16-يناير-2017

مواطن عراقي يقرأ صحيفة الزمان العراقية (صباح عرار/أ.ف.ب)

لعبت الصحافة العراقية دورًا مهمًا منذ أن صدر العدد الأول من صحيفة الزوراء الرسمية في حزيران/يونيو عام 1869 في المجتمع العراقي، إذ ساهمت في بلورة رأي عام يصب باتجاه مصالح وحقوق الشعب العراقي في الاستقلال والحرية والمطالبة بالديمقراطية والانتخابات البرلمانية. واتسع تاريخ الصحافة العراقية في عدد الصحف الصادرة ليصل إلى 69 صحيفة خلال فترة الانقلاب الدستوري العثماني 1908-1914، وفي فترة 1918-1936 صدرت أكثر من 150 صحيفة ومجلة. وبلغت عدد الصحف في العهد الجمهوري الأول 1958-1963 نحو 120 صحيفة ومجلة مثلت مختلف الاتجاهات السياسة والاجتماعية والاقتصادية والدينية، إلا أن صدور قانون الصحافة والطباعة عام 1967 أضرّ بالسلطة الرابعة إذ حاول تأميم الصحافة وجعلها قطاعًا حكوميًا ما ألغى تنوع الرأي والفكر وبالتالي إلغاء حرية الصحافة، وقد مُنحت حرية نسبية بعد ذلك للصحافة عام 1969، إلا أنها سرعان ما قوضت من جديد عام 1975، لتختزل الصحف العراقية في ثلاث هي "الثورة" و"الجمهورية" و"العراق"، بالإضافة إلى صحيفة "طريق الشعب"، التابعة للحزب الشيوعي العراقي والتي كانت محاصرة من قبل نظام البعث لحين توقفها نهائيًا عام 1978.

ساهمت الصحف العراقية أوائل صدورها في العام 1869 في بلورة رأي عام يصب في مصالح الشعب وحقوقه

وفي جميع هذه المراحل، مرّت الصحافة العراقية بمراحل من العافية والنكوص، فكانت متأثرة تارة بالوضع السياسي، أو متخلصّة من تبعيته ومعارضة له، إلا أن المشهد الصحفي العراقي بعد احتلال بغداد في نيسان/أبريل عام 2003 اتسم بطابع فوضوي أفقده تأثيره في الشارع العراقي، وحوّله إلى منصّة حزبية. وقد أسهم قرار الحاكم الأمريكي المدني لسلطة الاحتلال بول بريمر القاضي بحل وزارة الإعلام العراقية في نيسان/أبريل 2003 في إشاعة الفوضى الإعلامية، لاسيما وأنه لم يجد بديلًا عن الوزارة.

اقرأ/ي أيضًا: العراق..مافيا الوظائف الحكومية تطيح بآمال الشباب

وقد صدر منذ عام 2003 إلى الآن أكثر من 200 صحيفة بين يومية وأسبوعية ترتبط معظمها بالأحزاب التي تتقدم المشهد السياسي في العراق، فيما يتلقّى بعضها الآخر إما تمويلًا من أحزاب السلطة أو بشخصيات سياسية أورجال أعمال تابعين لتلك الأحزاب من حيث التمويل وبالتالي الارتهان إلى أجندات الجهات الممولة. وعلى اختلاف توجهاتها، انشغلت جلّ الصحف الصادرة في العراق بالترويج لأيديولوجياتها وأفكار الممولين الداعية إلى التركيز على الهويات الثانوية والفرعية على حساب هوية المواطنة الجامعة، الأمر الذي شكل أحد أهم أسباب فشلها كوسيلة إعلامية ذات مصداقية أو انتشار بين الناس. إضافة إلى ذلك، فإن الخط التحريري للكثير من الصحف يضمر مديحًا فجًا للممولين، فضلًا عن وضع الصور الأولى للمسؤولين على صدر الصفحات الأولى، و"مانشيتات" عريضة تتحدّث عن إنجازات وهميّة لقادة الأحزاب لا وجود لها سوى على الورق.

وتغيب في العراق الثقافة الإعلانية إذ تُحتكر الإعلانات الحكومية من قبل بعض الصحف ومكاتب إعلانية تسمى بـ"مافيات الإعلان"، وامتد الفساد إلى هذا المجال ليضع إعلانات الوزارات والمؤسسات الكبيرة تحت نفوذ مكاتب إعلانية تابعة للأحزاب المتنفذة، والتي تساوم الصحف على إعطائها ربع قيمة الإعلان فقط مع احتفاظ تلك المكاتب بباقي المبالغ، فضلًا عن شرط عدم انتقاد المؤسسة المانحة للإعلان.

