17-سبتمبر-2018

جاء اعتراف فرنسا بموريس أودان عنصريًا وناقصًا (تويتر)

ألترا صوت - فريق التحرير

هل ناضل الجزائريون من أجل أن تعترف فرنسا بجرائمها المختلفة في حقّهم على مدار 132 سنة من احتلالهم بالحرارة نفسها، التّي ناضلوا بها من أجل إخراجها وافتكاك الاستقلال عنها؟ كان ذلك قبل 56 عامًا، ارتفعت خلالها أصوات شعبية وحكومية للحصول على هذا الاعتراف، لكن سرعان ما كانت تخبو أمام إصرار الحكومات الفرنسية المتعاقبة على تمجيد الفترة الفرنسية في الجزائر، إلى درجة أن البرلمان في باريس عام 2005 جعل لذلك التّمجيد قانونًا يُكرّسه ويحميه.

كبر أطفال موريس أودان، فصاروا خبراء دوليين في الرّياضيات، وكبرت جوزيت فصارت بطيئة الخطوة والنّظرة، لكنّ إصرارها وتأثيرها كانا يكبران معها حتّى تحوّلت إلى أيقونة

في المقابل، كانت جوزيت أرملة أستاذ الرّياضيات والمناضل في صفوف الثورة الجزائرية الشهيد موريس أودان، الذي اختطفته المخابرات الفرنسية وهو مع أطفاله الثلاثة أمام عينيها عام 1957، فعذّبته ثم قتلته، تناضل منذ ذلك الوقت لحمل السّلطات الفرنسية على الاعتراف بجريمتها في حقّ زوجها، من غير أن تملّ أو تيأس أو تخضع للمساومات التي تلقتها على مدار 61 عامًا.

كبر أطفال موريس أودان، فصاروا خبراء دوليين في الرّياضيات، وكبرت جوزيت فصارت بطيئة الخطوة والنّظرة، لكنّ إصرارها وتأثيره في المحافل الفرنسية والدّولية كانا يكبران معها حتّى تحوّلت إلى أيقونة في الوفاء للزّوج والدّفاع عن الذّاكرة.

راسلت الرّؤساء المتعاقبين على قصر الإليزيه ورؤساء حكوماتهم ومنظمات حقوق الإنسان، وكتبت مقالات وأجرت مقابلات إذاعية وتلفزيونية وفتحت بيتها للإعلاميين ومناضلي حقوق الإنسان.

غير أنّ هذا البيت الرّمز استقبل يوم 13 أيلول/سبتمبر الجاري ضيفًا غير متوقّع هو الرّئيس إيمانويل ماكرون، الذّي دخل البيت في صمت مهيب وصافح صاحبته بحرارة وجالسها في هدوء، بحضور ابنتها ميشيل وابنها بيار، وراح يعترف لها بضلوع المصالح الفرنسية في اختطاف زوجها وتعذيبه وقتله.

اقرأ/ي أيضًا: الشهيد موريس أودان.. مصائر ثورة غير مصرح عنها

بحسب النّائب في البرلمان الفرنسي عن حركة "إلى الأمام" وأستاذ الرّياضيات سيدريك فلّاني، الذي كان له دور حاسم في ترتيب هذا الاعتراف، فإنّ الرّئيس قال لجوزيت أودان إنّه رغم أنّ الجريمة وقعت على أيدي البعض، إلا أنّ ذلك كان في إطار نظام شرعي وقانوني، أي أنّ المسؤولية الرّسمية قانونيًا وأخلاقيًا قائمة.

وقالت عائلة أودان إنّ اعتراف الرّئيس ماكرون "يدخل في إطار محاربة سياسة التعذيب التي استخدمت كأداة للقمع ونشر الرعب في العالم". وطالب بيار أودان في تصريحات صحفية من أسماهم بـ"شهود ثورة التّحرير" إلى تسليم الوثائق الخاصة بالاختفاءات القسرية، "فما هذه إلا بداية الحقيقة" في إشارة إلى اعتراف الرّئاسة الفرنسية بما حصل لوالده.

