كشفت قاعدة بيانات مسربة، اطلعت عليها منصة TechCrunch، عن تطوير الصين لنظام ذكاء اصطناعي متقدم يعزز آلية الرقابة الحكومية على الإنترنت، مما يوفر قدرة غير مسبوقة على مراقبة المحتوى والتعرف على المواضيع "الحساسة" وفقًا للمعايير التي يحددها الحزب الشيوعي الصيني.
ووفقًا للتقرير الذي نشرته المنصة، فإن النظام الجديد يستخدم نموذجًا لغويًا ضخمًا (LLM) قادرًا على تحليل وفحص المحتوى المنشور على الإنترنت، وتحديد أي إشارات قد تُعتبر معارضة أو تتعارض مع السياسات الحكومية. وقد تم تدريب هذا النظام على 133,000 مثال من المحتوى الذي يشمل شكاوى حول الفقر في المناطق الريفية، وفضائح الفساد في الحزب الشيوعي، وانتهاكات الشرطة ضد رجال الأعمال، وغيرها من القضايا المثيرة للجدل في الصين.
نظام رقابي أكثر تطورًا ودقة
تاريخيًا، اعتمدت الصين على الرقابة التقليدية، التي تشمل الحجب اليدوي للكلمات المفتاحية مثل "مجزرة تيانانمن" و"شي جين بينغ"، بالإضافة إلى فرق من المراقبين الذين يراجعون المحتوى يدويًا. إلا أن النظام الجديد يوفر مستوى غير مسبوق من الدقة والكفاءة، حيث يمكنه تحليل المنشورات بشكل أكثر تعمقًا والتعرف على المحتوى غير المرغوب فيه حتى إن لم يستخدم صاحبه مصطلحات محظورة بشكل مباشر.
لم يعد الأمر يقتصر على حجب كلمات محددة، بل أصبح يشمل تحليل السياقات والأنماط في الخطاب العام، مما يجعل الرقابة أكثر دقة واستهدافًا من أي وقت مضى
يقول الباحث شياو تشيانغ، من جامعة كاليفورنيا – بيركلي، والمتخصص في دراسات الرقابة الصينية، إن هذه التكنولوجيا "دليل واضح" على أن الحكومة الصينية أو إحدى الجهات التابعة لها تسعى إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لرفع كفاءة الرقابة على الإنترنت. ويضيف: "على عكس الأساليب التقليدية التي تعتمد على الحظر اليدوي والمراجعة البشرية، فإن نموذجًا لغويًا ضخمًا مدربًا على هذه البيانات سيؤدي إلى تحكم أكثر دقة وشمولية في المعلومات، مما يعزز قدرة الدولة على قمع الأصوات المعارضة بشكل أكثر كفاءة وفعالية".
المواضيع المستهدفة: قضايا سياسية وعسكرية واجتماعية
وبحسب التسريبات، فإن النظام الرقابي الجديد يركز بشكل خاص على الموضوعات التي يمكن أن تثير غضب الرأي العام أو تقود إلى اضطرابات اجتماعية، وتشمل القضايا الاجتماعية: مثل شكاوى المواطنين حول الفقر في المناطق الريفية، وتدهور الخدمات العامة، والنزاعات العمالية.
من أبرز القضايا التي يشملها النظام الرقابي الجديد تأتي القضايا العسكرية، خصوصًا المنشورات التي تتعلق بالقدرات العسكرية الصينية، مثل التقارير حول الطائرات الحربية الجديدة أو المناورات العسكرية، حيث يتم تصنيفها كأولوية قصوى للمراقبة
كذلك تشمل المواضيع المستهدفة الفساد الحكومي، حيث يتم استهداف أي منشورات تتناول قضايا الفساد داخل الحزب الشيوعي، وخاصة إذا تم ربطها بأفراد بارزين. إضافة إلى السياسات البيئية والغذائية، إذ يتم مراقبة الأخبار حول فضائح التلوث وسلامة الأغذية، نظرًا لأن هذه القضايا أثارت احتجاجات شعبية واسعة في الماضي، مثل احتجاجات "شيفانغ" المناهضة للتلوث عام 2012.
ومن أبرز القضايا التي يشملها النظام الرقابي الجديد تأتي القضايا العسكرية، خصوصًا المنشورات التي تتعلق بالقدرات العسكرية الصينية، مثل التقارير حول الطائرات الحربية الجديدة أو المناورات العسكرية، حيث يتم تصنيفها كأولوية قصوى للمراقبة.
كما تم العثور على كلمة "تايوان" (台湾) أكثر من 15,000 مرة في قاعدة البيانات، مما يشير إلى تركيز شديد على أي نقاشات تتعلق بوضع الجزيرة. وحتى التعبيرات الرمزية، مثل استخدام الأمثال الصينية للتعليق على الوضع السياسي، يتم مراقبتها. على سبيل المثال، تضمنت البيانات المسربة منشورًا يستخدم المثل الصيني "عندما تسقط الشجرة، تتفرق القرود", وهو تعبير يُستخدم عادةً للإشارة إلى تفكك السلطة أو فقدان الحاكم لنفوذه.
كيف تم اكتشاف قاعدة البيانات؟
تم العثور على البيانات المخزنة في خادم غير محمي على منصة Elasticsearch المستضافة من قبل شركة Baidu. وقد اكتشف الباحث الأمني المعروف باسم NetAskari هذه البيانات وقام بمشاركتها مع TechCrunch، مما أتاح الفرصة لتحليلها والكشف عن مدى تطور هذا النظام الرقابي.
على الرغم من عدم وجود دليل مباشر على الجهة التي أنشأت هذه القاعدة، إلا أن الخبراء يرجحون أنها جزء من مشروع حكومي مرتبط بإدارة الفضاء الإلكتروني الصينية، وهي الجهة المسؤولة عن الرقابة على الإنترنت داخل البلاد.
ولكن يشير الخبراء إلى أن الصين تسعى إلى جعل رقابتها أكثر ذكاءً وتطورًا، خاصة مع انتشار نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل DeepSeek. ومع استمرار تحسين هذه الأنظمة، فإن قدرتها على قمع المعارضة قد تتوسع بشكل غير مسبوق، مما قد يجعل من الصعب على المواطنين التعبير عن آرائهم بحرية على الإنترنت.
حيث يقول الباحث شياو تشيانغ: "نحن نشهد تحولًا كبيرًا في أدوات الرقابة، حيث لم يعد الأمر يقتصر على حجب كلمات محددة، بل أصبح يشمل تحليل السياقات والأنماط في الخطاب العام، مما يجعل الرقابة أكثر دقة واستهدافًا من أي وقت مضى".