10-فبراير-2020

جاسيك يريكا/ بولندا

شهادة

لقد كان الخطأ الذي ارتكبته الشاهدة جوهريًا، وهو ما دفع القاضي لإصدار حكم باحتجازها.

الشاهدة التي وقفت على المنصة تحت القسم القانوني بأن تقول الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة، قالت إن السيد "س" كان يمشي على الرصيف ساعة الحادث، بينما تشير الوقائع إلى كون السيد "س" كان يركض باتجاه أقرب إلى الشارع منه إلى الرصيف. وقالت إنه شمّر عن قدميه وعبر مستنقعًا من القاذورات، ما كان يمكنه تفادي عبوره ليصل الجهة المقابلة، بينما تؤكد الوقائع أنه عبر حفرة طينية لا أكثر. وقالت إنه ما إن وصل الجهة المقابلة، حتى كان نصفه السفلي قد اختفى، كأنما ابتلعته الطريق، بينما تبين الوقائع أن النصف السفلي خرج سليمًا، بينما عانى نصفه العلوي من بعض النقوصات الثانوية. وقالت إن السيد "س" ما إن انتبه لاختفاء نصفه السفلي، حتى شتم أم المحافظ بأقذع الأوصاف، وتوعده بأن يفعل في أخته ما تتحفظ المحكمة على التصريح به، لخدشه للحياء العام، بينما يظهر للمحكمة أن لسان السيد "س" كان من بين النقوصات الطفيفة، كما أنه نظرًا لسجل السيد "س" المدني والجنائي النظيف فإن المحكمة تفترض حسن النية فيما كان من الممكن أن يتفوه به حال كان لسانه حاضرًا.

وهكذا أمر القاضي باحتجاز الشاهدة بتهمة اليمين الكاذب وتضليل العدالة. وفي الغرفة الضيقة كانت اليدين المتدليتين قبالتها تحاولان الاستفسار عن سير القضية، بينما كانت الشاهدة تنتظر بصبر فارغ عودة عينيها من جلسة التحقيق.

أصابع ملونة

ينظر الطبيب الشاب باهتمام وقلق إلى رسومات الطفل الملونة، يعيدها مرة تلو الأخرى، واضعًا ما يفحصه في المؤخرة، وهكذا حتى مرت نصف ساعة لم تصدر منه سوى همهمات. كانت الأم تتابعه ببال مشغول ولا تجرؤ على مقاطعته خوف أن تتهم في صلاحيتها الأمومية. جاء صوته أخيرًا جامدًا كقطعة معدنية "منذ متى وهذا هو حاله؟" منذ متى سألت الأم نفسها، منذ يومين، أسبوعين، شهرين، طوال عمره، من يدري.

مد يده ولمس الأصابع المقطوعة في إحدى الأوراق، باردة بدم متخثر على العقد. إصبع مقطوع مكان الشمس في الزاوية اليمنى ولونه أصفر. إصبع مكان غيمة صغيرة ولونه أزرق، أصابع مكان الأبواب والمداخن وماء النهر الجاري، وأخرى مكتنزة مكان العيون والأقدام والرقاب. أصابع ملونة وبعضها يرتدي الأقراط ويضع أحمر الشفاه.

ينحي كل الرسومات جانبًا ويمسك مصعوقًا بواحدة منها، حيث يظهر إصبع واحد بلون أبيض بالكاد تظهر معالمه لولا حده الخارجي، وحوله ترتمي أصابع كثيرة ملونة، تشبه أقلام التلوين، بمشهد أقرب إلى مذبحة جماعية. يقف الإصبع الأبيض تلتف حوله أفعى صغيرة تشبه إلى حد بعيد الأفعى على خاتمه الموضوع في خنصره.

حذاء

يعيد المشهد الأخير على آلة التسجيل، النتيجة نفس النتيجة، ما زالت العمارة المقابلة تميل قليلًا باتجاه الولد الذي يلمع الأحذية في مدخلها، قبل أن يمسك فردة الحذاء الوحيدة التي كان مشغولًا بحتّها طوال النهار، ويهرول ثم يختفي في أحد المنعطفات. يعيد المشهد باستخدام خاصية العرض البطيء، بالكاد يظهر الميل واضحًا لولا ظهور البناية الخلفية في المشهد. هناك شيء ما سقط من الولد قبل أن يهرب أم أنه سقط من العمارة؟ وقع سؤاله على رأسه كصاعقة، كرر المشهد عشرات المرات، بالعرض البطيء، وبالعرض المسرع، حاول تقريب المشهد، والتركيز على الشيء الذي سقط لا يعلم من أين، وفي كل مرة كان يزداد سخطه ويأسه؛ إذ يبدو الشيء وكأن الهواء بدده، لا يوجد حتى ظل للشيء اللعين، لا أثر.

جالسًا في استوديو تصوير لأحد أصحابه، يعيد المشهد بخاصية التثبيت المعقدة، كل شيء واقف، عيون الولد الهلعة وأنفاسه المتسارعة، صندوقه وعدته والحذاء بيده، العمارة الخلفية، والميل المحدد الذي صار بالبينة القاطعة ثابتًا، وهناك يلتقطها تتحرك كموجة صوت بالكاد تظهر متعرجة، تقترب من الولد، تلمسه ثم تذوب، "اللعنة"، يصيح، "ما الذي كانت تريده العمارة من مد قدمها الحافية للولد؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

من حجر وإلى حجر

ثم تمرّ به الموسيقى