15-مايو-2022
انتخابات هي الأعقد في التاريخ السياسي الحديث للصومال (Getty)

انتخابات هي الأعقد في التاريخ السياسي الحديث للصومال (Getty)

تقام الانتخابات الصومالية اليوم الأحد الخامس عشر من مايو؛ وهي الانتخابات الأكثر تعقيدًا في التاريخ السياسي الصومالي الحديث. فقد أخذت مسارًا امتد لعامين، وهي أضعاف المدة التي يستغرقها إجراء انتخابات أكبر ديمقراطية انتخابية في العالم، الهند، والتي يصوت فيها أكثر من 600 مليون شخص، بينما تقتصر الانتخابات الصومالية على تصويت 329 عضوًا برلمانيًا.

تقام الانتخابات الصومالية اليوم الأحد الخامس عشر من مايو؛ وهي الانتخابات الأكثر تعقيدًا في التاريخ السياسي الصومالي الحديث

يعود ذلك لكون الانتخابات الصومالية تتم بصورة غير مباشرة لا يصوت فيها الشعب، بل يتم اختيار الرئيس من قبل البرلمان بغرفتيه؛ مجلس الشعب المكون من 275 عضوًا، ومجلس الشيوخ المكون من 54. وهم أيضًا لا يأتون باقتراع مباشر، بل تتم عملية اختيارهم بآلية متشعبة ومعقدة؛ فمجلس الشعب يُختار من قبل 14025 مندوبًا معينًا من قبل شيوخ العشائر الذين بدورهم يعيّنون من قبل إدارات الولايات الفيدرالية الصومالية الخمسة: هيرشبيلي، جوبلاند، بونتلاند، غلمدوغ، جنوبي الغرب (وممثلين عن صوماللاند يتم تسجيل أسمائهم في مقديشو). بينما يعيّن أعضاء مجلس الشيوخ من قبل حكومات الولايات الإقليميةـ وفي النهاية يقوم مجموع نواب هذين الغرفتين بتحديد هوية رئيس البلاد.

أول ما يمكن سؤاله، ما الجديد في هذه الانتخابات؟ ولماذا استغرقت كل هذا الوقت وهذا القدر من التعقيد والاختلافات؟ ثمة مسائل مترسبة في الثقافة السياسة الصومالية فيما بعد الحرب تقف وراء هذا الأمر. فالعملية السياسية الصومالية تقوم وفق محاصصة سياسية لتقاسم السلطة تعرف 4.5، ومؤداها تقسيم المجتمع الصومالي إلى خمس مجموعات عشائرية، حيث أربع من المجموعات الخمس تعد "عشائر رئيسية" هم دارود ودير وهويي وديجل وميريفلي (الرحانوين) بينما تشمل المجموعة الخامسة جميع العشائر والمجتمعات الأخرى المتبقية ويحصلون على نصف حصةـ وهم المدغان، والبانتو، والجريروين، والحمروايين والبراوين، والبنادريين.

وأريد لهذه الصيغة إنهاء الحرب الأهلية وإيجاد توافق سياسي ما، لكنها مثلت استمرارًا لحالة الحرب بأشكال وأدوات أخرى، حيث عززت من التنافسات العشائرية في السياسة، وأدت في كثير من الأحيان لإدامة الصراع من خلال منح أمراء الحرب السابقين مكانًا في السلطة، وترسيخهم كأطراف شرعية في الحكم. وتلكم النخب السياسية الحالية وشبكات الولاءات الشعائرية والمصالحية المرتبطة بهم سياسيًا واقتصاديًا هي ما يشكل المشهد السياسي الصومالي الراهن. وفاقم من حدة انقساماتها النفوذ الخارجي المتزايد في السنوات الأخيرة. وبالنتيجة، أصبحت العملية السياسية الصومالية سوقًا يحركه المال السياسي الخارجي، حيث على سبيل المثال، أنفق ملايين الدولارات على شراء أصوات المندوبين وعلى المقاعد البرلمانية في الانتخابات الجارية.

لقد تضافرت مع هذه العوامل رغبة الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو بطرح نموذج انتخابي يؤهله للعودة الى الحكم وقفزه في كثير من الأحيان التوافقات السياسية، وهو وصف مخفف للإشارة لاستمرارية الحرب الاهلية، مما زاد الشروخات السياسية وكاد بالفعل أن يعيد البلاد الى المربع الأول، عندما حاول تمديد الحكم لنفسه سنتين في أبريل 2021، لكنه واجه معارضة قوية وبيئة مفخخة كادت أن تفجّر حربًا في العاصمة.

