سلّطت وكالة "رويترز" الضوء على تفاصيل ما سمّته بـ"الموقف الحربي" للصين في مواجهتها لحرب الرسوم الجمركية الترامبية. وحاولت "رويترز"، في مادةٍ مطوّلة، إظهار الكيفية التي انتقلت بها بكين من موقفِ المتودد إلى موقف المتحدي، إذ بات واضحًا أنّ الصين قررت عدم الرضوخ لضغوط ترامب الاقتصادية، من خلال ردّها بالمثل على الرسوم التي فرضها ترامب على وارداتها، والتي وصلت نسبة 125%.
وبحسب مصادر تحدثت لـ"رويترز"، فقد وضعت الصين المسؤولين الحكوميين في حالة "حرب"، وعززّت الإدارات المعنية بالولايات المتحدة بعناصر بشرية داعمة، من بينهم أولئك الذين صمموا استراتيجية الرد الصيني على الولايات المتحدة خلال ولاية ترامب الرئاسية الأولى، كما وجّهت بكين دبلوماسييها إلى إطلاق حملةٍ مكثفة تهدف إلى تشجيع الدول الأخرى على مقاومة الرسوم الجمركية الأميركية.
وفي هذا الصدد، لاحظ تقرير "رويترز"، أنّ مسؤولي الدعاية في الحزب الشيوعي لعبوا دورًا رئيسيًا في صياغة الرد الصيني، حيث نشر متحدثون حكوميون مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، يَظهر فيها الزعيم السابق ماو تسي تونغ وهو يقول عام 1953 خلال الحرب الكورية، التي خاضت فيها الصين صراعًا عسكريا مباشرًا مع الولايات المتحدة: "مهما طالت هذه الحرب، لن نستسلم أبدًا. سنقاتل حتى ننتصر نصرًا كاملًا".
كانت الصين تتجنّب سيناريو الحرب التجارية من خلال محاولة إنشاء قناة اتصال رفيعة المستوى مع إدارة ترامب
استراتيجية التجنّب
كانت الصين تتجنّب، إلى وقتٍ قريب، سيناريو الحرب التجارية. فعلى مدى أشهر، حاول الدبلوماسيون الصينيون إنشاء قناة اتصال رفيعة المستوى مع إدارة ترامب للدفاع عما وصفه مجلس الوزراء الصيني، في حملات إعلامية رسمية، بأنه علاقة تجارية "مربحة للجانبين".
بل إنّ المراقبين الصينيين المتفائلين أعربوا، حسب "رويترز"، عن أملهم في إبرام صفقةٍ كبرى مع ترامب بشأن التجارة، و"تيك توك"، وربما حتى تايوان. كما أفاد مصدرٌ للوكالة أنّ السفير الصيني لدى الولايات المتحدة حاول التواصل مع ترامب من خلال الملياردير إيلون ماسك.
وذهبت الصين في توددها إلى حدّ إرسال نائب الرئيس الصيني، هان تشنغ، لحضور حفل تنصيب ترامب، وذلك على الرغم من حملته الانتخابية التي دأب فيها على تحدي الصين وعلى توعّدها بأيام قاسية. كما حاول وزير الخارجية الصيني وانغ يي مقابلةَ وزير الخارجية ماركو روبيو، خلال زيارةٍ له إلى نيويورك، في شباط/فبراير الماضي، لكنه لم يتمكن من تأمين ذلك اللقاء.
"قد يجد #ترامب نفسه مضطرًّا، تحت ضغط اضطرابات الأسواق والتحول التدريجي الذي بدأ يظهر عالميًا نحو إزالة الدولرة، إلى اتخاذ المبادرة بالتقارب مع الصين".
تقرؤون المزيد في مقال محمد يحي حسني عبر ألترا صوت: https://t.co/EiBf9fdQJy pic.twitter.com/dQ8VIkqZSa
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 13, 2025
التحول
من الواضح أنّ نهج التودّد الصيني ومحاولة التقارب مع ترامب لم تكلل بالنجاح. فبعد وقتٍ قصير من دخوله البيت الأبيض، بدأ ترامب حملة الرسوم الجمركية، مركّزًا فيها على الصين. ويبدو أنّ ترامب كان واثقًا من قدرته على إخضاع الصينيين من خلال الرسوم الجمركية، وجرّهم إلى التفاوض من موقفٍ ضعيف.
وظهر ذلك من خلال تعليق ترامب على الرد الصيني الأوّلي على رسومه الجمركية، حيث قال إنّ الصين "أخطأت في التعامل"، معتبرًا أنها "أصيبت بالذعر، وهو الشيء الوحيد الذي لا يمكنها تحمّله". كما أشار ترامب إلى أن بكين أرادت إبرام صفقة، لكنها "لا تعرف كيف تتصرف" وفق قوله.
تحت تأثير هذه القراءة، ردّ ترامب على الرسوم الصينية الانتقامية بفرض رسوم جمركية كبيرة، مدّعيًا أنها "ستمنع دولًا مثل الصين من الاحتيال على الولايات المتحدة ومواصلة استغلالها"، لكنّ ردّ الصين على تلك الرسوم بالمثل، كان بمثابة إعلان من الرئيس الصيني تشي جين بينغ، عن ترْك سياسة الحذر والركون إلى المواجهة.
وأفادت أربعة مصادر تحدثت لـ"رويترز" أنّ دبلوماسيين صينيين تواصلوا مع حكومات أخرى استهدفتها رسوم ترامب الجمركية، بما في ذلك دول تصنّف على أنها حليفة للولايات المتحدة (دول في أوروبا، إضافةً إلى اليابان وكوريا الجنوبية).
ترامب يعلّق حلحلة الأزمة على لقائه بتشي
سبق لوزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك أن صرّح بأنه "لا يتواصل مع الصين"، قائلًا إنّ "ترامب يريد التفاوض مباشرة مع شي"، ولعلّ هذا ما يفسِّر رفض المسؤولين الأميركيين التعاطي مع نظرائهم الصينيين.
وهذا الأسبوع صرح ترامب للصحفيين، بأنه مستعد للقاء شي، الذي وصفه بـ"الصديق"، مؤكدًا إمكانية التوصل إلى "عقد صفقة مع الصين" دون ذكر تفاصيل حول تلك الصفقة.
لكن على الجانب الآخر، لا يبدو أن الرئيس الصيني مستعد لطلب لقاءٍ مع ترامب، وهذا ما أكدته عدة مصادر لـ"رويترز"، لأنّ مثل هذا الطلب سيكون بمثابة خضوعٍٍ من بكين لواشنطن. وفي هذا الصدد، تنقل "رويترز" عن خبير العلاقات الدولية بجامعة فودان شنغهاي، تشاو مينغهاو قوله إن مثل هذا التواصل "لا ينجح على الإطلاق في ظل نظام صنع السياسات الصيني".