تسيطر على الصحف العراقية ذهنية طائفية ومذهبية وتتحكم بها الأحزاب وتروج جميعها للتفرقة بين فئات الشعب

ويكشف حجم عدد النسخ المطبوعة للصحف اليومية عن الهوة بين المجتمع والصحافة المكتوبة في العراق. يقول صاحب مطبعة في منطقة البتاويين وسط بغداد، والذي يطبع نحو 9 صحف يومية، أن "صحيفة وحيدة تطبع نحو 4 آلاف نسخة يوميًا، أما بقيّة الصحف فغالبها لا يتجاوز عدد نسخها المطبوعة الألف نسخة". وأشار في حديث إلى "ألترا صوت" إلى أن "هناك صحف نطبع منها 500 نسخة فحسب". وما خلا صحيفة "الصباح" شبه الرسمية، فإن هذا الحال ينطبق على أغلب الصحف الصادرة في العراق اليوم.

ولا يبدو مستغربًا أن لا تعتمد الصحف الورقية العراقية على عائداتها من المبيعات، إذ أشاعت الصحف الحزبيّة اليومية سياسة لشركات التوزيع تكاد أن تكون قاتلة لأي مشروع إعلامي يستهدف التموّل من خلال المبيعات، والاعتماد على الإعلانات، فمنذ عام 2003 تمنح الصحف العراقية النسخ للموزعين من دون أن تنتظر أي عوائد، وهناك الكثير من الصحف التي تمنح الموزع مرتبًا شهريًا يبلغ في بعض الأحيان نحو ألف دولار لقاء توزيع الصحيفة على المكتبات والباعة الجوالين، أو حتّى توزيعها مجانًا.

اقرأ/ي أيضًا: موازنة العراق لعام 2017.."مكانك راوح"

وتبلغ حصّة الأحزاب من الصحف النسبة الأكبر، حيث أصدر الحزب الإسلامي لوحده مجموعة من الصحف منها "البصائر" و"الساعة" و"دار السلام". وأصدر مؤتمر أهل العراق صحيفة "الاعتصام" وصحيفة "المنبر"، وأصدرت هيئة علماء المسلمين "الرافدين"، وتنطوي هذه الصحف على خطاب فئوي للسنة، وهي لا توزّع في جل مناطق العراق، وعلى الجانب الآخر، يمتلك التحالف الشيعي الحاكم صحفه منها "العدالة" و"بدر" للمجلس الأعلى الإسلامي، وصحف "الدعوة" و"بلادي" لحزب الدعوة، وصحيفة "إشراقات" للتيار الصدري، وهي أيضًا تتحدث عن خطاب فئوي داعٍ إلى التفرقة.

تعاني الصحف العراقية اليوم من قلة التمويل السياسي وتم تسريح 600 صحفي في عام واحد

ويصدر التحالف الكردستاني صحيفتي "التآخي" و"الاتحاد"، وائتلاف الوطنية يصدر صحيفة "بغداد" ، وصحيفة "المؤتمر" للمؤتمر الوطني، و"طريق الشعب" للحزب الشيوعي. وهناك الصحف المقربّة من الأحزاب الشيعية مثل "البينة" و"البينة الجديدة"، اللتين كان لهما صوتًا عاليًا وتحريضيًا إبان مرحلة الاقتتال الطائفي في العراق، و"كل الأخبار" و"النهار" و"كل العراق" و"المواطن" و"العهد" و"الدستور". ولا تتجاوز الصحف ذات المصداقية العالية أصابع اليد الواحدة، بالرغم من أنّها أيضًا تصنّف كمقرّبة من بعض الأحزاب كصحيفة "المدى"، أو "الزمان"، أو "المشرق".

وقد أثّرت الأزمة الاقتصادية التي يعانيها العراق جرّاء انخفاض أسعار النفط إلى إغلاق الكثير من الصحف وتسريح نحو 600 صحفي خلال تشرين الثاني/أكتوبر عام 2015، إلى تشرين الأول/أكتوبر عام 2016، ولم ينف الكثير من الصحفيين المسرحين أن حجة المدراء كانت "قلة المال السياسي" المقدم للصحف. وقد ألغت الكثير من الأحزاب تمويل الصحف التي لا تحدث أيّ تأثير في الشارع، أو تقليص الدعم لها، وأخذت الأحزاب البحث عن منصات أخرى لتصل إلى العراقيين مثل مواقع التواصل الاجتماعي، والقنوات التلفزيونية، وهو ما أحال إلى مقتلة الإعلام المكتوب في العراق.

اقرأ/ي أيضًا:

أشباح تلاحق المالكي

رغم الاعتراضات.."الحشد الشعبي" مقننًا في العراق