17-فبراير-2022

تضييقات مستمرة على المجتمع المدني في مصر (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

ازدادت وتيرة الانتقادات الحقوقية للدولة المصرية في السنوات الأخيرة، بخاصة بعد وصول جو بايدن إلى منصب الرئيس الأمريكي، وما أعلنه حزبه عن  استراتيجية التعامل مع "الدول الصديقة"، وأن ملف الحقوق والحريات هو أحد القيم الأساسية التي تعتمدها واشنطن في سياساتها المقبلة مع الدول. سمعة مصر السيئة في هذا الملف دفعت الخارجية الأمريكية في سبتمبر/أيلول 2021 إلى الإعلان عن حجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية التي تتلقاها مصر وربط الإفراج عن المساعدات بتحسين الأوضاع الحقوقية ومنح ملف الحريات الأولوية القصوى.

في مشهد لا يخلو من المفارقة، أعلنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان على نحو مفاجئ وقف نشاطها في مستهل العام الجديد

وبعد سنوات من تغافل السياسات الأمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب للممارسات الأمنية الداخلية في مصر وتردي ملف الحقوق والحريات، تجد الحكومة المصرية نفسها مضطرة إلى التعامل مع وضع عالمي جديد ومع سياسات مختلفة، وعليها التجاوب معها إن كانت مهتمة بالحفاظ على العلاقات المصرية-الأمريكية في صورتها الجيدة.

اقرأ/ي أيضًا: المجتمع المدني المصري.. تركة للريح

وربما كان هذا القرار هو ما دفع بالإدارة المصرية إلى الإعلان عمّا أسمته "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" بالتزامن مع إعلان أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكية عن تعليق المساعدات العسكرية، فيما بدا أن الإدارة المصرية ترسل برسالة إلى واشنطن مفادها أنها مستعدة لتحسين سجل حقوق الإنسان. الدافع نفسه ربما، هو ما جعل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يطلق تسمية "2022 عام المجتمع المدني" .

 

الشبكة العربية: نهاية مأساوية تقوض سردية النظام

بالتزامن مع هذه التطورات، وفي مشهد لا يخلو من المفارقة، أعلنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان على نحو مفاجئ وقف نشاطها في مستهل العام الجديد، وبالتحديد في 10 يناير/كانون الثاني 2022 بعد نشاط استمر 18 عامًا، بسبب ما أسمته الشبكة في بيانها بغياب الحد الأدنى من سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. وتعتبر الشبكة العربية من أهم وأبرز المنظمات الحقوقية المصرية التي لها ثقل واحترام إقليمي ودولي، نتاج ما بناه فريق عملها ومديرها المحامي الحقوقي جمال عيد على مدار سنوات من العمل الجاد على قضايا الحريات وأوضاع السجون المصرية.

جاء هذا الإعلان بالتزامن مع منتدى شباب العالم، ما وضع الإدارة المصرية في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، الأمر الذي دفع أحد الصحفيين بإذاعة مونت كارلو الفرنسية لسؤال الرئيس السيسي صراحة وعلى الهواء عن أسباب وقف الشبكة العربية لنشاطها وعن انتقادات أوضاع حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وحجب المواقع الصحفية في مصر.

في هذا السياق، استضافت الصحفية سولافة مجدي، المحامي الحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ضمن برنامجها "بودكاست 11" الذي تنتجه منظمة "نساء من أجل العدالة، ليتحدث للمرة الأولى وبكل وضوح عن أسباب وقف نشاط الشبكة العربية، وإن كان ثمة رسائل إلى النظام المصري بسبب توقيت الغلق المتزامن مع منتدى شباب العالم.

أوضح جمال عيد خلال حديثه أن توقيت وقف النشاط لم يقصد به إحراج النظام المصري، إنما السبب الحقيقي يرجع إلى انتهاء المهلة القانونية لتسجيل المنظمات في قانون الجمعيات الأهلية الجديد، حيث أن المهلة القانونية تنتهي في 11 يناير/كانون الثاني 2022، وبما أن الشبكة العربية شأنها شأن العديد من المنظمات الأخرى لم تستطع توفيق أوضاعها للتسجيل في القانون الجديد، فما كان منهم إلا وقف النشاط في 10 يناير/كانون الثاني 2022.

