03-مارس-2019

لا تولي الحكومة قطاع الصحة ما يلزم من الاهتمام (صحف سودانية)

يشهد السودان منذ سنوات أزمة في القطاع الصحي، تتمثل في ارتفاع تكلفة الخدمات العلاجية، وتدهور المرافق الصحية عمومًا، بشكل أثار سخط الأطباء والمرضى معًا. 

لا يحظى القطاع الصحي بأولوية في بنود الصرف الحكومي التي يستأثر محور الدفاع والأمن على النسبة الأعلى منها

ودفع ذلك لجعل الأطباء، أصحاب الأردية البيضاء، رأس حربة الاحتجاجات السودانية الحالية، سواء كان ذلك عبر الإضراب المعلن حاليًا عن الحالات الباردة أو بالاعتصامات، وبدعم وتوجيه مباشرين من لجنة الأطباء المركزية، المناهضة لسياسات الحكومة. 

اقرأ/ي أيضًا: أطباء السودان.. معاناة قبل التخرج وبعده

ولم يحظَ القطاع الصحي بأولوية في بنود الصرف الحكومي، إذ يستأثر محور الدفاع على النسبة الأعلى في الموازنة العامة، بينما تراجعت الصحة تحديدًا إلى أدنى سلم الأولويات، حيث لا تتجاوز عادة 6%.

وكشف وزير المالية والاقتصاد، معتز موسى، عن أن نسبة الصرف على الصحة في موازنة عام 2019 ستبلغ 6%، والنظام العام وشؤون السلامة 5%، مع أن السودان من الدول الموقعة على اتفاقية أبوجا عام 2003، والتي تنص على ألا يقل الصرف على الصحة عن 15% بأي حال.

قصور في التأمين الصحي

كما أعلن موسى عن زيادة الضريبة على التبغ والسجائر من 30% إلى 40%، فيما يبدو أنها زيادة لأسباب اقتصادية أكثر منها صحية، وذلك بهدف زيادة الموارد. 

كما تضمنت جهود الدولة لمعالجة حدة الفجوة بين دخل المواطنين وارتفاع أسعار الخدمات الطبية، تضمين فئات مجتمعية جديدة تحت مظلة التأمين الصحي، حيث بلغت التغطية مايقارب 80% من السكان. فضلًا عن التوسع في منافذ تقديم الخدمات الطبيه وانتشار مواعينها في عدد من ولايات السودان، وذلك وفقًا لطلال المهدي، المدير العام للتأمين الصحي.

الصحة في السودان
لا يأتي قطاع الصحة في السودان ضمن أولويات الموازنة العامة

غير أن تلك التغطية واجهتها جوانب من القصور، أهمها خروج كثير من أدوية الأمراض المزمنة من مظلة التأمين، وعدم توافق الشركات المستوردة للأدوية مع السياسات الحكومية، إلى جانب مركزية التأمين في بعض جوانب العلاج وإجراء العمليات. 

تجليات الأزمة 

وانسحبت تجليات أزمة القطاع الصحي على الأوضاع السياسية بصورة ما، وذلك بسبب إمبراطوريات الفساد المحتكرة لاستيراد الدواء والتحكم في أسعاره، إلى جانب الصراع بين وزارة الصحة في ولاية الخرطوم والوزارة المركزية، والإمدادات الطبية من جهة أخرى، وهو ما أطاح مؤخرًا بوزير الصحة الاتحادي محمد أبوزيد المصطفى.

هذا وأرجعت مصادر صحفية أسباب إقالة أبوزيد، إلى خلافات إدارية متجذرة داخل وزاة الصحة، إضافة إلى قضية الدواء المدعوم، كون الحكومة تدعم استيراد الدواء بنحو 200 مليون دولار شهريًا، غير أن تحرير سعر الدواء تسبب في ارتفاع جنوني في سعره السوقي وفي الخدمات العلاجية عمومًا.

مؤشرات خطيرة 

وبالحديث عن مجمل الوضع الصحي في السودان، حاول الطبيب أسامة أحمد، قراءة المؤشرات الكلية، وعلى رأسها معدل وفيات الأمهات أثناء الولادة، والذي بلغ 260 لكل 100 ألف حالة ولادة، وذلك وفقًا لوزارة الصحة، أو 400 لكل 100 ألف مولود بحسب الجهاز الإحصائي المركزي. وتأتي السودان ضمن الأسوأ عالميًا في هذه المعدلات. فضلًا عن أن التضارب في الأرقام بين وزارة الصحة والجهاز الإحصائي، لافتة للانتباه.

الصحة في السودان
تأزم وضع قطاع الصحة في السودان جعل الأطباء على رأس الاحتجاجات

وأشار أسامة في تدوينته على فيسبوك، إلى أن معدل وفيات المواليد بلغ 80 لكل ألف مولود، في حين بلغ الصرف على الصحة خلال السنوات الماضية ما بين 1% و4% من الميزانية العامة، ما يعني في المحصلة أقل من 100 دولار لكل مواطن في العام. وفي أحسن الأحوال، استنادًا إلى التقارير الحكومية، بلغ الصرف 8% من الموازنة العامة.

من جهة أخرى فإن معدل الأطباء بالنسبة للمواطنين انخفض من طبيب واحد لكل 2700 مواطن في 2010، إلى حوالي طبيب واحد لكل خمسة آلاف مواطن، بينما المعدل القياسي هو طبيب واحد لكل 600 مواطن.

هجرة ونقص في الكوادر

ولعل أكثر ما هو لافت، أنه رغم تخريج الجامعات السودانية لعشرات الأطباء سنويًا، إلا أن ثمة نقصًا حادًا في عدد الكوادر الطبية وذوي التخصصات النوعية، أرجعه البعض إلى هجرة الأطباء للخارج بحثًا عن الاستقرار.

الصحة في السودان
في السودان هناك على الأقل 700 مركز صحي مغلق لعدم توفر كوادر طبية

وعطفًا على ذلك، هناك ما يقارب 700 مركز صحي مغلق لعدم توفر طبيب أو حتى كادر آخر يقوم بتشغيله. وفي المحصلة، يقبع السودان حاليًا في قائمة أسوأ عشرة دول من ناحية جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين. 

وربما لتلك المشاكل المزمنة في القطاع الصحي، أصبح الأطباء أو ما يعرفون بأصحاب الأردية البيضاء في مواجهة النظام الحاكم، كونهم المعنيين بالمخاطر في المقام الأول، وتتسرب من بين أيديهم أرواح المرضى بسبب النقص في الخدمات العلاجية.

ودفع ذلك بلجنة الأطباء المركزية، إلى إعلان الإضراب في مستشفيات السودان والعيادات المحولة، إضرابًا عن الحالات غير الحرجة فقط، بعد أن تسببت مشاكل القطاع الصحي في تعرضهم للشتم والسب والضرب المؤذي في أحيان كثيرة من قبل المرافقين والمرضى، وبسبب نهج الدولة، إلى جانب مشاكل الدواء والعلاج وسوء التشخيص.

بسبب المشاكل المزمنة في القطاع الصحي بالسودان لم يتوان الأطباء عن المشاركة في الاحتجاجات ضد النظام الحاكم

ولعل هذا النقص كان الدافع للعديد من الشباب، للتطوع في منظمات المجتمع المدني للقيام بمهام تقصّر عن أدائها الحكومة، مثل إقامة المخيمات العلاجية ومساعدة المرضى الفقراء، وتهيئة المرافق الصحية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عن أطباء السودان والبلاد التي تكتب الآن

تجمع المهنيين السودانيين.. ماتدور غاضب يلاعب ثور السلطة