29-مايو-2019

يحاول النظام السوري فرد سيطرته على آخر معاقل المعارضة (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

يواصل النظام السوري مدعومًا بسلاح الجو الروسي حملته العسكرية التي بدأها قبل أكثر من شهر على آخر معاقل المعارضة السورية في شمال غرب سوريا، محاولًا توسيع مناطق نفوذه في المنطقة بعدما استعاد السيطرة على بلدة كفرنبودة بريف حماة الشمالي، مخلفًا دمارًا واسعًا في البنية التحتية، وأدى استعادة البلدة لمقتل ونزوح المئات من المدنيين في المنطقة، وسط محاولات تركية لإبرام اتفاق مع موسكو لوقف إطلاق النار.

ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الحملة العسكرية التي بدأها النظام السوري في مناطق خفض التصعيد شمال غربي سوريا، أودت بحياة ما لا يقل عن 351 مدنيًا بينهم 86 طفلًا و74 امرأة

واشنطن ومجلس الأمن ينددان بالهجمات العشوائية

قال وزير الدفاع التركي خلوصي آكار الأربعاء إن أنقرة تواصل اتصالاتها مع موسكو من أجل الإعلان عن وقف لإطلاق النار بإدلب في أقرب وقت، وتوقع أن تستخدم روسيا نفوذها على النظام السوري لإجباره على وقف الهجوم الذي تتعرض له المنطقة، مشيرًا إلى أن روسيا "لديها اتصالات مختلفة وتعمل في هذا الصدد".

اقرأ/ي أيضًا: الجنوب السوري.. حصار واعتقالات وصراع خفي بين حلفاء الأسد

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الحملة العسكرية التي بدأها النظام السوري في مناطق خفض التصعيد شمال غربي سوريا (محافظة إدلب، ريف حماة، وريف اللاذقية) أودت بحياة ما لا يقل عن 351 مدنيًا بينهم 86 طفلًا و74 امرأة، سقط منهم 301 مدني منذ نهاية الشهر الماضي، في حملة عسكرية وصفها نشطاء بأنها الأعنف في المنطقة منذ قرابة 15 شهرًا، ويوم الأحد الفائت قصف النظام السوري بقنابل الفوسفور الحارق جنوب إدلب ما أدى لنشوب حرائق في المحاصيل الزراعية.

وطالبت الخارجية الأمريكية أول أمس النظام السوري وموسكو بإيقاف الهجمات العشوائية التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية العامة، واصفًة ما يحدث بالمنطقة بأنه "تصعيد طائش للصراع وأمر غير مقبول"، في الوقت الذي أعلنت باريس امتلاكها دلائل تثبت استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية في واحدٍ من هجماته التي شنها على محور بلدة الكبانة بريف اللاذقية الشمالي.

وخلال جلسة لمجلس الأمن حول الأوضاع الإنسانية في سوريا، قالت المسؤولة الأممية أورسولا مولر إن التصعيد العنيف الذي تشهده المنطقة أدى لتشريد قرابة 270 ألف مدني، كما أوقفت ما لا يقل عن 49 مرفقًا صحيًا أنشطتها جزئيًا أو كليًا خشية تعرضها للقصف، مشيرًة إلى أن تعليق العمليات الإنسانية في المناطق التي تتعرض للقصف أثر على 600 ألف شخص من المستفيدين منها، فيما يأوي الشمال السوري أكثر من ثلاثة ملايين مدني.

الحرائق تلتهم ثلث الأراضي السورية

ونشر موقع ديجيتال جلوب إنك صورًا ملتقطة عبر الأقمار الصناعية تظهر احتراق المحاصيل الزراعية في المنطقة، وكشفت الصور الملتقطة تصاعد أعمدة الدخان من الريف المحيط بقرية الهبيط في إدلب وبلدة كفر نبودة التي استعاد النظام السوري السيطرة عليها، مشيرًا إلى أن الصور أظهرت رقعًا من الأرض المحروقة، وحقولًا اسودت من الحرائق ومباني مدمرة.