وعن أسباب فشل الشبكة العربية في التسجيل، يجيب عيد أن وزارة التضامن الاجتماعي المسؤول الأول عن القانون ليس لها أي دور حقيقي، فملف الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني يُدار بشكل بوليسي كامل من أجهزة الأمن الوطني المصرية. وهناك صعوبة حد الاستحالة في توفيق الأوضاع القانونية وتسجيل المنظمة في قانون الجمعيات الأهلية، فبالرغم من استبداد وإجحاف القانون إلا أننا ارتضينا التعامل معه، حسب تعبيره.

ويقول عيد، أنه لازال أحد المتهمين على ذمة القضية رقم 173 المعروفة إعلاميًا بقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، لذا لا يقدر على التعامل مع الجهات الرسمية في الدولة، كما أنه تلقى رسالة أمنية فحواها إلغاء اسم الشبكة العربية إذا أراد التسجيل في القانون، وعليه التفكير في اسم جديد للمنظمة، وكذلك أن تبتعد المنظمة عن اهتمامات الحريات الشخصية وحرية التعبير وأوضاع السجون والمعتقلين، وهي الموضوعات التي تهتم بها الشبكة وتعمل عليها منذ سنوات.

ويضيف مدير الشبكة العربية أن وقف النشاط يرجع لأسباب عديدة منها التضييقات والتهديدات والملاحقات الأمنية، حيث تلقت الشبكة رسائل بوليسية في ظل عدم وجود حماية من النائب العام أو القضاء، بل إن التهديدات تتم بتصريح وضوء أخضر من النيابة العامة، كما أن فريق العمل يتلقى تهديدات أمنية بشكل مستمر. كما أن 4 أفراد من فريق الشبكة أُلقي القبض عليهم، من بينهم 2 لم يفرج عنهم بعد، وأبرزهم المحامي الحقوقي عمرو إمام، المحبوس احتياطيًا منذ أكثر من عامين، متجاوزًا بذلك الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، فالرسائل الأمنية تأتي لفريق العمل إما بترك الشبكة العربية أو العمل "كمخبرين" ومتعاونين مع الأمن لنقل الأخبار، وإما مصيرهم الحبس كسابقيهم. وفي هذا السياق، وجد مدير الشبكة العربية نفسه غير قادر على حماية فريقه كما قال.

يُذكر أن جمال عيد تعرض للعديد من المضايقات والاعتداءات منذ عام 2013 وحتى الآن، ربما أبرزها ملاحقته قضائيًا والتحفظ على حسابه البنكي ومنعه من السفر، كذلك سرقة سيارته والاعتداء البدني عليه من قبل أفراد تابعين للأمن المصري في عام 2019، حسب ما صرّح.

وأصدر البرلمان المصري قانون تنظيم العمل الأهلي رقم 70 لعام 2017، إلا أن القانون تعرض للعديد من الانتقادات، لما اعتراه من تضييقات شديدة على المنظمات وصعوبات تحول دون تطبيقه، ما دفع القيادة السياسية بتوجيه مباشر من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تشكيل لجنة لمراجعة القانون والانتقادات الموجهة إليه، وتلافيها في المستقبل. أسفرت نتائج المراجعات عن قانون الجمعيات الأهلية رقم 149 لعام 2019، وعلى الرغم من كونه أفضل نظريًا من سابقه، إلا أن المنظمات الحقوقية كان لها رأي آخر.

أصدر البرلمان المصري قانون تنظيم العمل الأهلي رقم 70 لعام 2017، إلا أن القانون تعرض للعديد من الانتقادات، لما اعتراه من تضييقات شديدة على المنظمات 

فلم تقتصر مشاكل القانون فقط على لائحته التنفيذية، ولكن تلك المشاكل امتدت لتصل أن بعض المنظمات محرومة بأمر أمني من التسجيل، ما جعل من القانون ما يُشبه الفخ للمنظمات الحقوقية التي على غير هوى النظام المصري. فالحكومة من جهتها برّأت وجهها بإصدار قانون ينظم عمل الجمعيات الأهلية، وعلى من يريد العمل بداخل مصر أن يستظل بمظلته القانونية ويوفق أوضاعه ويقوم بالتسجيل في وزارة التضامن الاجتماعي. إلا أن المنظمات، حال ارتضت بشروط القانون وحاولت التسجيل، تجد أمامها عقبات غير مفهومة تمنعها من التسجيل، لأن الأجهزة الأمنية هي المسؤول الحقيقي عن إدارة ملف الجمعيات الأهلية.