الصحة النفسية للاعبي كرة القدم من الإنكار إلى الاعتراف

في سياق اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يصادف 10 تشرين الأول/أكتوبر، سلطت منظمة اللاعبين المحترفين العالمية FIFPRO الضوء على دراسة "دريك فوتبول" التي تُعد من أبرز المبادرات البحثية في مجال الصحة النفسية والبدنية للاعبي كرة القدم، وذلك من خلال مقابلات مع لاعبين فنلنديين حاليين وسابقين شاركوا في الدراسة.

مشروع بحثي يمتد لعقد من الزمن

أُطلقت دراسة "دريك فوتبول" عام 2019 كمشروع يمتد لعشر سنوات، ويهدف إلى تتبع الصحة البدنية والنفسية لنحو 170 لاعبًا ولاعبة من محترفي كرة القدم، بدءًا من مراحلهم المهنية وصولًا إلى مرحلة الاعتزال. وتُنسق الدراسة من قبل FIFPRO، بتمويل أولي من مؤسسة دريك، وبدعم من مراكز أمستردام الطبية الجامعية، ومؤسسة "ميهيلاينن" الفنلندية، وشركة "بوش سبورتس" الهولندية.

تكشف دراسة "دريك فوتبول" عن تحول جوهري في تعامل الوسط الكروي مع الصحة النفسية، من الإنكار والصمت إلى الاعتراف والبحث العلمي

قال كيتون إيساكسون، لاعب وسط نادي يارفينبا الفنلندي، إن الدراسة "مهمة لأنها تتيح لك التعبير عن نفسك بطريقة لا تستطيعها في الظروف العادية"، مشيرًا إلى أن المشاركة في البحث تمنح اللاعبين مساحة آمنة للتحدث عن تجاربهم النفسية.

أما داني هاتاكا، الذي اعتزل اللعب عام 2023 ويشغل حاليًا منصب رئيس مجلس اتحاد اللاعبين الفنلنديين، فقد أشار إلى تغير النظرة تجاه الصحة النفسية داخل الوسط الكروي، قائلاً: "عندما بدأت اللعب قبل أكثر من عشر سنوات، لم تكن الصحة النفسية تُذكر على الإطلاق. من الجيد أنها أصبحت تُناقش الآن، لكن لا يزال هناك الكثير مما يجب فعله."

البيانات من أجل مستقبل أفضل

أكيم سايرينن، مدافع نادي توركو، يرى أن البيانات التي تُجمع حاليًا من المشاركين في الدراسة ستُسهم في تحسين حياة اللاعبين مستقبلاً، قائلاً: "أعتقد حقًا أن هذه الدراسة توفر معلومات مهمة للاعبين وللقائمين عليها لتجنب الإصابات والمشاكل النفسية. أكثر ما تعلمته منها هو كيف تحسنت صحتي النفسية وتغيرت طريقة تفكيري. عندما تكون أكثر هدوءًا، وبدون ضغط في رأسك، فإن ذلك ينعكس مباشرة على أدائك في الملعب".

تيمي لاهتي، مدير التواصل في اتحاد اللاعبين الفنلنديين، والذي لعب لـ13 عامًا في أندية محلية وأوروبية، تحدث عن التحول الثقافي داخل غرف الملابس، قائلاً: "عندما بدأت مسيرتي عام 2007، كان الجو مختلفًا تمامًا. إذا واجه اللاعبون مشاكل، كانوا يفضلون كتمانها. أما الآن، فالأجواء أكثر انفتاحًا، واللاعبون مستعدون لطلب المساعدة، وهذا أمر إيجابي".

الأعراض النفسية في كرة القدم النسائية

النتائج المنشورة العام الماضي من الدراسة كشفت عن مؤشرات مقلقة في كرة القدم النسائية. فقد أظهرت أن واحدة من كل خمس لاعبات عانت من اضطرابات في الأكل خلال فترة 12 شهرًا، بينما أبلغت 55% منهن عن ضغوط نفسية رياضية، وهي نسبة تتماشى مع ما يُسجل في الرياضات النخبوية الأخرى. كما أبلغت 3% منهن عن تعاطي مواد مخدرة.

يقود الدراسة طبيًا البروفيسور فنسنت غوتبارج، المدير الطبي في FIFPRO، بالتعاون مع البروفيسور جينو كيركهوفس، رئيس قسم جراحة العظام والطب الرياضي في مراكز أمستردام الطبية الجامعية، ما يمنح المشروع مصداقية علمية عالية ويعزز من فرص تأثيره على السياسات الرياضية والصحية مستقبلاً.

تكشف دراسة "دريك فوتبول" عن تحول جوهري في تعامل الوسط الكروي مع الصحة النفسية، من الإنكار والصمت إلى الاعتراف والبحث العلمي. وبينما لا تزال التحديات قائمة، فإن هذا المشروع يمثل خطوة استراتيجية نحو بيئة رياضية أكثر إنسانية وتوازنًا، حيث يتم النظر إلى اللاعب ليس فقط كأداة تنافسية، بل ككائن بشري له احتياجات نفسية لا تقل أهمية عن اللياقة البدنية.