22-يوليو-2016

أنصار الديمقراطية يتظاهرون ضد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في أنقرة (اليف اوزتورط/الأناضول)

رغم فشل الانقلاب العسكري في تركيا، المنفذ من قبل أكثر من أربعين ضابطًا برتب عالية، من بينهم عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة التركية الجنرال أكن أوزتورك. يصر جمهور واسع، معاد تصنيفه إلى مضامين "العقل الجمعي"، الرافض أي من الحقائق الظاهرة عبر مختلف وسائل الإعلام، على أن ما حصل تمثيلية، لا أكثر.

الجمهور الذي انساق وراء غريزته الجمعية، وجد نفسه بعد ساعات قليلة، أمام أخبار متوالية توكد سيطرة الحكومة الشرعية، بدعم شعبي، على المؤسسات والثكنات والقواعد الجوية التي كانت بقبضة قادة الانقلاب سابقًا، رددوا عبارة ملفّقة مكذوبة لنيقولا ميكافيلي "إذا أردت أن تقضي على الخونة وأن تبرز قوتك للجميع، اخلق انقلابًا وقم بالقضاء عليه"، واتخذوها شعارًا ومدخلًا لنقاش محاولة الانقلاب.

يكفي أن هناك من يتذكر "رابعة المصرية" حتى اليوم الحالي

نموذجٌ آخر، قبل إعلان فشل الانقلاب العسكري، ساقته محطة "الميادين" الإخبارية، عندما استضافت العميد أمين حطيط، المقرب من "حزب الله" اللبناني، بصفته محللًا استراتيجيًا، عشية الانقلاب الفاشل، ليؤكد عبر المحطة أن الانقلاب نجح والجيش السوري وصل إلى حلب. لاحقاً أرجعت "الميادين" فشل الانقلاب التركي لمشاركة "الجيش السوري الحر" في الدفاع عن حكومة أردوغان، المنتخبة شرعيًا، وهذا تحديدًا ما يحب "العقل الجمعي" سماعه.

إذًا، نحن هنا أمام مجموعة لا يمكن شرح لها أن ما حصل كان انقلابًا عسكريًا مخططًا له، ونفذ قبل توقيته نتيجة تسريبات كسب الولاء الانقلابي، وكانت المناصب الحكومية موزعة فيما بينهم. حتمًا لن يشعر بذلك إلا من عاش لحظات الانقلاب منذ بدايتها من داخل إحدى المدن التركية أو خارجها.

وأشير هنا إلى فلسطينيي قطاع غزة المحاصر، اللاجئين السوريين في المخيمات وداخل المدن التركية، المعارضة السورية بشكل عام، الرئيس الشرعي وأنصاره في السجون المصرية، التقارب القطري – التركي، يكفي أن هناك من يتذكر "رابعة المصرية" حتى اليوم الحالي.

اقرأ/ي أيضًا: ديمقراطية على المآذن! 5 دروس من الانقلاب التركي

ومن نافل القول، التذكير بالأوامر الموجهة للانقلابيين عبر المجموعة المنشئة على تطبيق "واتس آب"، الرسائل أظهرت أنها أصدرت أمرًا باعتقال أو قتل الرئيس التركي. في الاشتباك مع القوة التي اقتحمت الفندق قتل أثنان من حرس أردوغان الشخصي. وزد عليها إصدار أمر اعتقال قائد الجيش الأول أوميت دوندار، أول المستهدفين من أصحاب الرتب العليا في الجيش؛ أحد الأوامر الصادرة من قادة الانقلاب كانت تترجى إلقاء القبض على دوندار، الذي ساهم بشكل كبير في الدفاع عن الحكومة الشرعية.

حتى أن أنصار "العقل الجمعي" تجاهلوا قصف مروحيات الانقلابيين للمدنيين الذين خرجوا للشوارع تلبية لنداء الرئيس التركي، عندما طالبهم بالنزول إليها للدفاع عن الديمقراطية، المشهد الموالي لنداء أردوغان، قابله طيف واسع يتمنى انتهاء "الشر التركي"، على حد وصف حطيط في المقابلة عينها، بعد ظنه المهزوز بأن الانقلابيين سيطروا على مقاليد الحكم، وسائل الإعلام الداعمة للانقلاب الفاشل، تجنبت الحديث عن سير الدبابات فوق أجساد المدنيين.

