الشرع في نيويورك.. بين وعود رفع العقوبات ومخاطر الترتيبات الأمنية مع إسرائيل
21 سبتمبر 2025
يشارك الرئيس السوري، أحمد الشرع، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في أول حضور لرئيس سوري منذ عام 1967. وتأتي هذه الزيارة في لحظة سياسية حساسة، إذ تتزامن مع مفاوضات أمنية متسارعة بين سوريا وإسرائيل بوساطة أميركية، ومع نقاشات حول رفع العقوبات المفروضة على دمشق.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن المباحثات تدور حول ترتيبات أمنية جديدة في الجنوب السوري، تشمل توسيع المنطقة العازلة، وفرض قيود على الطيران السوري في محيط دمشق، وإبقاء مواقع إسرائيلية متقدمة في جبل الشيخ. ويُنظر إلى هذه الترتيبات باعتبارها امتدادًا لاتفاق 1974 مع تعديلات أعمق، ما يثير مخاوف من تقليص فعلي للسيادة السورية.
وتعكس هذه المشاركة مسعى لإعادة موضعة سوريا في المجتمع الدولي بعد أكثر من عقد من العزلة التي كرّستها العقوبات وقطع العلاقات مع دمشق. غير أن هذه العودة لا تأتي بوصفها استعادة طبيعية لمكانة الدولة، بل نتيجة لتسويات سياسية وأمنية قيد التشكل، ما يجعلها مشروطة ومثقلة بآثار الماضي وبالتنازلات المطروحة في الحاضر منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024.
وتستمر زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للولايات المتحدة الأميركية مدة 5 أيام، من المتوقع أن يجري خلالها عدة لقاءات مع مسؤولين أميركيين ومسؤولين من دول أخرى، هذا طبعًا إلى جانب اللقاء مع أفراد في الجالية السورية.
تبدو عودة سوريا إلى نيويورك عودةً إلى الفضاء الدولي، لكنها مشروطة بتسويات وتنازلات وليست استعادة طبيعية للمكانة
من المتوقع أن يقدّم الشرع في كلمته أمام الجمعية العامة رؤيته لـ"سوريا الجديدة". لكن يبقى السؤال: هل سيقدّم هذه الرؤية باعتبارها مشروع إصلاح داخلي، أم كجزء من تسويق اتفاق أمني مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات وفتح باب العودة الدولية؟
وقبل يومين تقريبًا من وصول الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية، زار وزير خارجيته أسعد الشيباني واشنطن حيث التقى أعضاء في الكونغرس، بالإضافة لنائب وزير الخارجية الأميركي.
أبرز الأجندة
يحتل موضوع عودة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق صدارة الاهتمامات في الزيارة التي ينظمها الشرع ووزير خارجيته إلى واشنطن، ومن غير المستبعد أن تتوَّج مساعيهما في هذا الصدد بإعادة فتح السفارة السورية في واشنطن.
أما الملف الثاني، الذي يحضر في خلفية جميع القضايا المرتبطة بالعلاقة مع واشنطن، فهو "قانون قيصر" وما يرتبط به من عقوبات، هذا بالإضافة إلى "الاتفاقية الأمنية" مع إسرائيل التي يقال إنها سترى النور قريبًا.
وسيحرص الرئيس السوري أثناء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، على تقديم رؤيته لـ"سوريا الجديدة"، وهي رؤية يُعتقَد إلى حد بعيد أنّ معالمَها ارتسمت في التسوية السياسية التي تم التوصل إليها لإلغاء "عقوبات قيصر".
شروط إلغاء عقوبات قيصر
في خلفية هذه المفاوضات، يبرز ملف العقوبات الأميركية. فقد توصّل الحزبان الجمهوري والديمقراطي إلى اتفاق لإلغاء "عقوبات قيصر" بحلول نهاية العام الجاري، بشرط التزام دمشق بمجموعة من المطالب ذات طابع أمني وعسكري، ترتبط مباشرة بالترتيبات المقترحة مع إسرائيل.
وبموجب هذه التسوية ستقدِّم الخارجية السورية كل 6 أشهر تقريرًا للكونغرس الأميركي حول ما أُنجز في المجالات المختلفة التي تغطّيها الشروط والمطالب الأميركية. وفي حال أخفقت الحكومة السورية، خلال 12 شهرًا متواصلًا، في إحراز تقدم ملموس فسيكون في مقدور الكونغرس تفعيل خيار العقوبات ضدّها.
وتتعلق المطالب الأميركية، في المقام الأول، بمجموعة من القضايا العسكرية والأمنية، على رأسها الالتزام بهدف القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى، والعمل على أن تصبح سوريا عضوًا في التحالف الدولي ضد التنظيم.
كما يتعين على الحكومة السورية، في الجانب الأمني والعسكري أيضًا، "استبعاد أو اتخاذ خطوات لاستبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب العليا في مؤسسات الدولة والأمن، والتحقيق في الانتهاكات ومحاكمة من ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، بما في ذلك المسؤولين عن مجازر بحق الأقليات الدينية".
وعلى صلة بالنقطة الأخيرة المتعلقة بالأقليات تُطالَب الحكومة السورية أيضًا بـ"توفير الأمن للأقليات الدينية والعرقية وضمان تمثيلها في الحكومة، وعدم قيام سوريا بأي عمل عسكري من طرف واحد ودون سبب ضد جيرانها بما في ذلك إسرائيل، مع استمرار إحراز تقدم نحو اتفاقيات أمنية دولية حسبما يقتضيه الأمر".
وكان لافتًا خلوّ الاتفاقية من أي ذكر للديمقراطية والتداول على السلطة، فخارج سياق ضمان التمثيل الحكومي للأقليات العرقية والدينية، لم تتعرض الاتفاقية لذكر الانتخابات ولا قضية التداول على السلطة، بما يؤكد أن الأولويات الأميركية هي أولويات أمنية وعسكرية قبل كل شيء.
وبموجب هذه التسوية سيقوم رئيس مجلس النواب الأميركي أو من ينوبه بإبلاغ الحكومة السورية بنتائج التقرير المطلوب. وفي حال لم يتمكن رئيس مجلس النواب أو من ينوبه من تقديم شهادة إيجابية لفترتين متتاليتين، فإن رأي الكونغرس هو أن العقوبات بموجب "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 يجب أن يُعاد فرضها وتظل سارية حتى يقدم الرئيس أو من ينوبه شهادة إيجابية".
زيارة الشرع إلى نيويورك تحمل رمزية كبيرة لعودة سوريا إلى المنابر الدولية، لكنها تضع حكومته الانتقالية أيضًا أمام اختبار صعب: الموازنة بين استعادة الدور الخارجي وبين الحفاظ على السيادة الداخلية. فالاتفاق الأمني المقترح مع إسرائيل قد يمنح دمشق اعترافًا دوليًا ورفعًا للعقوبات، لكنه يفتح في المقابل بابًا واسعًا لاتهامات بالتفريط في الأرض والسيادة.