 في اليوم نفسه نشر موقع جمعية موريس أودان وثائق عن ضلوع المصالح الفرنسية في اختطاف جزائريين وأوروبيين مساندين للثورة الجزائرية ما بين شهري فبراير/شباط وآب/أغسطس من عام 1957.

في ذات السّياق، بادر المؤرّخ الفرنسي فابريس ريسيبوتي إلى إطلاق موقع إلكتروني يعنى بجمع شهادات من البلدين عن الاختفاء القسري، ويقدّم 1000 وثيقة من أرشيف محافظة الشّرطة الفرنسية في الجزائر العاصمة انطلاقًا من عام 1957، تحوي شكاوى لجزائريين وفرنسيين اختفى أهاليهم ولقي معظمهم مصير موريس أودان.

في الطرف الجزائري، انقسمت الانطباعات الخاصّة بخطوة الرّئيس الفرنسي بين من ثمّنها ومن اعتبرها اعتذارًا منقوصًا، ومن قرأها اعترافًا بالتّقسيط سينتهي يومًا باعتذار كامل، كما يُطالب الجزائريون.

وفي تصريح للصّحافة الجزائرية قال وزير المجاهدين الطيّب زيتوني، إنّه يرحّب بالخطوة الفرنسية ويعتبرها مهمّة لمعالجة ملفّ الذاّكرة، وأنّها ستدفع نحو المزيد من الاعترافات بما ارتكبته فرنسا خلال فترة استعمارها للجزائر.

وفي تدوينة في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك، قال عبد الرزاق مقري رئيس "حركة مجتمع السّلم" أكبر الأحزاب الإسلامية الممثّلة في البرلمان: "لا شكّ أنّ موريس أودان بطل من أبطال الثورة التحريرية الجزائرية، ونحن نعتز به، حتى وإن كان اسمه موريس. ولكن حينما يعتذر الرّئيس الفرنسي لعائلة موريس أودان فقط يظهر حقيقة العنصرية الفرنسية، وعدم اعتباره الملايين من الجزائريين الذين عُذبوا وقتلوا بشرًا".

اقرأ/ي أيضًا: ما معنى أن تكون سليلًا لثورة التّحرير الجزائرية؟

وأضاف مقري: "سيدرك الرّئيس الفرنسي يومًا ما أنّ الانتهاكات، التّي وقعت للإنسان الجزائري الذي اسمه محمّد وعبد الله والدرّاجي والعيّاشي والهوّاري وعائشة وفاطمة والعارم والبتول ولونيس وإيدير وما شابه، هي كذلك جرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم حرب لا تتقادم بمرور الزّمن".

 نشر موقع جمعية موريس أودان وثائق عن ضلوع المصالح الفرنسية في اختطاف جزائريين وأوروبيين مساندين للثورة الجزائرية ما بين شهري شباط/ فبراير وآب/ أغسطس من عام 1957

من جهتها، استنكرت الكاتبة الجزائرية المقيمة في فرنسا فايزة مصطفى غياب ممثلين عن حزب جبهة التّحرير الوطني الحزب الحاكم في الجزائر باسم الشّرعية الثّورية، عن حدث تدشين ساحة باسم موريس أودان في فرنسا، بالموازاة مع الاعتراف الفرنسي بالمسؤولية عن مقتله، فيما قال النّاشط عقبة بوعافية لـ"الترا صوت" إنّ على الجزائريين أن يبنوا على الخطوة الفرنسية لمباشرة حملة جديدة تهدف إلى افتكاك اعتراف فرنسا الرّسمية بجرائمها في حقهم.

يقول بوعافية: "تأخرنا كثيرًا ووقعنا في خطأ كبير هو أنّنا سايرنا الهوى الفرنسي في هذا الباب أكثر من احتكامنا إلى إرادتنا. فرنسا لن تعتذر إلا ضغطًا وهو ما يجب أن نمارسه". 

 

اقرأ/ي أيضًا:

إعادة الاعتبار إلى شاعر الثورة الجزائرية

هل أساء فيلم أحمد راشدي الجديد للثّورة الجزائرية؟