18-أغسطس-2015

أحمد الأسير خلال أحد اعتصاماته (أ.ف.ب)

في  صورتهِ الجديدة يبدو أحمد الأسير في هيئتهِ أقرب إلى كمال شاتيلا، أكثر منه إلى جميع الذين وردوا في نكات المعلّقين على توقيفه. وشاتيلا، غير معروف عربيًا، ذلك رغم أنه يعرّف عن نفسه كقومي عربي، وأنه من ذلك الزمن الذي يصفونه ترفًا بالجميل، رغم أنه مشبع بالخيبات والهزائم التي تُخجل جبالًا. وطبيعة الحال، اللباس هو جزء من أدوات الحقبات ويؤشر إلى ملامحها. ولسيرة تنكر الأسير، ثمة مفارقة هامة، إذ أن شبيهه، شاتيلا، يُعرف بأنه يرتدي ثيابًا يخالها الجميع تنكرية. الشبيهان، إذن، على هذه القاعدة الطارئة، معروفان بالتنكر، وهذا بعد التحاق الأسير بجيل المتنكرين.

ولسيرة القاعدة، رغم أنها طارئة هنا أيضًا، يمكن اعتبار الأسير متنكرًا بصورة الحاضر، أي التطرف الإسلامي الذي ينفلش كبقعة زيت في المنطقة، وعلى ذات القياس، يصير شاتيلا متنكرًا بثياب العروبة ماضيًا، ومتعلقًا بقشة، مثل كثيرين من الذين وقفوا في صف الأنظمة العربية رغم قمعها وقتلها للشعوب، ما أنتج ظواهر ليست مألوفة لبنانيًا على الأقل، كأحمد الأسير. وإن كانت العروبة ليست عيبًا ببعدها الإنساني، إنما كانت طوال وقت، أداةً في أيدي الطغاة.

لطالما كان الأسير فولكلوريًا ومتنكرًا بصورة أبو بكر البغدادي

المهم في الموضوع، والذي لم تتطرق إليه المحطات اللبنانية طوال فترة اللعب مع الأسير، هي أن تنكر الشيخ في مطار رفيق الحريري الدولي ليس التنكر الوحيد. فرغم كل ما يشاع عن نمو الحالة الإسلامية في لبنان، وفي مناطق محددة، يبقى التزمت دخيلًا على البيئة اللبنانية، على الأقل في الحاضر المنظور. وإن كان التزمت لا يحتاج إلى مقومات وافرة، ويكتفي بوجود الأرضية المذهبية التي يوفرها في لبنان وجود عناصر فعالة في هذا الإطار، كحزب الله مثلًا، إضافة إلى عوامل الحرمان والفقر التاريخيين، والشعور بقهر السلطة، فإن الحديث عن بيئة قاعدية أو جهادية بالمعنى المتعارف عليه للكلمة حاليًا، ليس متوافرًا لبنانيًا. لكن الإعلام اللبناني، نفخ الأسير، حتى صار ما هو عليه.

وفي أية حال، لطالما كان الأسير فولكلوريًا ومتنكرًا بصورة أبو بكر البغدادي، لذلك، ربما، لم يخرج أحد في هذا التوقيت بالذات، للاعتراض على صورته. هنا، لا بد من التوقف قليلًا عند تعاطي الإعلام اللبناني مع حادثة توقيف شيخ يدّعي السلفية، وكان ذاهبًا للالتحاق بجماعة بوكو حرام، كما قالت مصادر جهاز الأمن العام اللبناني. يتوجب على هذا الإعلام، أخيرًا، أن يتحول إلى إعلام، ويتخلى عن الوظائف الأوركسترالية المضافة للمهنة، التي تبدأ بالإنبهار، وتنتهي بالفوتوشوب، ويمر بينها هذا وذاك سلسلة طويلة من الضحايا.

