21-فبراير-2016

رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري (Getty)

 فجأةً أعلنت السّعودية عن نيّتها إيقاف وتعليق المساعدات للجيش اللبناني والقوى الأمنية، ليتزامن ذلك مع بدء حلفائها في لبنان، فريق 14 آذار بالتّهويل على اللبنانيين بطرد المغتربين من العاملين اللبنانيين في السّعودية، قرابة الـ 120 ألف لبناني ناموا البارحة في مدن السّعودية، ليستيقظوا اليوم على تهويلٍ بالتّرحيل، لا لذنبٍ ارتكبوه، بل لرغبةٍ عبّر عنها حلفاء السّعودية، بمعاقبة حزب الله على انتقادها، فإذا بها تعاقب اللبنانيين جميعًا، كأن التّسليح السّعودي كان لحزب الله لا الجيش.

 لبنان معرض اليوم لخسارة المساعدات السعودية، وبالتالي بحثه عن مصدر دخل آخر، على الأرجح أنه إيراني الهوى لمحاربة العزلة العربية المفروضة عليه

يُعتبر الجيش اللبناني الجيش الوحيد ذا العقيدة الثّابتة فيما خصّ العداء لإسرائيل، ويسجّل له بطولاتٍ عديدة في مواجهة العدو الإسرائيلي، آخرها كان حادثة العديسة - جنوب لبنان. منع السّعودية المساعدات عن الجيش اللبناني، والتي هي بالأصل مفروزة لمحاربة الإرهاب والمجموعات المتطرّفة، في زمنٍ تقود فيه السّعودية تحالفًا تُؤكّد أنّ غرضه محاربة الإرهاب، يطرح أسئلةً عديدةً حول الأولويات السّعودية. هل السّعودية جادّة فعليًا بالحرب على الإرهاب ولبنان حليف تاريخي لها؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، كيف لها أن توقف المساعدات التي تأخّرت أصلًا عن الجيش اللبناني؟

وإذا كان الجواب سلبيًا، فهل لذلك ارتباطٌ بالموقف السّعودي من حزب الله والإرهاب بشكلٍ عام؟ فالسّعودية عبر وزير خارجيتها عادل الجُبير كانت قد أعلنت مسبقًا أن حزب الله وتنظيم الدّولة الإسلامية هما وجهان لعملةٍ واحدة، أي أنّ المطلوب من الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني موقفٌ صدامي مع حزب الله، يعني بالتّالي إدخال السّاحة اللبنانية في أتون الفتنة والاقتتال الدّاخلي، فالموقف السّعودي في حال اتجه نحو التّصعيد، أي ترحيل المقيمين من اللبنانيين في السّعودية، وسحب الودائع، التي تعتبر درع أمانٍ للاقتصاد اللبناني من المصارف، يعني حكمًا حربًا أهليةً لبنانيةً جديدة، أو لنكن متفائلين، اقتتالًا لبنانيًا داخليًا بالحدّ الأدنى، وسوق لبنان إلى المجهول، اقتصاديًا وأمنيًا.

التّهديد بالتّرحيل ليس جديدًا، ولا صحّة لارتباطه بالموقف السّعودي من تدخّل حزب الله في سوريا وقتاله إلى جانب النّظام، فالتّرحيل بدأ منذ العام 2009، أي قبل بدء الحرب السّورية حتّى، ولأسباب سياسيةٍ عديدة تهدف في المجمل لتطويع لبنان، حيث تعتمد السّعودية سياسة العصا والجزرة، أي التّرهيب والتّرغيب، فتارةً تهدّد بالتّرحيل والحصار عربيًا، وطورًا تُغدق بالمساعدات "الكلامية" على الجيش اللبناني. عند إحساس السّعودية أو استشعارها ضعف حلفائها في لبنان، تشدّ عصبهم بخطواتٍ تتعلّق بالسّياسة اللبنانية الخارجية، لتدعيم موقفهم المخاصم لحزب الله وتأليب السّاحة الشّعبية اللبنانية عليه، دائمًا بحجّة ارتماء لبنان بالحضن الإيراني، لكن ماذا فعلت السّعودية لتبعد لبنان عن إيران سياسيًا ومحوريًا؟

