بدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ، أمس الإثنين، جولة تستمر أسبوعًا في جنوب شرق آسيا، استهلّها من العاصمة الفيتنامية هانوي، في محاولة لحشد دعم إقليمي لمواجهة التداعيات المتزايدة للحرب التجارية بين بكين وواشنطن، والتي تهدد شبكات التصنيع ونمو الاقتصادات في آسيا.
وفي مقال نُشر بصحيفة "نهان دان" الرسمية فيتنامية، عشية وصوله، دعا شي البلدان الأخرى إلى "الانضمام إلى الصين في الدفاع عن الاستقرار والتجارة الحرة وبيئة دولية منفتحة وتعاونية". وقال: "لا يوجد رابحون في الحروب التجارية والجمركية... الحمائية طريق مسدود". داعيًا إلى الاصطفاف مع الصين من أجل "تعزيز الاستقرار والدفاع عن التجارة الحرة".
خلال لقائه بالأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي، تو لام، دعا شي إلى "تعزيز العزيمة الاستراتيجية المشتركة، ومعارضة التنمر الأحادي، ودعم نظام التجارة العالمي القائم على القواعد"
فيتنام في قلب المعركة
زيارة شي إلى فيتنام، رغم أنها كانت مُبرمجة منذ مدة، اكتسبت أهمية إضافية بعد تصاعد التوترات التجارية، خصوصًا أن فيتنام كانت على وشك مواجهة رسوم جمركية أميركية تصل إلى 46%، قبل أن تُعلن إدارة ترامب عن تعليق مؤقت لمدة 90 يومًا.
وخلال لقائه بالأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي، تو لام، دعا شي إلى "تعزيز العزيمة الاستراتيجية المشتركة، ومعارضة التنمر الأحادي، ودعم نظام التجارة العالمي القائم على القواعد"، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة، دون أن يسميها صراحة، مؤكدًا على ضرورة حماية نظام التجارة الحرة العالمي وسلاسل التوريد والصناعة العالمية.
🇺🇸🇨🇳 ماذا يحدث بين #الصين و #أميركا؟ وما دور الاتحاد الأوروبي في حرب الرسوم الجمركية؟
التفاصيل كاملة في التقرير: https://t.co/SWJkyrspAz pic.twitter.com/XiEMBKgr4A
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 10, 2025
"هجوم السحر الدبلوماسي"
جولة شي الدبلوماسية وصفت بـ"هجوم السحر الدبلوماسي" في جنوب شرق آسيا، تشمل أيضًا ماليزيا وكمبوديا، تهدف إلى تعزيز النفوذ الصيني في ظل تصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة. وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد فرضت مؤخرًا رسومًا جمركية على الواردات الصينية بلغت 145%، ردّت عليها بكين برسوم مضادة بنسبة 125% على المنتجات الأميركية.
تهدف جولة شي إلى تكريس موقع الصين كقوة اقتصادية عالمية مسؤولة، في وقت تنتهج فيه الولايات المتحدة، تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب، سياسة حمائية (Protectionism) متشددة تزعزع الثقة في النظام التجاري العالمي.
فيتنام في وضع دقيق: بين أكبر شريك تجاري وأكبر سوق تصديرية
ترافق وصول شي إلى هانوي مراسم استقبال حافلة، حيث اصطف العشرات من الفيتناميين بملابسهم التقليدية ملوّحين بالأعلام الصينية، لكن خلف هذا الترحيب الرسمي، هناك كثير من التردد والتحفظ.
ففيتنام وجيرانها في جنوب شرق آسيا، الذين يسعون لتخفيف الضغوط الأميركية عبر مفاوضات حول خفض الرسوم الجمركية، لا يرغبون في اتخاذ مواقف علنية قد تُفسَّر على أنها انحياز كامل لبكين، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية في بحر الصين الجنوبي.
تعتبر فيتنام نموذجًا واضحًا لهذا التوازن الدقيق؛ فهي ترتبط اقتصاديًا بشكل وثيق بالصين، التي تُعدّ أكبر شريك تجاري لها، لكنها تعتمد أيضًا بشكل متزايد على السوق الأميركية، حيث بلغت صادراتها إلى الولايات المتحدة 137 مليار دولار في عام 2024.
وقد أدى انتقال العديد من الشركات من الصين إلى فيتنام هربًا من الرسوم الأميركية إلى ازدهار صناعي مؤقت في البلاد، لكنه جعلها أيضًا عرضة مباشرة للإجراءات الأميركية الجديدة، التي فرضت رسومًا بنسبة 46% على وارداتها، مقابل 49% على كمبوديا و24% على ماليزيا.
وفي هذا السياق، قالت مديرة برنامج جنوب شرق آسيا في معهد "لوي" الأسترالي، سوزانا باتون: إن "فيتنام تدرك تمامًا ضرورة عدم الظهور كطرف متواطئ مع الصين ضد واشنطن". وأضافت: "الصين شريك اقتصادي، لكنها أيضًا منافس شرس لدول المنطقة".