لكن احتراق المحاصيل الزراعية لا يقتصر على المنطقة التي تشهد تصعيدًا عسكريًا، إنما امتد ليشمل أجزاء واسعة من مساحات الأراضي الزراعية المنتشرة في البلاد، بعدما تداول نشطاء مقاطع مصورة تظهر احتراق المحاصيل الزراعية في محافظة الرقة التي تتقاسم قوات النظام من طرف، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مدعومًة من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن من طرف آخر، السيطرة عليها.

وأشارت تقارير صحافية إلى أن الحرائق التي عمّت الأراضي الزراعية امتدت لتشمل كافة الأرياف السورية، حيثُ اندلع أكثر من 272 حريقًا في ريف حلب، و200 حريق في ريف درعا، فيما قدرت المساحات التي اندلعت بها الحرائق في ريف حماة بأكثر من 125 ألف دونم،كما اندلع في أرياف حمص 300 حريق، وفي السويداء نشب أكثر من 223 حريقًا منذ بداية الشهر الجاري.

وقدّرت تقارير أن ثلث الأراضي الزراعية في سوريا تعرضت خلال الشهر الجاري للحرائق نتيجة أسباب متفاوتة، ففي الوقت الذي تسببت هجمات النظام بنشوب الحرائق في أرياف إدلب وحماة واللاذقية، فإن ارتفاع الحرارة، وعدم جهوزية مراكز الإطفاء التابعة للنظام السوري ساهمت بانتشار الحرائق في المناطق الخاضعة لسيطرته.

المعارضة السورية تتلقى دفعة أسلحة جديدة من أنقرة

عقدت فصائل المعارضة السورية المنضوية ضمن الجبهة الوطنية للتحرير بالاشتراك مع هيئة تحرير الشام (هتش) التي تسيطر على المساحة الأكبر من شمال غرب سوريا يوم الأحد الفائت، اجتماعًا في مدينة إدلب، لبحث آخر التطورات التي تشهدها المنطقة عقب سيطرة النظام السوري على كفرنبودة، وأظهرت صورة متداولة للاجتماع عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حضور القائد العام لهتش أبي محمد الجولاني، إلى جانب القياديين في حركة أحرار الشام الإسلامية جابر علي الشيخ وحسن صوفان، وقائد حركة صقور الشام أبو عيسى الشيخ، وقائد جيش العزة جميل صالح.

وتقع بلدة كفرنبودة التي تشكل أهمية استراتيجية للنظام السوري شمال غرب حماة قرابة 50 كم، وهي تتبع إداريًا لناحية السقليبية التابعة لمدينة حماة، وتكمن أهميتها الاستراتيجية باعتبارها خط الدفاع الأول للمعارضة السورية عن محافظة إدلب، وهي تمثل بوابة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال السوري لوقوعها على الحدود الإدارية مع ريف إدلب الجنوبي، وخط الوصل بين محافظتي إدلب وحماة، ونقطة الربط بين ريفي حماة الغربي بريفها الشرقي.

فواز هلال رئيس حكومة الإنقاذ التابعة لهتش، التي تشرف على الشؤون الخدمية والمدنية في غالبية الشمال السوري، أكد في حديث لوكالة رويترز أن الحملة العنيفة التي تشهدها المنطقة في حال تمكن النظام من كسر خطوط دفاعات المعارضة في أرياف حماة وإدلب فإنه لن يتوقف إلا عند الحدود السورية – التركية.

فقد أكد نائب وزير الخارجية في حكومة النظام السوري فيصل المقداد خلال حوار مع قناة الميادين الموالية للنظام السوري مطلع الشهر الجاري، أن "القرار السوري موجود بتحرير كل ذرة تراب من الأراضي السورية وإدلب ليست استثناء" على حد تعبيره.

وكشفت مصادر في المعارضة السورية حصولها على أسلحة جديدة من أنقرة لصد الهجوم البري الذي ينفذه النظام السوري مدعومًا بسلاح الجو الروسي على المنطقة، مشيرًة إلى أن الأسلحة شملت عشرات المركبات المدرعة، ومنصات إطلاق صواريخ غراد، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات، وصواريخ تاو، فيما كشف مصدر غربي بحسب وكالة رويترز منح واشنطن "الضوء الأخضر" لمقاتلي المعارضة المعتدلة لاستخدام صواريخ تاو التي كانت مخزنة لديهم لصد الهجمة العسكرية على المنطقة.

