09-مايو-2019

الشاعر بديع الزمان السلطان (ألترا صوت)

ألقت الحرب في اليمن بظلالها القاتمة على الناس بشكلٍ عام، وعلى الأدباء الشباب بشكلٍ خاص، والشاعر بديع الزمان السلطان واحد من هؤلاء الذين يكتبون قصائدهم تحت وطأة هذه المآسي، فبعد أن تحولت البلاد إلى سجنٍ كبير نتيجة الحصار لم يجد سوى أوراقه ينسج عليها آماله العريضة بوطن آمن خالٍ من الأوجاع والجراحات، إضافة إلى أحلام خاصة بسيطة لا تتجاوز أكثر من مواصلة تعليمه الجامعي.

بعد أن تحول اليمن إلى سجنٍ كبير، لم يجد بديع الزمان السلطان سوى أوراقه ينسج عليها آماله بالسلام والحب

بدأ بديع الزمان بكتابة الشعر منذ الصغر، ففي محافظة ريمة، غربي اليمن، شدّته بيئته وقريته الجبلية الجميلة المكتسية بالخضرة والجمال إلى الكتابة، مستلهمًا من مدرجاتها الزراعية ورعاتها الصور البديعة.

اقرأ/ي أيضًا: الشاعر الذي كتب بعد وفاته.. الشاعر الذي لا يزال يكتب

لم يكن بديع الزمان بعيدًا عن الصرعات السياسية والحرب التي تشهدها البلاد، فبعد الانتهاء من الدراسة الثانوية انتقل إلى العاصمة صنعاء لمواصلة تعليمه الجامعي في 2016، وبدأ يحاول التأقلم مع واقع مغاير للحياة الريفية الهادئة، لكنه اصطدم بالدمار الذي خلّفته الحرب المستمرة، وبالوجوه الشاحبة البريئة التي فتكت بها آلة الدمار إما تغييبًا أو تشويهًا.

يقول الشاعر لـ"ألترا صوت": "الفواجع والجراحات لم تندمل، وكل ما يمكن التعبير عنه في مكنوناتنا لا يمكن أن يفي بحجم المأساة الكارثية التي نعيشها، لكننا نحاول أن نعبر عن هذه الملهاة الإنسانية ما استطعنا التعبير عنه".

بديع الزمان الذي يعمل نائب رئيس منتدى شعراء محافظة ريمة يكتب الشعر العمودي، ضمن النهج الخليلي التقليدي، لأنه يرى أن الشعر القديم أقوى وأرقى، فبالإضافة إلى حبه للأوزان والقوافي والبحور العروضية، يرى أن محافظته على كتابة القصيدة القديمة ليس سوى محاولة لاستعادة زمن الشعر العربي الأصيل.

أبو تمام وعبد الله البردوني هما مثله الأعلى، وعلى منوالهما ينظم قصائده، ونادرًا ما يكتب الشعر الحر أو النبطي. نشر ديوانه الشعري الأول تحت عنون "باحثًا عن وجه أمي"، الذي يحتوي على 70 قصيدة عمودية وبعض قصائد التفعيلة، في 222 صفحة، يبحث فيه عن وجه أمه الراحلة التي فقدها في حادث سيارة. في هذا السياق يقول: "تعرضت أسرتي إلى حادث مرير أثناء السفر الى مدينة الحُديدة في 2017، تسبّب في وفاة والدتي وابن عمي، ما سبّب لي صدمةً قاسيةً أضيفت إلى قاموس الصدمات التي تمر بها اليمن".

 كمثلِ طفلٍ أضاع الأهلَ والبلدا

أمشي على لغةِ الأوجاعِ مُنفرِدا

 

ومثل أُمٍّ أضاعتْ طفلَها زمَنًا

ووالدٍ فتّشَ الدّنيا وما وجَدا

 

ومثل حلمي الذي ما زلتُ أرقُبُهُ

فلا اقتربتُ أنا منهُ ولا ابتعدا

 

ومثل أرضي التي أمستْ كمقْبرةٍ

في كلّ آونةٍ تستقبلُ الشُّهدا

 

ثاوٍ على وجعي ليلًا أُرَتِّقُهُ

وللقصيدةُ معنىً لن يغيبَ سُدى

 

يا ذي البلاد التي قاسمتُها وجعي

والدّمعَ، والصّمتَ، والأحزانَ، والكَمدا

 

جرّبْتُ فَقْدَ أحبّائي الذينَ مضوا

لكنّهُ وطنٌ من داخلي فُقِدا

 

أرضي التي حبُّها ينسابُ مِلْءَ دمي

ولستُ أُشرِكُها في حبّها أحدا

 

أمّي التي أنجبتني كالسّحاب ندىً

وشـاعرًا يمنيًّا نـازِفًا أبدا

 

الحزن يراود قصائده كلها. لا تخلو قصيدة من ذكر أمه ورثائه لها، إضافة إلى البكاء على اليمن وما حل به بسبب الحرب العمياء، وتفرق الأمة العربية وتشتتها. في داخله غيمة من الأوجاع تنهمر قصائد وقوافي، وبصدرهِ كومة من الآلام تستحيل شواطئ ومرافئ. في أغلب الأحيان يرمز الى أمه التي فقدها في حادث السير ببلاده اليمن التي لا زالت تحتضنه رغم الجراح.

 

لمْ أجْتَرِح نجْمةً أُخْرى ولا قَمَرَا

لكنّها عادةُ العشّاقِ والشُّعَرَا

 

يُلَمْلِمونَ جِراحَ الوَردِ يفترِشونَ

الطِّينَ يلتحفونَ الغيمَ والشّجَرا

 

هم يملؤونَ فراغَ الأرضِ مِن دمِهمْ

ويشربونَ على آهاتِها الخَطَرا

 

يقايضونَ بكاءَ النّاسِ ضحكَتَهمْ

ويبسُطونَ يَدَ التّحنانِ للفُقَرا

 

ويغزلونَ جِراحَ الناسِ قافيةً

ويعزفونَ على إيقاعِها الوَترا

يحتوي ديوانه على بعض القصائد الغزلية، فليس هناك شعر بلا حب ومشاعر، كون غريزة الإنسان وأشجانه وأشواقه هي من تلهمه في الكتابة والتعبير، كما يرى. بالإضافة الى قصائد في المديح والحب النبوي.

لا ينتظر الشاعر اليمني بديع الزمان السلطان سوى أن تتوقف الحرب ليقف معها نزيف الدماء

يحاول التغلب على آثار الحرب والوحشة الناجمة عن الحالة الإنسانية التي تشهدها البلاد، بممارسة هواياته الأخرى في كتابة القصص والروايات التي تحتوي في طياتها الأمل كما يقوم بممارسة الرياضة.

اقرأ/ي أيضًا: رحيل الشاعر العراقي عريان السيد خلف.. موت الشعر العامي الملتزم

رغم أنه حصد العديد من الجوائز المحلية، إلا أنه يرى أن أكبر جائزة يطمح أن تقدم له هي إيقاف الحرب، وإيقاف نزيف الدماء التي تراق كل يوم:

لا شيءَ يُوحي بالحياةِ ولا صدىً

غيرَ البـكـــاءِ، وشــاعِــرٍ ذَرَّافِ

 

يا موتُ حسبُكَ ما أخذْتَ مِن الورى

هلّا اكتَفَـيْتَ بهـذهِ الآلافِ؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

أوكتافيو باث.. مغامرة الشاعر

رضا العبيدي.. اقتناص المشاعر المجرّدة