كانت صيغة الرسوم الجمركية التي فرضها #ترامب بسيطة بشكل خادع. كانت تتمثل في قسمة العجز التجاري للسلع الأميركية مع بلد ما على صادرات ذلك البلد إلى الولايات المتحدة، ثم تحويل النتيجة إلى نسبة مئوية. بعدها، يتم قسمة هذه النسبة إلى النصف للحصول على قيمة الرسوم الجمركية الأميركية… pic.twitter.com/MaDGcepo5u
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 5, 2025
اتفاقيات عديدة ومكاسب رمزية
من جهتها، تسعى القيادة الفيتنامية إلى استرضاء الطرفين، إذ أرسلت وفودًا إلى واشنطن متعهدة بشراء مزيد من المنتجات الأميركية ومكافحة تهريب السلع الصينية عبر أراضيها، وفي الوقت ذاته استضافت شي في زيارة احتفالية بمناسبة مرور 75 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ومن المتوقع توقيع حوالي 40 اتفاقية خلال زيارة شي، إلا أن معظمها يبقى رمزيًا أو ذا طبيعة عامة. من أبرز البنود، تشغيل طائرات صينية على الخطوط السياحية لأول مرة في فيتنام، فضلًا عن اتفاقات مبدئية لمواصلة مناقشات حول مشروع سكة حديد تربط الحدود الصينية بميناء شمالي هانوي.
لغة المصالح مقابل لغة السيادة
حاول الزعيم الفيتنامي تو لام، التأكيد على خصوصية العلاقات مع الصين، واصفًا فيتنام بأنها الشريك التجاري الأكبر للصين في جنوب شرق آسيا والرابع عالميًا. لكنه تجنّب في خطابه الإشارة إلى الملفات الحساسة مثل الخلافات البحرية.
أما شي، فاستغل خطابه للدعوة إلى مزيد من "التعاون البحري" و"ضبط الخلافات في البحر"، متحدثًا بلغة أوسع عن التضامن بين فيتنام والصين كجزء من "الجنوب العالمي".
انتقادات من ترامب وتحذير من التواطؤ
من جانبه، هاجم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاء شي مع القادة الفيتناميين، متهمًا الطرفين بالتآمر ضد الولايات المتحدة. وقال من المكتب البيضاوي: "اجتماع جميل… كأنهم يحاولون معرفة كيف يمكنهم الإضرار بالولايات المتحدة".
ترامب كان قد وصف سابقًا الرسوم الجمركية بأنها وسيلة لإعادة التوازن في العلاقات التجارية مع دول "تستغل" الولايات المتحدة، بحسب زعمه، مشيرًا إلى أن الصين وفيتنام من بين تلك الدول.
وعلى الرغم من أن ترامب أعلن استثناء بعض المنتجات الإلكترونية مثل الهواتف الذكية والحواسيب من التعريفات، عاد لاحقًا ونفى وجود أي استثناء، موضحًا أن هذه المنتجات "نُقلت فقط إلى فئة جمركية مختلفة".
ترامب وقّع أمرًا تنفيذيًا جديدًا يقضي برفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بنسبة تتراوح بين 10% و20%.
اقرأ أكثر: https://t.co/VecobXM92k pic.twitter.com/tYNAtAFhMT— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 4, 2025
شكوك حول قدرة الصين على تعويض الخسائر
رغم الخطاب المطمئن الذي قدمه الرئيس شي، إلا أن الاقتصاد الصيني يعاني من تباطؤ حاد نتيجة أزمة العقارات الداخلية، ومن غير المتوقع أن يتمكن من تعويض خسائر الأسواق الأميركية التي تعتمد عليها دول كفيتنام في التصدير.
وقد وعدت بكين بزيادة الاستهلاك المحلي، لكن خبراء يشككون في أن يكون الطلب الصيني كافيًا لتعويض التراجع في الطلب العالمي، في وقت يهدد فيه نهج ترامب المتشدد بشلل الاستثمارات وتراجع القوة الشرائية عالميًا.
يقول البروفيسور في جامعة سنغافورة الوطنية، جا إيان تشونغ: "سياسة الرد بالمثل بين الولايات المتحدة والصين تعني أن هناك مساحة أقل للمناورة أمام اقتصادات جنوب شرق آسيا"، مضيفًا: "بلدان مثل فيتنام تجد نفسها محاصرة بين مطرقة واشنطن وسندان بكين".
بين استقطاب القوى وتفكك النظام العالمي
تسلط هذه الجولة الضوء على معركة صامتة تدور في قلب آسيا بين واشنطن، التي تمارس الضغوط الاقتصادية مستخدمة الرسوم الجمركية كأداة سياسية، وبكين التي تعرض نفسها كشريك موثوق يسعى إلى نظام عالمي جديد قائم على التعاون التجاري.
لكن الحقيقة على الأرض أكثر تعقيدًا؛ إذ لا تزال أغلب دول المنطقة تترنّح بين القوتين، تبحث عن استقرار اقتصادي، وتخشى من أن تُسحب إلى صراع أكبر لا تملك فيه إلا هامشًا ضيقًا من المناورة.