 دلالات التصعيد الروسي في الشمال السوري  

يشير التصعيد الروسي بالاشتراك مع النظام السوري في المنطقة لوجود خلافات حول بعض النقاط مع أنقرة، حيث إن الأسباب التي تدفع موسكو للتصعيد بهذا الشكل العنيف في المنطقة، بحسب ما تشير تقارير صحفية، ترجع للغضب الروسي من وصول المفاوضات بين أنقرة وواشنطن حول شرق الفرات إلى مرحلة متقدمة، ورغبة موسكو في سحب أوراق مهمة من يد المعارضة السورية في المنطقة، ومحاولتها الضغط عسكريًا للحصول على ليونة في الموقف التركي بما يخص فتح الطرقات الدولية التي تصل حلب ودمشق وحلب واللاذقية.

وكان خبراء اقتصاديون أشاروا إلى أن محاولات النظام السوري السيطرة على المنطقة تجعله يشرف على طريقي M5 وM4 الإستراتيجيين من إدلب إلى حماة واللاذقية على ساحل البحر المتوسط، وهما اثنان من أهم الشرايين الاقتصادية في سوريا، وأشار الخبراء إلى أن فتح الطرق التجارية وطرق السفر عبر محافظة إدلب سيؤكد من جديد سيطرة النظام السوري على طرق شرايين الاقتصاد السوري.

وتأتي الأهمية الاقتصادية على قائمة أبرز الأسباب التي تدفع النظام السوري لاستعادة الطرق نتيجة الانهيارات الاقتصادية التي تشهدها مناطق سيطرته، لكن الأمر قد لا يتوقف عند ذلك نظرًا لرغبة النظام استعادة السيطرة على كافة المنطقة، وهو ما عكسه نائب رئيس البرلمان في النظام السوري نجدت إسماعيل أنزور في تصريحه لصحيفة الوطن الموالية عندما كشف عن وجود "سيناريوهات مشابهة لما جرى في غوطة دمشق وحلب من فتح ممرات إنسانية لتجنيب المدنيين وخروجهم"، في إشارة لعمليات التهجير القسري التي شهدتها تلك المناطق خلال العامين الفائتين ضمن مخطط التغيير الديموغرافي الذي يعمل عليه النظام السوري وحلفائه.

اقرأ/ي أيضًا: ريف اللاذقية إلى واجهة التصعيد.. هل تحافظ المعارضة على مواقعها الإستراتيجية؟

ورأى مركز جسور للأبحاث في ورقة تقدير موقف حول التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة أن تدخل الجبهة الوطنية للتحرير مزودًة بأسلحة نوعية من تركيا يدل على عدم وجود صفقة بين أنقرة وموسكو بخصوص الهجوم، بالإضافة لأنه أظهر أن الجبهة الوطنية هي القوة الحقيقية بعد تقهقر مقاتلي هتش في المعارك، ما سيؤثر بشكل كبير مستقبلًا على المعادلات الداخلية في إدلب، او ضامني مسار أستانا.

يشير التصعيد الروسي بالاشتراك مع النظام السوري في المنطقة لوجود خلافات حول بعض النقاط مع أنقرة، خاصة مع وصول المفاوضات بين تركيا وواشنطن حول شرق الفرات إلى مرحلة متقدمة

وعلى ذلك فإن الشمال السوري فتح الباب مجددًا أمام خيارات متعددة، ففيما تحاول أنقرة الحفاظ على مكاسب المعارضة في المنطقة عن طريق المفاوضات، تصر موسكو على استعادة الريف الحموي مع جنوب إدلب حتى تتمكن من فرض قواعدها الجوية والبرية في الساحل السوري، وهو الأمر الذي تريد كسبه بالقوة العسكرية، فيما تسعى المعارضة للصمود وقتًا أكثر قد تحصل بسببه على ورقة ضغط تخولها دخول المفاوضات في حال حظيت بمكاسب يمكن التفاوض عليها مع النظام السوري.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ميناء اللاذقية عنوان مرحلة جديدة للإمبريالية الإيرانية

 لهذه الأسباب لن نشهد حربًا أمريكية – إيرانية في سوريا!