23-أبريل-2019

تراجع دور الوساطة المغربي في الأزمة الليبية (Getty)

عرفت العلاقة بين المغرب وليبيا حالات مد وجزر امتدت منذ فترة حكم الراحلين الملك الحسن الثاني، والزعيم الليبي معمر القذافي، واستمرت إلى ما بعد ثورة 2011، حين لعب المغرب دورًا مهمًا في إعادة لًّمِ الشثات الليبي وجمع شمل الفرقاء باحتضانه لاتفاق الصخيرات، الذي أسفرت عنه أول حكومة ليبية بعد فترة حكم "العقيد" وأنهى العنف والاقتتال في ليبيا.    

بعد مؤتمر الصخيرات تراجع دور المغرب، نسبيًا، في القضية الليبية، إذ عبَّد خليفة حفتر الطريق أمام الإمارات للعب دور الوساطة في الملف الليبي، وذلك من خلال قمة للأمم المتحدة عُقدت في العاصمة أبوظبي

وُقع اتفاق الصخيرات في 17 من كانون الأول/ديسمبر 2015، وهو اتفاق سياسي انبثقت عنه حكومة الوفاق الوطني، يترأسها فايز السراج. شمل الاتفاق أطراف الصراع في ليبيا، ووُقع في مدينة الصخيرات المغربية، تحت رعاية الأمم المتحدة، وتحت إشراف المبعوث الأممي وقتها، مارتن كوبلر، بغرض إنهاء الحرب الأهلية الليبية الثانية.

اقرأ/ي أيضًا: العلم الليبي.. صراع الشرعية بين الثورة وأعدائها

منذ التوقيع على اتفاق الصخيرات والمغرب حاضر في ضمان مرور المرحلة الانتقالية بسلام في ليبيا، لكن بعد إعلان قوات حفتر عن شن أكبر عملية عسكرية في طرابلس منذ سقوط نظام القذافي، أصبح مكان المغرب ضبابيًا. فهل هُمش الدور الديبلوماسي للمغرب في القضية الليبية؟ أم اختارت المملكة التراجع خصوصًا بعد تحول الصراع الليبي من داخلي إلى إقليمي ودولي؟

كرنولوجيا المواقف

بعد اتفاق الصخيرات، كان المغرب من أول الموقعين على إعلان مشترك لدعم خطوة تشكيل حكومة وفاق وطني في ليبيا، مطالبًا باتخاذ الإجراءات اللازمة لتشكيل حكومة ستظل السبيل الوحيد لتحقيق المهمة المتمثلة في إقرار سلطة شرعية، واستعادة الاستقرار والحفاظ على وحدة البلاد والاستجابة لتطلعات جميع الليبيين.

لكن بعد مؤتمر الصخيرات تراجع دور المغرب، نسبيًا، في القضية الليبية، إذ عبَّد اللواء المتقاعد خليفة حفتر الطريق أمام الإمارات للعب دور الوساطة في الملف الليبي، وذلك من خلال قمة للأمم المتحدة عُقدت في العاصمة أبوظبي، شهر شباط/فبراير الماضي، دون الوصول إلى أي حلول تُذكر ما عدى اتفاق بين السلطتين المتنافستين، بهدف تنظيم انتخابات في ليبيا، لكن دون تحديد جدول زمني.

وقبل مؤتمر أبوظبي حاولت إيطاليا أيضًا، جمع السراج وحفتر في مؤتمر بمدينة باليرمو حضره ممثلون عن دول معنية بالملف الليبي، وغاب عنه المغرب الذي التزم بمنطقة الحياد بعد ظهور بوادر تدخل دول خليجية في القضية الليبية.

التدخل الخليجي في ليبيا أكده جمعة القماطي، مبعوث رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، الذي زار المغرب الأسبوع الماضي، طالبًا دعمه لمواجه قوات حفتر العسكرية، قائلًا إنها قوات مدعومة من مصر والإمارات والسعودية لإسقاط شرعية الحكومة المعترف بها.

كما أكد بيان وزارة الخارجية التونسية، هذا الغياب المغربي عن المشهد الليبي، الذي أعلن أن تونس تستعد لعقد اجتماع بين خميس الجهيناوي، وزير خارجيتها مع نظيريه الجزائري والمصري بتونس العاصمة، لتنسيق جهود الدول الثلاث بهدف إنهاء حالة التوتر في ليبيا واستئناف المباحثات السياسية.

استثنى البيان التونسي المغرب، رغم استقبال هذا الأخير لجمعة القماطي، مبعوث رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، الأسبوع الماضي، والذي نقل وجهة نظر الحكومة الليبية من المعركة العسكرية التي تقودها قوات حفتر.

لا حل غير السياسي

كان المغرب من أبرز المساهمين في التنديد بالتدخلات العسكرية التي تقوم بها قوات حفتر في ليبيا، إذ كشف ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربية، عن موقف المملكة الرسمي والمندد بالتصعيد العسكري الذي وصل إلى مشارف العاصمة طرابلس، معتبرًا أن التصعيد ليس سوى خيار سيساهم في تعقيد الوضع والمس بالاستقرار الداخلي للبلد.

وقوف المغرب إلى جانب الحكومة الشرعية في ليبيا جر عليه تهمًا من طرف العسكر الليبي، إذ اتهم اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم قوات حفتر، حكومة فايز السراج في طرابلس بمحاولتها الضغط على ممثلي ليبيا في الخارج وضمنهم البعثة الديبلوماسية بالمغرب واحتضان هذا الأخير لمحمد ساسي عيسى التائب، القنصل العام لليبيا في المغرب، والمعين من طرف حكومة الوفاق الليبية، والذي تصفه قوات حفتر بـ"الإرهابي".

يقول محمد الراجي، الخبير في العلاقات الدولية في هذا السياق لـ"ألترا صوت"، إن المغرب لم يتخل عن موقفه من القضية الليبية، والمعلن على لسان وزير الخارجية ناصر بوريطة، الداعم لحكومة السراج والمندد بالتدخلات العسكرية التي تقودها قوات خليفة حفتر.

اقرأ/ي أيضًا: هل يُنتخب رئيس ليبيا القادم بالطريقة الأمريكية؟

لكن المغرب، كما يبين الراجي، اختار الوقوف في مكانه في القضية خصوصًا بعد تأكده من تدخل دول عربية في الشأن الداخلي الليبي وفق ما يخدم مصالحها المتجلية في مساندتها لقوات حفتر، وتهميش اتفاق الصخيرات الذي احتضنه ودعمه، ويعتبره الوثيقة المرجعية الوحيدة التي عليها إجماع  جميع الفرقاء.

اختار المغرب الوقوف في مكانه في القضية الليبية خصوصًا بعد تأكده من تدخل دول عربية في الشأن الداخلي الليبي وفق ما يخدم مصالحها المتجلية في مساندتها لقوات حفتر

كما أن تراجع دور المملكة حسب الراجي يعود إلى كونها متشبثة بالحل السياسي لإنهاء الأزمة الليبية، في حين تتبنى فرنسا وإيطاليا موقفين متباينين، إذ تساند فرنسا قوات حفتر، فيما تقف الإدارة الإيطالية بجانب حكومة الوفاق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من أجل الخروج من "الانتقالي" في ليبيا

أبرز 10 نقاط مثيرة للجدل في الدستور الليبي الجديد