تخوض الصين منافسةً محمومة مع الولايات المتحدة الأميركية على صعيد إنتاج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وتُظهر نتائج دراسة جديدة أجراها فريق بحث صيني مؤخرًا أن الترسانة الأميركية من تلك الصواريخ معرضة للتلف بفعل تقادم العمر، في حين تتجه بكين إلى تصنيع طرازات جديدة أكثر سرعةً وقدرة على حمل الرؤوس المتفجرة الضخمة، الأمر الذي يعني أنّ الصين ستعوّض الأعداد المحدودة من ترسانتها الصاروخية البالستية بامتلاكها صواريخ بالستية نوعيّة.
وفي التفاصيل، توقع خبراء وباحثون صينيون أن تُصبح المئات من الصواريخ البالستية الأميركية غير صالحة للاستخدام، خاصةً منها تلك التي وصل عمرها إلى 30 عامًا، والسبب في ذلك هو الوقود الصلب المستخدم في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الذي ينطوي على مشكلة ظلّت خفية، وهي المسؤولة حسب الفريق البحثي الصيني عن الفشل المتكرر في الإطلاق الذي شهدته بعض القوى النووية في السنوات الأخيرة.
حيث كشفت الدراسة الصينية التي نُشرت في المجلة الصينية لتكنولوجيا الدفع إلى أنه "في ظل ظروف التخزين العادية، قد يبدو وقود الصواريخ النموذجي مستقرًا لمدة 160 عامًا أو أكثر، لكن الاختبارات التي أجريت في المختبر الوطني الرئيسي للدفع الصاروخي الصلب في مدينة شيآن شمال غرب البلاد، وجدت أن تغييرات كبيرة قد تحدث في أعمدة الوقود في غضون 30 عامًا، مما يجعلها غير قادرة على تحمّل الأحمال أثناء الطيران".
توقع خبراء وباحثون صينيون أن تُصبح المئات من الصواريخ الباليستية الأميركية غير صالحة للاستخدام، خاصةً منها تلك التي وصل عمرها إلى 30 عامًا
وكان صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز مينتمان 3 من إنتاج شركة بوينغ الأميركية قد واجه مشكلة أثناء الطيران، في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، مما أدى إلى تدميره ذاتيًا. ومطلع عام 2024 الجاري لقي صاروخ ترايدنت 2 الذي صنعته الولايات المتحدة أيضًا، وأطلق من غواصة تابعة للبحرية الملكية البريطانية، مصيرًا مماثلًا.
ووفقًا للدراسة الصينية فإنّ كلا النوعين من الصواريخ الباليستية "يشكلان جزءًا حيويًا من قوات الردع النووي للولايات المتحدة وحلفائها"، مشيرةً إلى أن هناك "أكثر من 400 صاروخ من طراز مينتمان 3 في الخدمة. وتم تصنيع هذه الصواريخ الباليستية في سبعينيات القرن العشرين، في حين أن صاروخ ترايدنت 2 كان في الخدمة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود".
كما نبّهت الدراسة إلى أنّ صاروخ مينتمان "عانى من عدة إخفاقات أثناء عمليات التفتيش الروتينية وعمليات الإطلاق التجريبية في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى تفاقم المخاوف بشأن تراجع قدرة الردع النووي للولايات المتحدة".
أمّا صاروخ "ترايدنت" الذي يعدّ أحد أكثر أنظمة توصيل الرؤوس الحربية النووية موثوقية، فقد سجّل في آخر إطلاقين فشلًا ذريعًا، وذلك على الرغم من أنّ بريطانيا أجرت عليه في السابق 10 عمليات إطلاق تجريبية ناجحة على التوالي.
الاستعداد الصيني
تؤكّد الدراسة التي أجراها فريق البحث الصيني أن ترسانة الصين من الأسلحة النووية أقل بكثير من ترسانة الولايات المتحدة وروسيا، إلّا أنّ بكين، حسب الدراسة، "جهزت نفسها بأنواع جديدة من الصواريخ الباليستية، بما في ذلك الأسلحة الأسرع من الصوت"، مع الإشارة إلى أنّ العديد من هذه الأسلحة يمكن إطلاقه من "منصّات متحركة، مثل الشاحنات أو القطارات، ما يوفر لها قدرة أكبر على البقاء، مقارنة بالصواريخ التي يتم إطلاقها من صوامع تحت الأرض، مثل صاروخ مينتمان 3 الأميركي".
ولفت الفريق البحثي الصيني في دراسته النظر إلى أنّ بكين أطلقت في أيلول/سبتمبر الماضي بنجاح "صاروخًا من طراز دونغ فينغ-31 إيه جي، القادر على حمل رؤوس نووية متعددة، ووصل الصاروخ إلى هدفه الافتراضي في جنوب شرق المحيط الهادئ".
وفي أيار/مايو الماضي أعلنت بكين أن صاروخها الباليستي المعروف بـ"فاير دراغون 480 أو نيران التنين" قادر على إغراق السفن الأميركية من نوع تيكونديروغا الموجودة في البحر الأحمر، ومع "التنسيق الوثيق بين سرب من الطائرات من دون طيار واعتماد تكتيكات جديدة، فإن هناك حاجة إلى ستة من هذه الصواريخ الموجهة طويلة المدى في المتوسط لتدمير سفينة حربية أميركية كبيرة"، حسب البيان الصيني.
خطة التحديث العسكري
يرى محرر الشؤون العسكرية في صحيفة كانتون الصينية، لياو ليانغ، أنّ تطوير الصين لترسانتها الصاروخية الباليستية، يندرج "ضمن خطة التحديث التي أطلقها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عام 2013، والتي تتركز على استثمار التطور التكنولوجي وتوظيفه في خدمة الأهداف والاستراتيجيات العسكرية".
وأضاف في حديث لموقع العربي الجديد أن ما جاء في الدراسة "يؤكّد أن بكين تعمل بكل طاقتها لتقييم القدرات العسكرية للقوى المعادية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من أجل تحصين نفسها وحماية أمنها وسيادتها، والارتقاء بكفاءتها القتالية بما يتسق مع التحديات والتهديدات الخارجية التي تزداد يوماً بعد يوم".
وكان تحديث الترسانة العسكرية تحديًا بالنسبة للصين، فعلى الرغم من أنّ تعداد جيشها يصل حوالي 2.3 مليون جندي، إلّا أن جودة التجهيزات ظلّت دون المستوى، فضلًا عن ذلك فإن آخر حربٍ خاضها تعود إلى سبعينيات القرن الماضي ضدّ فيتنام.
لكن في العام 2013 بدأ الرئيس الصيني مشروع تحديث الجيش الصيني من ناحية عتاده وقدراته، أي التركيز على الجودة على حساب الكم، حيث قلص عدد القوات، وركّز على تزويد الجيش بالتكنولوجيا العسكرية الضرورية عبر زيادة مخصصات الدفاع.