صحيح أن بعض التفاؤل قد ساد في أطياف الشعب الصومالي في فترة الرئيس الحالي المبكرة، مرده شعور الناس باليأس من مراوحة مربع الدولة الفاشلة لعقود، واتصاف الرئيس بفساد أقل من سابقيه، وخطابه الذي ركز على استعادة هيبة الدولة، وبناء المؤسسات، واتباعه سياسية خارجية أعادت الصومال إلى المسرح الإقليمي، بينما كانت دولة مُستتبعة لبعض دول الإقليم والجوار لفترة طويلة، بالإضافة إلى إحرزاه نصرًا قانونيًا في ملف النزاع البحري مع كينيا أمام محكمة العدالة الدولية رغم كل الضغوطات التي تعرض لها. إلا أنه بالرغم من كل ذلك، وصلت البلاد في فترته إلى حافة الانفجار. وتزايدت الاغتيالات الأمنية والقلاقل السياسية لدرجة مهولة.

يخوض في غمار الانتخابات الحالية 39 متنافسًا؛ بينهم الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو (2017 – الآن)، ورئيس وزرائه السابق حسن علي خيري (2017- 2020). واثنين من الرؤساء السابقين هم: شيخ شريف شيخ أحمد (2009-2012) وحسن شيخ محمود (2012-2016)، إضافة الى رئيس ولاية بونتلاند سعيد دني (2019 - الآن). تلك هي الأسماء الأكثر حظوة في السباق الانتخابي الحالي. وهو تعبير صارخ عن حالة الانسداد في المشهد السياسي الذي تهيمن عليه نفس الوجوه التي تسيّدت فيه في العقد الأخير. وبناء علىه، فإن هذه الانتخابات لن تحمل مفاجآت حقيقية بصرف النظر عن هوية الاسم الذي سيفوز، فكلهم تجريب للمجرب، غير أن المؤكد، أن الانتخابات ستخرج البلاد من حالة الاستقطاب الحاد الذي خلقها التأجيل المتكرّر للانتخابات.

هي إذًا انتخابات من أجل الانتخابات. وستبقى المشاكل الكبرى التي يعانيها الصومال عالقة، مثل مواجهة الجفاف الذي تقول بشأنه تقديرات المنظمات الدولية إن أكثر من 3.5 مليون شخص باتو بحاجة إلى مساعدات غذائية، وملف الإرهاب، الذي صار يتجذّر ويتمدّد، وعملية استكمال بناء المؤسسات، مثل الجيش الوطني والدستور، والمصالحة الوطنية، ونقل البلاد إلى نظام الأحزاب والانتخابات المباشرة، وغيرها الكثير من التحديّات التي ستبقى كلها تراوح في مكانها، وهي ملفات يتحدث عنها المتنافسون الحاليون بلغة متطابقة دون أن يعنوا أيًا من مضامينها.

يبدو حجم العقبات الملحة أمام أي رئيس قادم للصومال هائلة، بينما نخب البلاد السياسية غارقة في تسجيل نقاط في داخل لعبة النظام الانتخابي

يبدو حجم العقبات الملحة أمام أي رئيس قادم للصومال هائلة، بينما نخب البلاد السياسية غارقة في تسجيل نقاط في داخل لعبة النظام الانتخابي من خلال تدجين القاعدة العشائرية ومجموعات المصالح الناخبة بالزبائنية والرشوات، وهو ما يحجب العقبات الحقيقية في البلاد عن أعينهم، بطريقة تجعل الحكومات الصومالية في كل مرة تصرف نصف مدتها الدستورية في الانشغال بالانتخابات. والحقيقة التي تقبع وراء هذه الثقافة السياسية القادمة من رحم الحرب الأهلية، هي أن الاستقرار السياسي شرط ضروري لعملية استكمال بناء الدولة الصومالية ومؤسساتها وترسيخ حكمها. فرغم ابتعاد الصومال عن الديكتاتورية، إلا أنها ثبتت، وهذا هو الدرس الملح أمام الدول التي بدأت في انتهاج مسار الصومال بالانجرار إلى وحل الحروب الأهلية بعد إسقاط نظمها السلطوية، أي أن مسار التحول من الحرب إلى الديمقراطية طويل، وهي صيرورة شاقة، دونها الكثير من المزالق، إذا لم تتعامل النخب السياسية مع تعرجاتها بحذر ووعي كافيين. وتلك النخب هي ما يفتقده الصومال في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة من تاريخه.