وقالت محطات كثيرة إن الشعب يعانق الجيش فرحًا بالانقلاب، الجيد أن الفصل كان صيفًا والمطر لم يهطل، جملة شعرية تنتظر إلقائها من "مذيعة المطر"، وإحدى وسائل الإعلام، غالبًا سورية، نقلت أن الشرطة التركية أجبرت قادة الانقلاب على النظر إلى صورة أردوغان لمدة يوم كامل عقابًا لهم... ولك أن "تتخيل يا رعاك الله"!

معظم المقابلات التي أجرتها الصحف العالمية مع المتظاهرين في شوارع أنقرة وإسطنبول وسائر المدن التركية، أكدوا على أن نزولهم للشارع ليس حبًا بأردوغان، إنما دفاعًا عن الديموقراطية الشعبية أولًا، ويعرفون تمامًا ماذا يعني حكم العسكر لبلد يعتبر من أكثر البلدان التي تشهد نهضة اقتصادية ثانيًا.

الأتراك عمومًا يعرفون تمامًا ماذا يعني حكم العسكر أكثر من أطياف العالم، مثلما يعرفون أن سياسي طموح بدأ يظهر إلى الساحة، أي الرئيس المشارك لحزب "الشعوب الديموقراطي" صلاح الدين دميرطاش

مذيعة قناة CNN تورك هند فيرات، التي أجرت مقابلة تلفزيونية مع أردوغان عبر تطبيق "فيس تايم"، قالت إن ابنتها سألتها عبر الهاتف "أليسوا هؤلاء جنودنا"، توصيف يبرز فداحة المشهد، الذي تعرضت له تركيا في ليلة غيرت المشهد السياسي لبلد اشتهر عبر تاريخه بالانقلابات العسكرية.

اقرأ/ي أيضًا: المعركة على نمط العيش عربيًا.. والنموذج التركي

في معظم كلماته التي ألقاها عقب إعلان فشل الانقلاب العسكري، لم ينسَ أردوغان توجيه الشكر للشعب التركي في المقام الأول، الذي كان له دور فاعل في إفشال الانقلاب، وفي المقام الثاني لأحزاب المعارضة التركية، التي سجلت موقفًا تاريخيًا، ويمكن ملاحظة ذلك من المظاهرات الشعبية التي خرجت ضد الانقلاب، مناصرو وأعضاء جميع الأحزاب إلى جانب مناصري حزب "العدالة والتنمية"، كان يهتفون لأجل مستقبل تركيا، مترفعين عن الخصومات السياسية، التي شهدت ذروتها أثناء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. حتى أن وسائل الإعلام التركية التي غطت أحداث عملية الانقلاب، تعاملت مع الموضوع بمهنية عالية، رغم ميولها غير المعلن لصالح الحكومة الشرعية، وهو ما أكده معظمها في اليوم التالي.

الغرابة التي أخذت مجرى مغايرًا في تلقف هزيمة العسكر العربي لخبر فشل الانقلاب التركي، أكثر من مثله إعلام قائد الانقلاب العسكري في مصر عبد الفتاح السيسي، الذي أصر عبر مؤسساته الإعلامية على أن "الجيش أطاح بأردوغان"، وتاليها المصادقات على تنفيذ أحكام الإعدام بحق قيادات من حركة "الأخوان المسلمين"، بتهمة "التخابر مع قطر"، وهي من ضمن التهم الموجهة بحق أول رئيس مدني منتخب عبر الديموقراطية الشعبية في العالم العربي، أقصد الرئيس محمد مرسي.

التغطية الإعلامية للحدث الانقلابي الفاشل، أوضحت أن الربيع العربي لم يستطع التغيير في عقلية الجمهور العربي، الذي يجد في حكم العسكر مركز حماية لحياته الحضرية، مستمتعًا بسوريالية البراميل المتفجرة، فخر الصناعة العسكرية في سوريا، وأحكام قضايا "التخابر مع قطر" و"حركة حماس"، المهزلة المفروضة من الحكومة الانقلابية في مصر، بين معترضتين، هناك موجة ثالثة بصبغة راديكالية بدأت معالمها تتشكل، وهو ما يجعلهم أكثر خوفًا من الإيمان بحروب الشعوب العربية للحصول على ديموقراطيتها، التي افتقدتها منذ استقلالها عن الغرب الاستعماري، شكليًا فقط.

اقرأ/ي أيضًا:

في أعقاب الانقلاب.. شرخ كبير بين تركيا وأمريكا

أردوغان وما بعد الانقلاب