أستراليا ونيوزيلندا دون سابق إنذار، مما أجبر شركات الطيران التجاري على تغيير مسارات رحلاتها في اللحظات الأخيرة.
وغالبًا ما تستخدم بكين المناورات العسكرية الكبرى كوسيلة تعبّر بها عن استيائها من تايوان، وفي الوقت نفسه كفرصة لفهم آليات رصد الجزيرة وردّها على الضغوط العسكرية الصينية. وفي السنوات الأخيرة، نفذت القوات الصينية تدريبات تطوّق تايوان وتحاكي فرض حصار عليها، وهي من بين السيناريوهات التي قد تلجأ إليها بكين للسيطرة بالقوة.
وبحسب "سي إن إن"، أظهر تحليل، شاركه مسؤول رفيع في مجلس الأمن القومي التايواني أن "الولايات المتحدة أعادت تأكيد أهمية الأمن والاستقرار في مضيق تايوان، وأكدت أنها تحول تركيزها الأمني إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ما وضع ضغطًا كبيرًا على نوايا بكين".
وأضاف التحليل: "في ظل اقتراب محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، والإجراءات المرتقبة ضد بكين، اختارت الأخيرة ضبط النفس لتجنّب خطوات قد تُفسر على أنها مواجهة مباشرة مع واشنطن. وتُستخدم تايوان كذريعة مثالية، ما دفع بكين لإطلاق هذه المناورات العسكرية فور مغادرة وزير الدفاع الأميركي لآسيا".
من جهته، أوضح مدير معهد أبحاث الأمن القومي والدفاع في تايوان، سو تزو-يون، أن هذه المناورات، على عكس تدريبي "السيف المشترك 2024" اللذين نفذتهما الصين العام الماضي، وتابع مضيفًا: "أعتقد أن بكين تحاول توجيه رسالة إلى واشنطن".
بكين تترقب تطورات قد تدفع بالحرب التجارية مع واشنطن إلى مرحلة جديدة من التصعيد، مما قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية واسعة النطاق.
اقرأ أكثر: https://t.co/GvccjWgdlU pic.twitter.com/HzckAGerfD
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 31, 2025
أما بالنسبة للمحلل في مركز "أتلانتك كاونسل" الأميركي، وين-تي سونغ، فإنه يرى هذه التدريبات تشكل "سلسلة من اختبارات المقاومة" لقياس مدى التزام واشنطن بدعم تايوان وحلفائها. ويرى خبراء أن بكين تميل إلى محاصرة تايوان بدلًا من اجتياحها، وهو ما أكده البروفيسور لين يينغ-يو قائلًا إن الصين "تتدرب على حصار" الجزيرة، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
من جانبه، قال البروفيسور من جامعة الدفاع الوطني التابعة للجيش الصيني، جانغ تشي، إن مناورات أمس الثلاثاء لا تحمل اسمًا محددًا لأنها أصبحت تدريبات اعتيادية. وأضاف في تصريح للتلفزيون الصيني الرسمي "سي سي تي في": "هذا يشير إلى أن ما نشهده اليوم بات بمثابة الوضع الطبيعي الجديد بالنسبة لجيش التحرير وقيادة المنطقة الشرقية، فهو روتين بالنسبة لهم".
وكانت واشنطن قد فرضت، يوم الإثنين، عقوبات على مسؤولين صينيين بسبب استمرار القمع السياسي في هونغ كونغ، ومحاولات نقل هذا القمع إلى أراضي الولايات المتحدة، إضافة إلى القيود المفروضة على الوصول إلى التبت. وتشمل العقوبات تجميد الأصول داخل أميركا ومنع استخدام النظام المصرفي الأميركي، في خطوة وصفها وزير الخارجية ماركو روبيو بأنها تأكيد لالتزام إدارة ترامب بمحاسبة من ينتهكون الحريات أو يمارسون القمع العابر للحدود، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".