17-مارس-2016

علاء شرابي/ سوريا

يصبح تعاملنا مع الشِّعر أكثر جديةً كلما ابتعدنا عن فضاء الفيسبوك. كائنٌ ميّال إلى الاحتجاب مثله لا يريد إلا الاختباء في مناطق الهَمْس والأسى النائية، ولا يناسبه على الإطلاق أن يكون منصة للخطابة، ذلك أن صفحات التواصل الاجتماعي تتحوّل مع الوقت إلى منابر للخطابة المكتوبة، بما لا يختلف عن الخطابة القديمة إلاّ في الوسيط.

هل مات الشعر؟ ربما! موته نوع آخر من مواصلة الحياة

تحويل الشعر إلى كائن اجتماعي قتلٌ متعمّد له، فحيث إن طبيعة الفيسبوك بالذات هي التلصص، سيتحول الشعر الذي ينشره مستخدمو هذا الموقع إلى نوع من قراءات نفسية الشخص الذي ينشره لدى من يتلقونه، أكثر من ذهابهم إلى خيار القراءة الجمالية، فمثلًا؛ لو نشر أحد المستخدمين قصيدة للوركا، سوف يكون هم غالبية أصدقائه أو متابعيه هو البحث عن سبب نشره لهذه القصيدة بالذات، وعن الدافع والشعور الذي يعيشه، أي أنهم سيبحثون بكل ما حول النص، دون أن يكون النص نفسه محلَّ اهتمام.

لا شكّ أن فيسبوك لعب دورًا في تسهيل نشر الشعر، وسهولة تواصل الشعراء، والعمل على تشكيل مكتبات شعرية إلكترونية متاحة وسهلة لمن يرغب في القراءة الجادة، لكنه بين كل ذلك غيّب الشّعر. كثرته الضّارية قلّةٌ، إن لم نقل انعدامًا. الانفجار الشعري الجنوني الذي يبدو كارثة في المعاينة الأولى، وقد يثير الغضب والسّخط لدى الغيورين على هذا الفن، يقول شيئًا مهمًا للغاية، وهو أن علاقة الإنسان باللغة لا تزال تصلح لتعبّر عن وجوده، وهذا فقط ما يعوّل عليه.

هل مات الشعر؟ ربما! موته نوع آخر من مواصلة الحياة، أعني أنه يتحوّل إلى فن عصي يصعب قياده بالطلاقة الغنائية القديمة، أو بالاكتفاء به كبوح نفسيّ. موته هو تحوله إلى نوع من البحث والتثقف والدراسة، بحيث لا يكتفي بالقصيدة عمادًا له، بل بذهابه إلى فضاء الكتاب الشعري بما فيه من شغل ورؤية وجودية وفكرية. هناك فقط يمكن أن يتحوّل الموت، موت الشعر، إلى أخ شقيق للحياة، ومكمل لها ولمعناها.

اقرأ/ي أيضًا:

الفلسفة والأدب.. سردية حب معلن

السودان.. أدباء مصححو صحف!