25-سبتمبر-2015

وليد المصري/ سوريا

(العَالَمُ نَفَسُ الرَحْمَن/ ابن عربي)

مدخل: أنَا الشجرة، ولستها. أنا الناظر إليها. وأنا المنظور فيها. أنا النكرة وتعرفني. أنا المعرفة وتنكرني. نسرّ النجوى طيلة الوقت. إنها شجرة. يحدثُ وصلُ (لامٍ) تختم خاصرتها. أقرأ استعصاء محبّبا في جذعها الألِفيّ. أقول: ثمّة حبّ لا يرحم المارة، وحنين شائخٌ لا يفتر وأنين يصمّ الآذان. ثمّة طِيبٌ مجهولُ المَوردِ. إنها شجرة ونفَسٌ في آن. وليسَ (الآنُ) وقتًا بل هو حالُ المارة، يقيمون صلاتٍ خفية مع تلكم الاشجار الملبوسة من الداخل. فلا اهتراء ولو بدت القشرة رماديّة شاحبة بل كلُّهُ " لَبْسٌ من خلقٍ جديد". أقرأ من الحواميم. أسجد، مجنونًا، على ملأٍ. ثمّ أغيب.

أثر: هذا نحيبٌ عكسيّ مؤجّل. لا مدفعَ له إلا أن ألتحمَ بشجرة لامستْ سنّ الشيخوخة. يشبهُ ذلك يأسًا ناشطًا في العظام منذ أخبرني واحدٌ، واحدٌ فقط! أن الثلاثين شيخوخة أيضًا، ومن شأن الواصل أن يتّخذ خلانًا لا من البشر بل من الأشجار التي تعمّر في المدن الضامرة. والحال أنني أتأقلم حقا مع سماتِ الثلاثين بلا فضول ولا نشوة ولا متعة ناجزة من متع الحياة الدنيا وبلا نبوّة بطبيعة الحال، إلّا أن يكونَ أثرًا بائسًا من آثارها. إنه النحيب المفرد الذي يجعل وجها واحدا عبارة عن شيء أعرق من الملامح والقسمات ومن مجاهل نظرات الآخرين إذ يفترض أنّنا في الحالات العادية مجتمعون وإيّاهم على صعيد.

مخرج: (أنتظر حتفي). لم تعد هذه جملةً دالّةً إذ صارت، والمدينة على تلك الشاكلة، تركيبًا باردًا رغم المجاز الجيد في تشخيص هذا المصدر الثلاثيّ الأصل. وأحسب، منذ الآن، ساعة هذه الكتابة، أن نون الجماعة الرحيمة صالحةٌ جدا وبقوّة لملء فراغات هائلة بلا تكلّف أو مراوغة أو روايات طويلة عن قدرة واحدنا على انتظار مجهول لا يأتي إلا بعد جولات من الاسراف في قلب التعابير رأسًا على عقب أمام الآخرين. أقول الآخرين كلّ على حدة. يتفرج ويتعلم ويحاول تقليد هذه الطقوس القديمة التي لا تنفع أشخاصًا نبتوا في وجوه أشخاص آخرين ثم استسلموا، آخر الأمر، على نحو نهائيّ.

المعنى: تذهبين إلى الشجرة عينِها، مثلًا. تقفين أمامها. تقرأين. إنها مسافة متر أو أقلّ لا تفصل الجسد بقدر ما تفصل روحين قادرتين على الاهتراء بسلاسة، بمجرّد أن تدخل فكرتكِ البدهية الأولى في لحاء تلك الشجرة الملبوسة البيضاء. تكونينها. فيكون ذلك إيذانًا بانتهاء أشغالها كشجرة لم يعد رصيف الباطون يتسع لجذعها المنتفخ، ويكون ذلك إيذانًا بانتهاء أشغالكِ في الوقوف أمامها كأحد أنجزته المدينة، كأحد بلغ الفقدان منه كلّ مبلغ.