22-يونيو-2016

(Getty)

أظهرت الأيام العشر الأخيرة، تصادمًا حادًا، بين قطبي الحرب الباردة التي شهدها القرن الماضي، قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما تظهره فعليًا التصريحات المتبادلة بين واشنطن وموسكو، المتعلقة بالشأن السوري، من ناحية دعم الأخيرة لنظام بشار الأسد هذا أولًا، ودخولها في صراع عسكري ضد حلف الناتو، بعد نشر واشنطن لمنظومة الدفاع الصاروخية في دول أوروبية، ما جعل موسكو تعتبره تهديدًا مباشرًا لها.

التصعيد العسكري بين روسيا وأمريكا في سوريا، بدأ عندما استهدفت المقاتلات الروسية الأسبوع الفائت معسكرًا لـ"جيش سوريا الجديد" المدعوم من واشنطن

والواضح أكثر في صراع التصاريح، والبيانات المتبادلة بين الدولتين اللتين تعتبران من أكثر الدول الفاعلة في سوريا، ظهور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، هادئًا في معظم تصريحاته، على عكس المسؤولين الروس، الذين يصعدون من لهجتهم السياسية تجاه واشنطن.

اقرأ/ي أيضًا: هدنة حلب..هل توقف زحف المعارضة في الريف الشمالي؟

التصعيد العسكري بدأ فعليًا، عندما استهدفت المقاتلات الروسية يوم الخميس الفائت معسكرًا لـ"جيش سوريا الجديد"، المدعوم من واشنطن، في قرية التنف على الحدود السورية-العراقية، رغم تدخل طائرات الـ F18 الأمريكية، في محاولة منها لمنع موسكو من تنفيذ الضربات الجوية.

الرد الأمريكي جاء في اليوم التالي عبر رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية ديفيد غولدفين، الذي طلب من مجلس الشيوخ السماح بإسقاط المقاتلات الروسية والسورية التي تخرق الحظر الجوي المراد فرضه، وهذه الأخيرة، أي المنطقة الآمنة، أضحت بعيدة المنال حتى في أحلام جميع حلفاء المعارضة السورية.

من جهته وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، استبق تصريح غولدفين بيومين، عندما قال إن "على روسيا أن تفهم أن صبرنا ليس بلا حدود. وفي الواقع هو محدود جدًا فيما يتعلق بمعرفة ما إذا كانت ستتم محاسبة الأسد أم لا".

الرد الروسي كان دبلوماسيًا في بداية الأمر، عندما عبر عنه لافروف قائلاً: "لم نقدم أي التزامات أو وعود لأحد"، والمقصود هنا سوريا، ألحقه يوم الاثنين الفائت رئيس هيئة الأركان الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف بتصريح حاد اللهجة: "نحن من نفد صبرنا حيال الوضع في سوريا وليس الأمريكان".

اقرأ/ي أيضًا: هل تتحول داعش لنسخة أخرى من القاعدة؟

ما سبق كان نموذجًا عما يظهر من تباين في الآراء، يظهر أن الجولة الجديدة من مباحثات السلام السورية في جنيف، لا يزال انعقادها مجهول المصير، وبالأخص أن المقاتلات الروسية بدأت تستخدم القنابل الفسفورية في قصفها لريفي حلب وإدلب، وزاد عليها الصور التي نشرها موقع "روسيا اليوم" الإلكتروني، لمقاتلات روسية محملة بالقنابل العنقودية المحرمة دوليًا.

حتى اللحظة تحاول موسكو أن تدخل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في سوريا، حيث لا تزال تملك شرعية مهزوزة في تدخلها العسكري لدعم حليفها بشار الأسد، الذي تحاول جاهدة إعادة الشرعية الدولية لحكومته، وهو ما ظهر واضحًا من لقائه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الذي تفقد منظومة الدفاع الصاروخية "S 400" في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، والتقى على هامشها مع الأسد.

ولا بد هنا من التذكير، أن موسكو يرهق كاهلها وجود "جبهة النصرة"، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، أكثر من تنظيم "الدولة الإسلامية"، كون الأولى لديها تحالفات واسعة في الخريطة العسكرية السورية، ما يجعل الموقف إزاء وجودها معقدًا، عكس الأخيرة التي تحارب لوحدها على كافة جبهات الشرق الأوسط، وحتى اللحظة لا تعترف موسكو بأي من فصائل "جيش الإسلام، حركة أحرار الشام الإسلامية"، التي تحاول جاهدة استهدافهما رغم معارضة واشنطن الواضحة.

استهداف المقاتلات الروسية لـ"جيش سوريا الجديد"، أو استخدامها الأسلحة المحرمة دوليًا، ليس إلا نوعًا من محاولة معرفة رد واشنطن، التي تلتزم بالتعبير عن غضبها في التصاريح والبيانات اليومية، وهو ما يعني أن إدارة أوباما لا تريد أن تدخل في أي من الصراعات في الوقت الحالي، كونه على أبواب تسليم مفاتيح البيت الأبيض.

وبات من الواضح أن موسكو، ممسكة بيد من حديد، بخيوط كل الحلول المطروحة، أو التي ستطرح لإنهاء الحالة السورية المستعصية داخليًا ودوليًا، يدعمها موقفها الجذري من قضية رحيل بشار الأسد، إذ لا تزال مصرة على بقائه خلال المرحلة الانتقالية، وأن تشكل حكومة مشتركة بين المعارضة وقيادات من النظام السوري، محاولةً إدخال عدة وفود جديدة على المعارضة السورية، ما يجعل أي من الفرص المساعدة على إنهاء الأزمة السورية، مجرد خيال لا أكثر، طالما أن الفيتو الروسي-الصيني المشترك، سيظل حاضرًا حتى اللحظة في جلسات مجلس الأمن المتعلقة برحيل الأسد أو محاسبته.

اقرأ/ي أيضًا: 

تاريخ صناعة السلاح في إسرائيل..3 مراحل و3 أهداف

كيف دخلت قوات الحشد الشعبي مدينة الفلوجة؟