الحدث الإيجابي في توقيق الأسير، ليس في العملية الأمنية التي أدّت إلى توقيفه، رغم نجاعة هذه العملية في عدم إثارة أي بلبلة، أو وقوعها في تخبط. الحدث الإيجابي هو عدم حدوث انتفاضة معززة بشحنات مذهبية، كما كان يروّج البعض، خاصةً وأن الرجل تورط في قتال المؤسسة العسكرية اللبنانية، وبالغ في ضخ خطاب مذهبي لا يحتمله بلد بحجم لبنان. في ساحة الميديا، اقتصرت التعليقات على السخرية من تنكر الأسير، من دون أي يؤدي ذلك إلى حدوث "إنتفاضة". يمكننا أن نحتفل، أو أن نشرب كأسًا ربما، نكايةً بالتطرف. أن يشبه أحمد الأسير كمال شاتيلا، فذلك لا يستدرج شيئًا سوى السخرية، والسخرية حدث محبب إذا تمت مقارنة بأحداث عبرا الدموية، التي اعتدى فيها مسلحون على مواطنين آخرين، وعلى الجيش اللبناني. وهذا بنظر كثير من اللبنانيين الذين يجدون صعوبة في اتخاذ المواقف قبل زعمائهم، أو إعلامهم، "حدثًا عاديًا".

اضطر جعجع ذات مرة  إلى الهرب ليلًا بثياب نسائية

طبعًا ثمة سؤال يبقى عالقًا، وهو عن مصير الفنان السابق فضل شاكر، الذي شارك الأسير صولاته وجولاته، وقد سرت شائعات أخيرًا تتحدث عن توبته. والتوبة هنا مقلوبة، وليست بالمعنى المتعارف عليه. فبعدما تاب شاكر عن الغناء والكحول، وأشياء أخرى، والتحق بشيخه، عاد وتاب عن دعم الأسير، وأعلن عن نيته الاعتذار، والتنكر بثوب الفنان مجددًا. تنكر بتنكر. وبلا شك، الفنان الذي دار في العالم، كما لو أنه "سندباد"، يعاني الآن من حالة "عاش مين شافك"، بحيث أن توبته لم تقبل بعد، خصوصًا بعدما تسرب من التحقيقات أن الأسير كان يقضي معظم وقته مع فضل شاكر. كم أن هذا مؤثر وحميمي.

لا نعرف فعلًا إن كان شاكر سيعاود التنكر بهيئة فنان مجددًا، لكن ما نعرفه أن التنكر ليس دائمًا مثيرًا للسخرية. صحيح أنه قد يكون كذلك في حالة قائد القوات اللبنانية، سمير جعجع، أثناء فراره من دير القمر عندما حاصره الجيش السوري، رغم أن كثيرين يحسبون صمود جعجع آنذاك أسطوريًا، فقد اضطر "الحكيم" كما تقول روايات المنتصرين في الحرب الأهلية اللبنانية، إلى التسلل ليلًا من دير القمر بثياب نسائية.

وفي عرف المقاتلين، وما يتلوه من اعتبارات ذكورية، يحسب هذا عيبًا. أما كارلوس، فيتفرد في تنكراته، التي كانت في خدمة قضية سامية، هي القضية الفلسطينية، رغم أية شوائب قد ترد في معرض البحث عن أخطاء تلك المرحلة. وبالعودة إلى الأسير، لقد كان هذا الرجل متنكرًا في مواقفه طوال الوقت، تارةً بهيئة سمير جعجع، وتارةً أخرى بهيئة كارلوس، وقد حاول الجمع بينهما لمبايعة جبهة النصرة. بيد أن الصورة الأقرب إليه، تبقى هي الصورة التي وزعها الأمن العام اللبناني، ويظهر فيها شبه حاد، بينه وبين كامل شاتيلا، من دون لحية. الصورة الفولكلورية، التي احتاج الإعلام اللبناني كل هذا الوقت للتعرف إليها.