تركت السّعودية الجيش اللبناني دون تسليح، واعتمدت على وعودٍ كلاميةٍ لتعويم رئيس الجمهورية السّابق ميشال سليمان، أربعة مليارات من الدولارات من الدّعم العسكري كان من المفترض أن يحصل عليها الجيش اللبناني من فرنسا بتمويلٍ سعودي، لم يصل منها شيء. لبنان بلا رئيس، لم تساهم السّعودية بالحلحلة ولم تتبنَ موقفًا واضحًا، مما جعل حليفيها الأساسيين، جعجع والحريري يرشّحان خصومهما السّياسيين، فرنجية وعون، ماذا فعلت المملكة للبنان كي تلوم حكومته اليوم على موقفها الذي ينصّ على النّأي بالنّفس؟ لبنان ينأى بنفسه رسميًا تجنبًا لرمي كرة النّار العربية المشتعلة في ملعبه، لماذا الإصرار على وضعه على فوهة بركان؟، لربما تعود المساعدات لاحقًا، بسعي من الحريري لإظهاره بطلًا، بعد أن فشل في فعل ذلك بنفسه من خلال عودته إلى لبنان.

السّعودية، بقطعها المساعدات عن لبنان، تزيد من الشّرخ بينها وبين اللبنانيين، بعد أن كانت تلعب دور الرّاعي الرّسمي والحامية السّياسية للبنان

يقدّر حجم الاستثمارات السّعودية في لبنان ب 5.4 مليار دولار، بينما ودائع الخزينة ب 1.2 مليار دولار، عدا عن مساعداتٍ سابقةٍ كانت السّعودية قد قدّمتها للبنان إبان حرب تمّوز والاحتلال الإسرائيلي. لبنان معرّضٌ اليوم لخسارة هذه المساعدات، وبالتّالي بحثه عن مصدر دخلٍ آخر، على الأرجح أنّه إيراني الهوى لمحاربة العزلة العربية المفروضة عليه. يُعاقب لبنان اليوم بسبب فريق سياسي واحد، متحمّلًا وزر وتبعات سياسات هذا الفريق، ربما لأن السّعودية لا تستطيع محاربته مباشرةً لغياب أي علاقةٍ أو ارتباطٍ بينهما، بالظّاهر، هنا مكمن الخلاف.

 أما الباطن، فقد كشف عنه المغرّد السّعودي "مجتهد"، فاستمرار لبنان بسجن أمير "الكبتاغون" السّعودي، عبد المحسن بن وليد بن عبد المحسن بن عبد العزيز، يثير غضب الجهات الحاكمة في السّعودية، بعد فشل المفاوضات بينها وبين حزب الله لإطلاق سراحه مقابل مطالب يريدها الحزب، مما دفع السّعوديين للتهديد بحصار لبنان، وإطلاق حفلةٍ من التّصريحات بالتّوازي مع ذلك من لبنان، فريق 14 آذار تحديدًا، لإكمال مشهد التّهويل والابتزاز، مما يضع القضاء اللبناني اليوم أمام تحدٍ جدّي بين الحفاظ على استقلاليته أو الرّضوخ.

السّعودية، بموقفها الأخير، تزيد من الشّرخ بينها وبين اللبنانيين، بعد أن كانت في السّابق تلعب دور الرّاعي الرّسمي والحامية السّياسية للبنان، لا سيما برعايتها اتفاق الطائف بالتّعاون مع سوريا حافظ الأسد، ربما تفترض السّعودية من موقفها المستجد بجلد لبنان، أنّها قادرةٌ على تطويعه بخلق هزّة في السّاحة اللبنانية الدّاخلية، يبدو أن المملكة لم تستفد بعد من دروس الماضي، أي اعتمادها على حلفاءٍ أثبتوا فشلهم. موقف السّعودية السّلبي من حزب الله انسحب على اللبنانيين جميعًا، وبدل أن تحتضن السّعودية اللبنانيين، تعاديهم.

اقرأ/ي أيضًا: 

الجيش الجزائري..عين على ليبيا وأخرى على تونس

"دربكة" مات..انتظروا "جمعة الغضب"