06-ديسمبر-2024
مدينة حماة

(Getty) حماة مدينة النواعير الاستراتيجية

يُعدّ سقوط مدينة حماة بيد قوات المعارضة السورية حدثًا حافلًا بالدلالات التاريخية، فضلًا عن الأهمية الاستراتيجية للمدينة الواقعة وسط سوريا، والتي تربط شمال البلاد بالساحل وبالعاصمة دمشق.

ويجعلها موقعها الجغرافي حلقة وصل أساسية بين مناطق النفوذ المختلفة في سوريا، مما يؤكد أهمية مكانتها المحورية في جغرافيا الصراع بين قوات المعارضة وقوات النظام السوري. لذلك يرى المتابعون أنه ليس من المبالغة القول إن السيطرة على حماة ستشكّل تحولًا كبيرًا في موازين القوى على الأرض.

الرمزية التاريخية لمدينة النواعير

حاصرت قوات النظام السوري في عام 1982 مدينة حماة مستخدمةً الأسلحة الثقيلة في قصف المدينة الزراعية، مما تسبب حينها في مقتل عشرات الآلاف وتهجير وتشريد نحو 100 ألف حموي، فضلًا عن سجن مئات آخرين، وتعرض أجزاء من المدينة للتدمير، خاصةً الجزء القديم منها. وادعت السلطات السورية حينها، تحت رئاسة حافظ الأسد، أن الهجوم على حماة جاء ردًّا على ما وصفته بـ"تمرد عسكري تقف وراءه جماعة الإخوان المسلمين في مدينة حماة".

بعد مجزرة حماة 1982 كانت المدينة على موعدين تاريخيين آخرين هما ثورة 2011 ودحر قوات الأسد منها 2024

وقد عُرفت تلك الأحداث في الأدبيات التاريخية والإعلامية بـ"مجزرة حماة". ويشير الباحثون إلى أنه، نظرًا للتعتيم الإعلامي الذي رافق المجزرة، يصعب الجزم بالأعداد الحقيقية لضحاياها. لذلك نجد تباينًا في الأرقام، حيث تحدث الصحفي البريطاني روبرت فيسك، الذي زار حماة بعد الحصار والمجزرة، عن 10 آلاف قتيل، بينما تتحدث اللجنة السورية لحقوق الإنسان عن 40 ألف قتيل، وهو ما يتقارب مع الرقم الذي نقلته صحيفة الإندبندنت البريطانية عن رفعت الأسد، قائد اجتياح حماة، حيث قدّر عدد الضحايا بـ38 ألف قتيل.

وبعد ثلاثة عقود من تاريخ المجزرة، كانت حماة على موعد مع الثورة ضد النظام، حيث كانت في طليعة المدن التي انتفضت ضد نظام الأسد الابن. خرجت من حواريها وشوارعها مظاهرات سلمية كبيرة، ردّت عليها السلطات باستخدام العنف المميت، إذ أخرجت الدبابات إلى الشوارع وشنّت حملة اعتقالات واسعة طالت مئات النشطاء، واستكملت تلك الإجراءات بفرض حصار على المدينة. ولم تمضِ سوى شهور قليلة حتى فرض النظام سيطرته الكاملة على حماة في آب/أغسطس 2011. وحتى بعد السيطرة على المدينة، لم تكفّ قوات النظام وأجهزته الأمنية عن استخدام العنف. ففي نيسان/أبريل، ارتكبت مجزرة في المدينة قُتل فيها 50 مدنيًا في حي مشاع الطيار، أحد الأحياء الجنوبية للمدينة المعروف بأن أغلب سكانه فقراء. استخدمت قوات النظام في تلك المجزرة الصواريخ، وبانتهاء الحملة قامت بتدمير الحي بالكامل، مهجّرةً بذلك سكانه، الذين تقدّر أعدادهم بنحو 30 ألفًا.

ونظرًا لتحوّل حماة إلى عُقدة للنظام، كثّف النظام وجوده الأمني والعسكري في المدينة عبر نشر الحواجز الأمنية، ودأب طيلة الأعوام القليلة الماضية على الثأر من عائلات الثوار عبر الاعتقالات التعسفية.

بخروج حماة اليوم عن سيطرة النظام، إثر عملية "ردع العدوان" التي أطلقتها قوات المعارضة السورية، يكون النظام قد مُني بهزيمة نكراء. وفي المقابل، حقّقت المعارضة بسيطرتها على المدينة مكسبًا يُحسّن بالتأكيد من وضعها التفاوضي في أي مفاوضات سلام ترعاها جهات دولية. ومن جهة أخرى، ستُعقد السيطرة على حماة قدرة النظام على استعادة ما خسره، إذ تُعدّ حماة واسطة العقد في جغرافيا الصراع على المدن.

ومما يعزّز هذه الفرضية، أنّ حلفاء النظام (إيران وروسيا أساسًا) لا يُبدون حماسًا كبيرًا لإسناده على النحو الذي فعلوه عام 2015. ولعل السبب في ذلك يعود إلى تورّط الحليف الروسي في المستنقع الأوكراني، وتورّط الحليف الإيراني في المواجهة المحتملة مع إسرائيل، فضلًا عن حسابات تداعيات عودة ترامب إلى البيت الأبيض. ولا يستبعد مراقبون أن تكون السيطرة على حماة قد دقّت آخر مسمار في ثقة الروس والإيرانيين بحليفهم، الذي فقد بهذه السيطرة معبرًا مهمًا لتأمين الساحل.

والخوف كلّ الخوف لدى النظام أن يكون للسيطرة على حماة ما بعدها، وذلك بتوجه قوات المعارضة إلى ما هو أبعد من حماة، أي مدينة حمص، وبعدها العاصمة دمشق.